قضايا وآراء

وجدت نفسي محاطاً بنساء "الزمان"!

1300x600
خرجت كالمعتاد من عملي متوجهاً إلى محطة الـ"متروباص" في إسطنبول، وفاجأني منظر لم أعتده في هذه المدينة التي تحمل بين طياتها جمال الطبيعة، وعراقة التاريخ، وتنوع الأفكار.

المئات من البنات والنساء بأعمار الزهور يخرجن من تظاهرة كانوا فيها أمام "قصر العدالة"؛ احتجاجاً على الاعتقالات التي طالت أنصار جماعة "فتح الله كولن" قبل أيام.

انتظرنا الـ"متروباص".. وكل دقيقة تقريباً تمر سيارة الـ"متروباص"، لكنها مزدحمة جداً، ولا يمكن للواقفين أن يستقلوها..
بعد قرابة ربع ساعة جاءت سيارة فارغة -على غير العادة- واستوعبت عدداً كبيراً منا..

قلت في نفسي.. يتظاهرون ضد الحكومة، والبلدية توفر لهم السيارات بعد انتهاء المظاهرة!.. ليتكم كنتم في بلداننا العربية وشاهدتم الفرق..!
...
قال أحد الواقفين من الرجال -يظهر عليه الوقار- : "لتركب النساء أولاً، واسمحوا لهن بالجلوس.."

تفاجأ بعض الموجودين -ممن لم يعرفوا ماذا يحدث- من هذا الطلب، وبدأ أحدهم يهمس للآخر :
- من هؤلاء ؟!

- لا أعلم، ولكن يبدو عليهم جماعة إسلامية..

كان معظم المتظاهرين العائدين يحملون جريدة "الزمان"، التي كانت لا تفارق أيديهم، فهم يرفعونها في المظاهرات، ويقرؤونها في الحافلة.. بطريقة تقول للآخر: "نحن هنا"..
..
الذي لفت انتباهي حوار هادئ ذكي جرى بين بنتين في الحافلة، الأولى تنتمي لجماعة "الملا محمد دوغان" * (وكانت متواجدة في نفس المكان عرضاً)، والثانية من متظاهرات جماعة "كولن" ودار بينهما هذا الحوار...
قالت الأولى : هل عبرتم عن رأيكم ؟
الثانية : نعم، تظاهرنا ضد الظلم..

- فعلاً.. حبس الإنسان بلا تهمة ظلم كبير.
- ليس ظلماً فقط.. وإنما جريمة!

- والأكبر منه أن يكون هذا الظلم وهذا الحبس بلا ذنب..
- للأسف هذا ما حدث، هذا البلد بدأ يتجه نحو الهاوية!

- أنا أحس وأشعر بما تشعرين به، فوالدي حُبِس 17 شهراً ظلماً وعدواناً!
- لماذا ؟

- لفقوا له تهمة وسجنوه؛ لأنه لم يتفق مع أفكارهم!.. ذنبه الوحيد أنه عبر عن رأيه بما يعتقد به، ولكن النتيجة سجن لسبعة عشر شهراً!
- أصبحت حرية التعبير في هذا البلد جريمة، وأصبح القمع سياسة متبعة، من هؤلاء المجرمين الذين لفقوا لوالدك التهم ؟!

- قبل أن أقول لك من.. أزيدك من الشعر بيتاً، لقد اتهموا والدي بأنه عضو في تنظيم "القاعدة"!.. وأنه يسعى لإحداث الفوضى، ثم اتهموه بأنه يسلح مجموعات متطرفة في تركيا!
- لا يفعل ذلك إلا من كان مجرماً متمرساً في الإجرام!.. من هذا لندعوَ عليه، فسهام الليل لا تخطئ يا عزيزتي

- هو ليس شخص..هم منظومة كبيرة أخطبوطية!
- من ؟!

- جماعتكم.. جماعة "فتح الله كولن"!
.. صدمت البنت الثانية وتلعثمت...

الناظر من بعيد لهذا الحوار يجد فتاتين بعمر الزهور، بوجهين تعلوهما مسحة ربانية.. ربما هما ضحية لأجندة تريد تفرقة هذا الشعب الحي.
.. دائماً ما يحمل أتباع الجماعات الروح الطيبة، والتضحية الدائمة، والفكر النظيف.. فهم أصل الاستثمار.. فالله الله بهذه الزهور.

---
* تنتمي جماعة "الملا محمد دوغان" إلى "النورسيين"، وقامت بإضافة حواشٍ لـ"رسائل النور" التي نشرتها، وهي مجموعة ذات فعاليات مدنية وفكرية، كما أنها على عكس الجماعات "النورسية" الأخرى، لها تحفظات على الديمقراطية، وتؤيد ارتداء اللباس الإسلامي وإطالة اللحى. وجهت الجماعة سهامها عبر "رسائل النور" التي نشرتها إلى جماعة "كولن"، وانتقدت بشدة قيام جماعة "كولن" بجمع الصدقات؛ من أجل بعض المؤسسات، وأنشطتها في مجال الحوار بين الأديان، ومواقفها في بعض القضايا الفقهية.
وشنت عليها جماعة "كولن" حملة قوية، أودعت فيها الملا "محمد دوغان"، الضرير البالغ من العمر 66 عاماً، و122 شخصاً آخرين السجن، ونشرت الصحف الخبر على أنه عملية أمنية ضد تنظيم "القاعدة" (يناير 2010).