مقالات مختارة

قائمة سوداء تسلط الأضواء على لاعب جديد

1300x600
كتبت رولا خلف: جذبني لعدة أسابيع المسلسل التلفزيوني الأمريكي "القائمة السوداء"، التي يمثل فيها جيمز سبادر دور ريموند ريدينغتون (ريد)، العميل السابق في المباحث الأمريكية الإف بي آي الذي تحول إلى شرير يعرض خدماته على من كان يعمل لديهم من قبل.
 
كل حلقة من حلقات المسلسل عبارة عن مطاردة مثيرة لأحد المجرمين الدوليين الذين تتضمنهم قائمة ريد السوداء. ما يقوم به ريد هو مساعدة الإف بي آي في اصطياد هؤلاء الأشرار، وبينما يفعل ذلك يقوم أيضاً بتصفية منافس له هنا أو هناك أو يدمر خصماً هنا أو هناك.
 
ثم ما لبثت قائمة سوداء أخرى أن لفتت نظري، إنها تلك القائمة التي أصدرتها دولة الإمارات العربية المتحدة في الخامس عشر من تشرين الثاني/  نوفمبر، وصنفت فيها 83 هيئة مختلفة في أنحاء الشرق الأوسط وأوروبا والولايات المتحدة كمنظمات إرهابية. وتماماً مثل قائمة ريد، يراد لهذه القائمة أيضاً أن تحقق أكثر من هدف واحد – هناك ما هو جلي وهناك ما هو خفي.
 
في الظاهر تبدو قائمة الإمارات العربية المتحدة من النوع الذي يستحق الإشادة، فهي تخبرنا للوهلة الأولى أن هذا البلد يأخذ الإرهاب على محمل الجد، وأنه عازم على مكافحته. من الأسرار التي لم تعد خافية على أحد أن بعض التمويل الذي تحصل عليه منظمات مثل القاعدة والدولة الإسلامية في العراق والشام، يجمع من متبرعين في الخليج، وما من شك في أن سد أنابيب التدفق المالي سيسهم إلى حد ما في تقليص القدرات الإرهابية.
 
ولكن، إذا ما دققنا النظر في القائمة وجدناها انتقائية بشكل مريب، ما يبعث على القلق من أنها قد تؤدي إلى نتائج عكسية. فإلى جانب المجموعات الإجرامية مثل داعش، تشتمل القائمة على العشرات من المنظمات البحثية أو الاجتماعية الإسلامية التي لا يبدو أن أحداً آخر يراها مهددة للسلام العالمي.
 
لا يخفي عبد الله بن زايد، وزير خارجية الإمارات العربية المتحدة، أن بلاده تمط تعريف الإرهاب قائلاً في مقابلة مع فوكس نيوز: "كثير من البلدان تعرف الإرهاب على أنه حمل السلاح وإرهاب الناس به، أما بالنسبة لنا فإن الإرهاب يشمل أكثر بكثير من مجرد ذلك. ليس بإمكاننا التساهل حتى مع أصغر وأدق قدر من الإرهاب".
 
في الولايات المتحدة الأمريكية وفي المملكة المتحدة، وهما بلدان لا يمكن أن يقال إنهما تتساهلان مع أي قدر من الإرهاب، ثمة شعور بالاستياء من قائمة الإمارات السوداء. وأما في أوساط المنظمات الخيرية فثمة شعور بالصدمة، حيث وصف مجلس العلاقات الأمريكية الإسلامية "كير" القائمة بأنها "شاذة" بينما قالت عنها مؤسسة قرطبة التي تتخذ من المملكة المتحدة مقراً لها بأنها "غير مسبوقة وغير مسؤولة".
 
إن المحفز على هذه القائمة السوداء هو ما وصفه دبلوماسي غربي بأنه "هوس" الإمارات بالإخوان المسلمين، تلك الحركة المصرية التي فازت بأول انتخابات جرت بعد ثورة عام 2011 ثم ما لبثت أن أطيح بها في انقلاب عسكري.
 
اعتقاداً منها بأن الإسلاميين يشكلون خطراً وجودياً على النخب الحاكمة في العالم العربي، ما فتئت الإمارات العربية المتحدة تشن حملة لا هوادة فيها لقمع وتشويه سمعة أي فئة تشاطر جماعة الإخوان المسلمين في أيديولوجيتها أو لها أي علاقات بها مهما كانت هشة أو بعيدة.
 
لقد أزعج أبو ظبي أن تصطدم حملتها في أوروبا والولايات المتحدة بجدار منيع من الرفض يتمثل في سيادة القانون وبالقناعة بأن وصم الإسلاميين الذين يرفضون اللجوء إلى العنف بالإرهاب إنما يفتح طريقاً نحو مزيد من التطرف.
 
وزاد من إحباط الإمارات العربية المتحدة أن مناشداتها باتخاذ إجراءات ضد المجموعات التي يفترض أنها شريرة لم تثمر ما كانت تتوخاه من نتائج. من يجتمع من البريطانيين بمحمد بن زايد، ولي عهد أبو ظبي، يسمعون منه عن خلايا إرهابية في شرق لندن وعن قنابل ستنفجر لا محالة عاجلاً أم آجلاً، ويسمعونه يشكو من أن الحكومة البريطانية لا تولي أهمية كافية للأخطار التي تتهدد المملكة المتحدة محلياً.
 
صحيح أن الحكومة البريطانية أمرت بإجراء تحقيق بشأن جماعة الإخوان المسلمين، وذلك ولو جزئياً في استجابة لضغوط إماراتية، إلا أن أحداً لا يتوقع أن تؤدي نتائج التحقيق الذي لم ينشر بعد إلى حظر المنظمة. ولذلك تعتبر القائمة السوداء محاولة من قبل الإمارات تولي الأمر بنفسها، فالقائمة بما تحتوي عليه من أسماء يحقق بعضاً من أهداف الإمارات العربية المتحدة حيث أن تصنيف هذه المجموعات على أنها منظمات إرهابية إنما يثير الشكوك حولها ويضعها في موقف المدافع عن الذات.
 
مثل هذا التصرف الأحادي مؤسف، ولكنه آخر الأمثلة على تحول الإمارات العربية المتحدة من دولة خجولة تؤثر الدبلوماسية الهادئة إلى لاعب إقليمي صقوري. لقد عززت أبو ظبي الانقلاب العسكري في مصر من خلال دعمه مالياً، ونفذت غارات جوية ضد المسلحين الإسلاميين في ليبيا، وقادت الهجمة على قطر لإجبارها على التخلي عن دعمها لجماعة الإخوان المسلمين.
 
لا يوجد بعد من الحبكات ما يكفي لتأهيل أبو ظبي لإنتاج مسلسلها التلفزيوني الخاص بها، إلا أن هذه الإمارة الخليجية باتت تثير من الجدل حولها ما يبقي حلفاءها في حالة من الترقب إزاء تحركاتها القادمة.

(عن صحيفة "فاينانشال تايمز" البريطانية، ترجمة "عربي21" 15 كانون الأول/ ديسمبر 2014)