ملفات وتقارير

باحثون يناقشون "تقرير التعذيب" وتورط المغرب مع CIA

مجلس الشيوخ قام بالشطب على أسماء الدول المتورطة في "تقرير التعذيب" - عربي21
غيّبت وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية "سي آي إيه" ولجنة الاستخبارات في مجلس الشيوخ الأمريكي، الحديث عن الدول المشاركة في عمليات الاعتقال والتحقيق والتعذيب، عبر آلية "التشطيب" على أسماء الدول، وتجنب تعبير "التعذيب"، واستخدام كلمات تبدو أخف وطئاً، وذات مدلول أقل فظاعة، مثل "تقنيات تعزيز الاستجواب"، أو "برنامج التسليم والاعتقال والاستجواب".

وعلّق الباحث السياسي المغربي المقيم في أمريكا، عز الدين عزماني في تصريح لـ"عربي21"، بالقول، إن التقرير يوضح مستوى الصراع السياسي بين الجمهوريين والديمقراطيين في أمريكا، وقد بلغ أوجه مع هذا التقرير، الذي يعد آخر رصاصة يملكها الديمقراطيون في وجه الجمهوريين، قبل أن يتحولوا إلى أقلية في الكونغرس.

وأثار الملخص التنفيذي لتقرير لجنة الاستخبارات في مجلس الشيوخ، الذي حمل عنوان دراسة "حول برنامج وكالة المخابرات المركزية في الاستجواب والتحقيق"، التي جاءت في 499 صفحة، موجات غضب من السياسيين الأمريكيين، لأنه أول اعتراف رسمي أمريكي موثّق بالوقوف وراء عمليات تعذيب، وإشراك دول أخرى في عمليات التعذيب المفتوحة ضد المعارضين للسياسة الأمريكية.

وتحدث الملخص التنفيذي عن وسائل التعذيب التي تستخدمها "سي آي إيه" في الاستجواب، بعد رصد أهدافها والقبض عليهم، والاحتجاز غير القانوني، واستخدام طرق غير قانونية في انتزاع المعلومات والاعترافات من المتهمين بـ"الإرهاب"، بعد أحداث 11 من أيلول/ سبتمبر عام 2001.

ونشر جزء من التقريرالأمريكي بعد أن قررت لجنة "الكونغرس" التي عملت عليه لمدة خمسة أعوام أن تنشر 500 صفحة منه فقط، وأن تحتفظ ببقية التقرير -أكثرمن 6000 صفحة- سريًّاً، حتى إشعار آخر، خاصة بعد الصدمة التي أحدثها وسط المجتمع، والنخبة الأمريكيين.

واعترف التقرير بعدد من وسائل التعذيب التي استخدمتها الوكالة، والتي من بينها: "التغذية والإماهة الشرجية"، التي ذكر التقرير أنها تقنية خضع لها خمسة على الأقل من معتقلي الوكالة، ووسيلة "الحبس داخل الصندوق"، وهي الطريقة التي وافقت عليها إدارة بوش، وأول من خضع لها كان المعتقل "أبو زبيدة" في أفغانستان عام 2002.

رصاصة الديمقراطيين الأخيرة

وقال عزماني وهو باحث في القانون الدستوري والعلوم السياسية، إنه لقياس تداعيات التقرير على الداخل الأمريكي، "يتعين استحضار بعدين أساسيين: البعد الأول يتعلق بالمزاج العام الأمريكي، والبعد الثاني يتعلق بالمواقف الحزبية المتباينة، التي تؤثث المشهد السياسي الأمريكي".

وأضاف عزماني، لـ"عربي21" أنه "من الواضح أن التقاطب الحزبي له تأثير فيما يخص تفاعلات الموقف من قضية التعذيب، بالنسبة لقيادة الحزب الديموقراطي والداعمين له وعلى رأسهم الرئيس الأمريكي باراك أوباما ،ورئيسة اللجنة التي أشرفت على إنجاز التقرير، فإن إصدار التقرير يسائل الروح الأخلاقية للأمة الأمريكية، وهو مناسبة للاعتراف بالتجاوزات، والسعي للتصالح مع التاريخ".

وفي المقابل، وفقاً لعزماني، فإن "مسؤولي المخابرات الأمريكية وقيادات الحزب الجمهوري رفضوا التقرير، وعدّوه مساهمة مجانية في تلطيخ السمعة الأمريكية في العالم، وما قد يكون لذلك من تبعات على الصعيد الأمني".
 
