مقابلات

بنعبد الصادق: الحكومة تهيمن على التشريع في المغرب

بنعبد الصادق نائب رئيس لجنة العدل والتشريع بمجلس النواب المغربي - أرشيفية
حمَّل محمد بنعبد الصادق، نائب رئيس فريق العدالة والتنمية المكلف بالتشريع ونائب رئيس لجنة العدل والتشريع وحقوق الإنسان بمجلس النواب، الحكومة المغربية مسؤولية الهيمنة على التشريع، وعدم تمكين البرلمان من ممارسة وظيفته الأساسية في الجانب التشريعي، معتبرا أن الحكومة تهيمن في الواقع وفي جميع المجالات على التشريع، معتبرا أن هناك خللا.

وشدد بنعبد الصادق، محامي ورئيس المجموعة المغربية لبرمانيين من أجل التحرك العالمي "من أجل المحكمة الجنائية الدولية"، في حوار مع موقع "عربي21"، أننا سنجد ثلاثة أو أربعة مقترحات قوانين فقط تم تمريرها من مجلس النواب، والباقي كله مشاريع قوانين تقدمت بها الحكومة، معتبرا أن البرلمان له صفة المشرع، لكنه يكتفي في الغالب بالمصادقة على ما تقدمه الحكومة، ولا ينتج إنتاجا تشريعيا ينسب لنائب أو فريق برلماني.

وأكد بنعبد الصادق أن قطاع المالية بما له من دور مهم حظي بعناية معتبرة؛ حيث تمت المصادقة على القانون التنظيمي للمالية، وهو قانون "مهم جدا"؛ لأنه يؤطر جميع الأعمال التي تهيئ قانون المالية السنوي والمصادقة، والذي يؤطر بدوره عمل الحكومة السنوي.

وأوضح الصادق أن المصادقة على قانون البنوك التشاركية أو الإسلامية مهم جدا كذلك، لأنه سيعطي شحنة قوية للاقتصاد الوطني، نظرا لوجود شريحة عريضة من المواطنين لا يلجؤون إلى القروض الربوية، اعتمادا على مواقف شرعية، وهم الآن مستعدون للجوء إلى القروض في إطار هذه المؤسسات الإسلامية، ولو بكلفة أعلى، تجنبا لحرج شرعي، على حد قوله. 

وتاليا نص الحوار:

*  بداية أستاذ بنعبد الصادق، كيف تقيّمون وتيرة التشريع خلال السنوات الثلاث الماضية؟
 
وتيرة التشريع كانت في البداية متعثرة، بحيث أن السنة الأولى سجلت 31 نصا تشريعيا تم إصدارها في مجلس النواب، وهذا يرجع بالطبع إلى وضع الهياكل وما يصاحب تغير بداية الولاية التشريعية من تغير في صياغة القوانين وغير ذلك، ولكن هذه الوتيرة عرفت ارتفاعا ابتداء من السنة التشريعية الثانية، التي سجلت 77 نصا قانونيا، الشيء الذي يحقق ارتفاعا بأكثر من 200 بالمائة، وواصلت الوتيرة ارتفاعها خلال السنة الثالثة، لتتم المصادقة على 95 نصا تشريعيا، ونتمنى أن نصادق على أعداد أوفر من النصوص في السنتين المتبقيتين

* هل كلها قوانين؟ أم تتضمن المعاهدات الدولية؟

في هذه الأرقام التي ذكرت هناك معاهدات دولية نصادق عليها، ولا تكون موضوع مناقشات مطولة، لأن مجلس النواب يصادق على المبدأ وتمر دون إدخال تعديلات على نص الاتفاقية، بل تتم مناقشتها من حيت مبدأ المصادقة فقط. 

لكن الأهم هو نوعية النصوص القانونية التي تمت المصادقة عليها، والسؤال هو هل صادقنا على النصوص التي ستؤدي إلى تنزيل الدستور؟ لأن الهدف الأول لهذه الولاية التشريعية هو تنزيل الدستور.
 
* في تقديركم، ما هي القطاعات التي حظيت باهتمام أكبر خلال هذه السنوات الثلاث؟
 
جميع القطاعات حظيت بالاهتمام، إلا أن قطاع المالية له دور أكثر أهمية،إذ نصادق كل سنة على قانون المالية، وفي هذه السنة تمت المصادقة على القانون التنظيمي للمالية، وهو قانون مهم جدا، لأنه يؤطر جميع أعمال تجهيز قانون المالية السنوي والمصادقة، والذي يؤطر بدوره عمل الحكومة السنوي.

بعد ذلك، تمت المصادقة على قانون البنوك التشاركية أو الإسلامية، وهو مهم جدا كذلك، لأنه سيعطي شحنة قوية للاقتصاد الوطني، نظرا لوجود شريحة عريضة من المواطنين لا يلجؤون إلى القروض الربوية، اعتمادا على مواقف شرعية، والآن هم مستعدون للجوء إلى القروض في إطار هذه المؤسسات الإسلامية، ولو بكلفة أعلى، تجنبا لحرج شرعي.