وتابع الباحث بأن "خلف هذه التفاعلات في الموقف نجد حقيقتين أساسيتين: أولها، أن نشر التقرير جاء بعد التراجعات السياسية والحزبية الأخيرة للديموقراطيين في الانتخابات الأمريكية، وثانيها، أنه جاء قبل أسابيع قليلة من فقدان الحزب الديمقراطي لرئاسة لجنة الاستخبارات، التي سيتولاها الجمهوريون الشهر المقبل، بحكم فوزهم بالأغلبية في مجلس الشيوخ، مما قد يدفعهم إلى تعطيل إخراجه والإبقاء عليه في نطاق السرية".

وأضاف أن "أهم قضية ستثير الرأي العام الأمريكي وكل قارئ للتقرير، هي أن الأدوات التي استعملت في التعذيب بتلك الطرق البشعة التي يصفها التقرير، كانت دون نتائج مرضية، إذا نظرنا إلى الموضوع من زاوية الفعالية المهنية الصرفة، وليس من الناحية الأخلاقية، ولعل هذه القضية ستكون مثار جدل كبير بين الأطراف المختلفة في الموضوع، وخاصة جهاز الاستخبارات الأمريكية".

وبخصوص وقع التقرير على المواطن الأمريكي، قال الباحث إن "التقارير واستطلاعات الرأي التي أجريت حول الموضوع تكشف بأن موقف المواطن الأمريكي تجاه قضية التعذيب يتّسم في مُجمله بالتّناقض والتذبذب".،

وأوضح أن المواطن الأمريكي "يُقدر الدّور الأمني في التعاطي الحازم مع الإرهاب، خاصة بعد أحداث 11 أيلول/ سبتمبر 2001، ولكن من جهة ثانية يرفض ممارسات التعذيب المُخلّة بمبادئ حقوق الإنسان، كتلك التي وردت تفاصيلها في التقرير"، مضيفاً أن هذا التذبذب في الموقف العمومي يتأثر أيضاً بالمعطيات الجديدة، وانكشاف الحقائق بشكل لا لبس فيه".

التشطيبات وبياضات التقرير

بدوره، قال الباحث والمحلل السياسي، محمد مصباح، لـ"عربي21"، إن "الكشف عن التقرير لم يحمل مفاجأة جديدة، لا سيما أن شواهد التعذيب في سجون أبو غريب وغوانتانامو أكدت منذ فترة مبكرة، أن ممارسات التعذيب منتشرة على نطاق واسع".

وتابع مصباح، بأن "أهمية الوثيقة أنها كشفت بشكل رسمي وبشكل لا يقبل الجدل، عن وجود سياسة ممنهجة للتعذيب، سلكتها الإدارة الأمريكية السابقة في تدبير ملف ما يسمى بالحرب على الإرهاب".

وأبدى الباحث أسفه بأن التقرير لا يشير إلى أسماء الدول والأشخاص الذين ساهموا في التعذيب، وهذا يحول دون معرفة الحقيقة كاملة، مما يجعل إمكانية تكرر هذه الممارسات ممكنة في المستقبل".

ويرى عزماني، أن كثرة "التشطيبات" داخل التقرير، وإصدار ملخص تنفيذي عوضاً عن التقرير كاملاً، كان قد سبقه جدل كبير بخصوص رفع السرية عنه، على الرغم من أن الرئيس الأمريكي باراك أوباما كان من الداعمين لنزع السرية عن التقرير، ونشره في نسخته الكاملة".

وقال عزماني، إن "المراجعات المتواصلة للنسخة الأصلية التي أشرف عليها جهاز الاستخبارات الأمريكية من جهة، والخلاف الحاد بين الجمهوريين والديموقراطيين من جهة ثانية، قد ساهم في خروج التقرير بهذه الصيغة الحالية".

وأضاف الباحث أن "التوافق قد حصل بين جميع الأطراف لحجب بعض المعلومات وشطبها من التقرير، مثل الأسماء الحركية لعملاء (سي آي إيه)، أو البلدان التي تعاونت مع البرنامج السري". 

وأشار إلى أن "حصول التوافق على هذه الصيغة، ورفع الحرج عن بعض المسؤولين الحاليين، يعني أن إمكانية محاسبة المسؤولين عن جهاز الاستخبارات والمتورطين في عمليات التعذيب غير قائمة".

رمزي بن الشيبة.. عنوان التعاون المغربي

وحول حقيقة تورط المغرب في المساهمة بالتعذيب وفق "تقرير التعذيب"، قال عزماني، إن "التقرير الذي بين أيدينا لم يشر إلى المغرب أو أي بلد آخر بالاسم مباشرة، حيث تم حجب أسماء الدول". 

وأوضح أن بعض التحليلات الإخبارية في الصحف الدولية، اعتمدت على تقرير سابق من إنجاز مؤسسة "مبادرة المجتمع العادل" في عام 2013، وأيضاً على خبراء مقربين من معدي التقرير النهائي لرفع الحجب عن المعطيات المشطب عليها، وفك شفرات التقرير الحالي المتعلقة بالتعاون الأمني المغربي مع أمريكا".