* ولكن ماذا عن قطاع العدل؟

في قطاع العدل، كثير من الناس ينتظرون تنزيل القوانين المؤطرة للقوانين التنظيمية للعدالة، وينسون أن وزارة العدل تشمل كذلك حقوق الإنسان، وفي باب حقوق الإنسان صادقنا على نصين أو ثلاثة نصوص مهمة جدا، ونشير بالخصوص إلى القانون المتعلق بالقضاء على جميع أنواع الاختفاء القسري، وهذه القوانين تهيئنا لكي نكون في مستوى الاتفاقيات الدولية الخاصة بحقوق الإنسان، وهذا مهم جدا بالنسبة لي، نظرا لتشبعي بفلسفة حقوق الإنسان أولا، وثانيا لأن المغرب يُساءَل دائما في الأوساط الدولية في ما له علاقة بحقوق الإنسان، والحال أننا نتقدم تقدما كبيرا ومطردا في المجال، ولربما تنقصنا كيفية الدفاع عن مواقفنا أمام المؤسسات الدولية، وكيفية تجنيد المغاربة للدفاع عن وضعية المغرب إزاء حقوق الإنسان، انطلاقا من قناعتنا بأن المغرب يسير في الطريق المستقيم.

* هل معنى هذا أن حقوق الإنسان طغت خلال السنوات التشريعية الثلاث داخل لجنة العدل والتشريع؟

بالطبع هناك انتظارات أخرى على مستوى لجنة العدل، التي أنا عضو فيها، وسنشرع في القريب في مناقشة المشروعين الأساسيين للسلطة القضائية، وهما النظام الأساسي للقضاة، والقانون التنظيمي المتعلق بالمجلس الأعلى للسلطة القضائية، وهذا يأتي بعد مصادقتنا كما تعلمون على القانون الخاص بالمحكمة الدستورية، والقانون التنظيمي الخاص بلجان تقصي الحقائق، وهي آلية مهمة جدا كان البرلمان بغرفتيه محروما منها، لأن القانون تأخر لسنتين، ثم هناك القوانين التنظيمية للتعيين في المناصب السامية، وما إلى ذلك، والقوانين المتعلقة بالمجلس الاقتصادي والاجتماعي، فنحن نتقدم في طور بناء الدستور واستكمال تنزيله.
 
*  الملاحظ أن الحكومة وضعت لنفسها مخططا تشريعيا، لكن ماذا عن مجلس النواب باعتباره هو المؤسسة التشريعية؟
 
سأكون صريحا وأعبر عن رأيي بكل وضوح، أعتبر أن المبادرة التشريعية للسيدات والسادة النواب لا يمكن ممارستها بصفة فعلية في إطار المعطيات الحالية والوضع الراهن؛ لأنها تبقى مبادرات شخصية ومعزولة، ولا يتوفر أصحابها على وسائل مادية لإنجاز نصوص في المستوى. هذا هو الإطار العام، وأنا أتحدث من موقع يسمح لي بالتعبير عن رأي يؤخذ بعين الاعتبار، نظرا لتكويني كرجل قانون، ولكوني المكلف بالتشريع داخل فريق العدالة والتنمية، وأجد صعوبات جمة في جمع المعطيات، ووضع نص المقترح، وتمريره، والوصول به إلى مراحله النهائية.

* ما الذي يمنعكم كنواب وممثلين للأمة؟

أعتبر أن النواب إن لم ينتجوا مقترحات قوانين، لا من حيث الكم، ولكن من حيث الجودة، والمساهمة في المجهود التشريعي للحكومة، وللبلاد عموما، خلال هذه الولاية التشريعية، فهناك أسباب عميقة جدا بجب الانكباب عليها ومعالجتها، ومع الأسف هذا الأمر لا يحظى بالتكوين اللازم للسيدات والسادة النواب على المسطرة التشريعية، وهذا الأمر يجب أن يحضر، ولكن لا بد من توفير وسائل مادية كذلك.
 
* هل المشكل في عدم توفر الوسائل أم في الرؤية التشريعية بأكملها؟
 
هناك رؤية تشريعية تسير فيها الحكومة في اتجاه، ويسير النواب، بما فيهم نواب الأغلبية، في اتجاه آخر، فالحكومة لديها برنامجها التشريعي، ولم تفصله بحيث تأخذ هي جزءا على عاتقها وتتكلف أغلبيتها البرلمانية بجزء آخر، وهذا سيمكننا من توحيد الرؤية والعمل المشترك، ومن عدم تشتيت المجهود التشريعي، فالحكومة وضعت برنامجها التشريعي وتشتغل عليه، فما الذي يبقى للنواب؟ تبقى جزئيات فقط، ثم المناقشة والمصادقة، ولا يوجد تنسيق نهائيا.
 
* لمن تحمّلون مسؤولية غياب التنسيق؟
 
الجميع يتحمل المسؤولية، حكومة ونوابا، ولا يجب أن يتهرب أحد من تحمل مسؤوليته. السؤال هو من سيأخذ مبادرة التنسيق؟ زد على ذلك الموقف التي اتخذته الحكومة من المبادرة التشريعية في القوانين التنظيمية. الدستور صريح، ويسمح لكل نائب أو نائبة بالتقدم بمقترح قانون تنظيمي، وقد قمنا بمجهودات، وقدمنا مقترحات قوانين تنظيمية، وكنا مضطرين لسحبها.

* لماذا سحبتم مقترحاتكم؟

لأن الحكومة اتخذت موقفا بأن القوانين التنظيمية تقدم مشاريعها الحكومة وحدها، وهذا الأمر في رأيي لا يستقيم، لا من حيث المشاركة في المجهود التشريعي، ولا من حيث الأساس القانوني، الذي هو الدستور، والنتيجة نراها الآن، والدستور ينص على أن البرلمان يناقش على الأقل مقترح قانون واحدا في الشهر، وهو أمر ضئيل جدا، والنتيجة أننا لا نصل حتى إلى هذا الرقم. على مستوى اللجان، الأسبقية المطلقة لمشاريع القوانين، ومقترحات القوانين تبقى في الرفوف.

التشريع اليوم دستوريا أصبح من اختصاص البرلمان حصريا، والناس لم تستوعب بعد هذا التحول الذي جاء به الدستور الحالي، وأعني هنا جميع المسؤولين، الذين لم يستوعبوا بعد أن الدور الأساسي للبرلمان هو التشريع.
 
*هل يعني هذا أنك تتفق مع الرأي القائل بأن الحكومة تهيمن على التشريع؟
 
بالطبع، الحكومة تهيمن، في الواقع، وفي جميع المجالات، على التشريع، وإن رأى أحد رأيي خاطئا فليأت بحجته، وأنا حجتي أن الأرقام التي ذكرت في البداية، إذا نظرنا في تفاصيلها، سنجد ثلاثة أو أربعة مقترحات قوانين فقط تم تمريرها، والباقي كله مشاريع قوانين تقدمت بها الحكومة.

إذن هناك خلل، البرلمان له صفة المشرع، ولكنه يكتفي في الغالب بالمصادقة على ما تقدمه الحكومة، ولا ينتج إنتاجا تشريعيا ينسب لنائب أو فريق برلماني. وفريقنا هو أول فريق من حيث كم مقترحات القوانين التي تم تقديمها، على مدى ثلاث سنوات مر قانون واحد بجلسة علنية، وصودق عليه، ونشر في الجريدة الرسمية، وهو القانون الذي يعدل القانون الجنائي من حيث العقوبات المتعلقة بالرشوة واستغلال النفوذ وما إلى ذلك.
 
* كيف يتم التنسيق مع فرق الأغلبية في الجانب التشريعي؟
 
التنسيق يتم على مستويين: المستوى الأول مرتبط بمشاريع القوانين التي تمر في اللجان، فعندما نأتي بمقترح قانون نعرضه على فرق الأغلبية، وعلى مستوى اللجان يتم التنسيق على مستوى التعديلات على مقترحات القوانين التي تناقش داخل اللجان، وهناك تنسيق بحيث أن كل فريق من فرق الأغلبية يقدم تعديلاته على النص المطروح للمناقشة، وتلك التعديلات نجمعها ونخرج بتعديلات مشتركة، وهذا الأمر ليس فيه صعوبات كبيرة، لأننا نتوافق في الغالب، ونصوت دائما في الاتجاه ذاته، ولحد الساعة ليست هناك مشاكل بين فرق الأغلبية. المشكل هو وجود عجز وظيفي على مستوى البرلمان من حيث الإنتاج التشريعي، دون إغفال بعض المبادرات على مستوى النظام الداخلي للمجلس وغيرها، ولكن الأمر يتطلب ولاية أو ولايتين حتى يتكون برلمانيون متخصصون في التشريع.
 
* ما جديد مقترحات فريقكم النيابي، وفي أي اتجاه تسير خلال هذه السنة من الولاية؟
 
مقترحات الفريق لا جديد يذكر فيها، لأن هناك هيمنة لاحكومة، ومنع من تقديم مقترحات قوانين تنظيمية، والمجهود الذي يجب بذله لتنزيل الدستور يجعلني أقول إنه ليست لدينا الآن مبادرات في مستوى تنزيل الدستور، وهناك بعض المبادرات الهامشية، تتعلق بالحالة المدنية، وبإحداث وكالة من هنا ووكالة من هناك، ولكن هذه الأمور لا أرى أهميتها على مستوى تنزيل الدستور، الذي هو بالنسبة لي هاجس هذه الولاية التشريعية.