وتابع الباحث، بأن التحليلات الإخبارية قد أدرجت المغرب في "البرنامج التعاوني الخاص للاستخبارات الأمريكية"، الذي بمقتضاه استقبل المغرب بعض المتهمين بالإرهاب، لاستنطاقهم والتحقيق معهم، قبل ترحيلهم إلى بلدان أخرى.

وما يثير الانتباه، وفق عزماني، أن من بين البلدان العربية التي شاركت في برنامج الترحيل السري للمخابرات الأمريكية، نجد أن المغرب إلى جانب العراق من الدول العربية التي احتوت على ما يسميه التقرير "المواقع السوداء"، وهي سجون سرية للاعتقال والتعذيب تابعة للاستخبارات الأمريكية، وقد سبق لجريدة "الغارديان" البريطانية أن عينت في خريطة من اقتراحها سجنين مغربيين، وحددت مكان وجودهما".

وبينما قد يكون الغزو الأمريكي للعراق سبباًلتفهم دعمه غير المشروط، فإن التعاون المغربي يفتح أكثر من علامة استفهام حول أسبابه، وأبعاده وطبيعة الصفقات بشأنه، وأيضاً صلة كل ذلك بأحداث 16 أيار/ مايو 2003، حينما اعترفت أعلى سلطة في المغرب بوجود تجاوزات في التعاطي مع المعتقلين الذي اتهموا بضلوعهم فيها، وفق عزماني.

ويقف التقرير الحالي بشكل مفصل على حالة رمزي بن الشيبة المتهم في هجمات "11 سبتمبر"، الذي تم ترحيله من أفغانستان إلى المغرب في أيلول/ سبتمبر 2002، ويذكر أنه قد خضع للاستجواب في أحد السجون السرية في المغرب، لحوالي خمسة أشهر، قبل ترحيله إلى أمريكا".

المغرب في تقرير منظمة حقوقية

قدم تقرير منظمة " "Open Society Foundationوهي مؤسسة مدنية مستقلة، ومقرها في أمريكا، صورة قاتمة عن التعاون المغربي مع السياسة الأمريكية في الحرب على "الإرهاب"، حيث تعد المغرب والعراق الدولتين العربيتين الوحيدتين اللتين استضافتا سجوناً تابعة لـ"سي آي إيه" على أراضيهما.

ولم يقف الأمر عند هذا الحد، بحسب المنظمة، فقد شمل مجال التعاون قائمة الأفراد الذين أرسلتهم "سي آي إيه" إلى سجون المغرب، مثل "أبو القاسم بريطل"، و"نور الدين"، و"بنيام محمد". 

وكانت الوكالة قد نقلت "بريطل" إلى المغرب في أيار/ مايو 2002، حيث تعرض للتعذيب لأكثر من ثمانية أشهر في سجن تمارة، كما أن "سي آي إيه" نقلت في تموز/ يوليو 2002 "بنيام محمد" إلى المغرب، حيث كسرت عظامه من المحققين في أثناء ضربه، إلى جانب تعرضه للتهديد بالصعق الكهربائي، والاغتصاب، والموت، حتى قام معذبوه بقطع أعضائه التناسلية، وسكب الماء الساخن عليها في أثناء تقطيعها.

ونقل إلى المغرب كذلك "الدعيكي" قادماً من موريتانيا، وظل محتجزاً فيها لمدة شهر. 

و"المداغي" الذي نقل إلى المغرب أيضاً، وحبس في منشأة أمريكية، بالإضافة إلى المعتقل "حسن غول"، و"عمار البلوشي"، و"جوليد حسن دوراد"، و"رضوان إسلام الدين" (حنبلي)، و"عبد الرحيم النشيري"، والقياديين البارزين في تنظيم القاعدة "رمزي بن الشيبة"، و"أبو زبيدة".

وذكر التقرير أن المغرب استقبلت على أراضيها منشأتين تابعتين لـ "سي آي إيه"، لتضما المعتقلين السريين، وهما مركز معتقل "تمارة" في جنوب الرباط، الذي أنشأته خدمات الأمن الداخلي المغربية، والمنشأة الثانية تم بناؤها في "عين عودة" بالقرب من الرباط، بواسطة السلطات المغربية، وبمساعدات أمريكية، ويقبع في هذا المعتقل بالتحديد المشتبهون من أعضاء القاعدة.

ويؤكد التقرير تورط شركة "جيبسن داتبلان" في هبوط طائرات تابعة لها على أراضي الرباط، لتنفيذ عمليات تسليم معتقلين سريًّاً، بالإضافة إلى تورط شركة طيران "ريكمور" في هبوط سبع طائرات تابعة لها على أرض المغرب في عام 2004.