كتاب عربي 21

دوافع ودلالات تصريح اللواء "سليمان محمود"حول "درنة"

1300x600
مما لا شك فيه أن اللواء سليمان محمود يدرك خطورة تطور الوضع في درنة، ويدرك أيضاً تعاظم الاهتمام المحلي والدولي، الذي جعل درنة اسماً يقترن بـ "عين العرب كوباني".

 فقد كانت التطورات الأخيرة في المدينة محل نقاش خبراء في وكالة الاستخبارات الأمريكية (CIA) حلّوا ضيوفاً على القناة الأمريكية الشهيرة (CNN). ومن المعروف أن بعض ما تتناوله هذه المحطة يعبر بشكل أو آخر عن الموقف الرسمي، أو يأتي تمهيداً لقرار أو فعل حكومي مرتقب. 

من ناحية أخرى، يقطن المدينة ويحيط بها بطون متعددة من قبيلة العبيدات التي ينتسب إليها سليمان محمود. وعليه فإن التركيز على "الخطر" الذي يحدق بالمدينة جراء بروز المجموعات الإسلامية المتشددة، وفي مقدمتها "تنظيم الدولة"، الذي صار صوته مسموعاً، وتحركاته ظاهرة، يعطي لتصريحات سليمان محمود أهمية واهتماماً قد يلفت الأنظار إليه.

سليمان محمود لم يؤيد عملية الكرامة أو على الأقل لم يساندها، وهو ربما يدرك أن مبررات الحرب التي شنها اللواء خليفة حفتر على المجموعات المسلحة في بنغازي لم تكن كلها حقيقية، مع أنها لاقت قبولاً واسعاً، بسبب الخوف والقلق على حاضر المدينة ومستقبلها، بعد سلسلة الاغتيالات التي بدى وكأنه لا نهاية لها، وبعد تيقن أهلها بأن لا جهد حقيقي لمجابهتها من أجهزة الأمن وفي مقدمتها مديرية أمن بنغازي، والغرفة الأمنية المشتركة. وأيضاً لأن كثيرين ممن أيدوا الحرب لم يكونوا يدركون نتائجها، ولم يتوقعوا آثارها حيث تنزلق المدينة اليوم إلى المجهول.

وربما يدرك سليمان محمود التحديات التي تجابه حفتر بعد نحو سبعة أشهر من القتال المتواصل، الذي تطور من مجابهات خارج بنغازي إلى قصف محدود بالطيران والمدفعية، ثم مجابهات داخل أحياء المدينة وقصف جوي وبري على الأحياء، مما يعني الانتقال إلى طور التدمير المركز والواسع دون أن يرافق ذلك مؤشرات قوية قرب هزيمة قوات مجلس شورى الثوار. وفي مضمون تصريحات سليمان محمود ما يشير إلى عقبة كبيرة تواجه عملية الكرامة، تتعلق بجرائم القتل والاعتداءات ونزوح الكثير من العائلات ليس خوفاً من القصف، ولكن حذراً من أن تُستهدف بسبب انتماءاتها القبلية، التي حولت الحرب -في نظر كثيرين- إلى شيء أشبه بالتطهير، أو حتى جرائم ضد الإنسانية كما ورد في تقارير بعض المنظمات الحقوقية، وهو ربما ما أرداه اللواء سليمان محمود بقوله إنه "سيقود حرباً نظيفة" ضد متشددي درنة. 

تصريحات سليمان محمود قد لا ترتبط بتحضير فعلي قريب لعمل عسكري في درنة، وقد يكون المغزى منها سياسي بحت، وهو الأرجح، لأن تصريحاته وافقت تفجر خلافات داخل البرلمان حول عملية الكرامة وحراك من بعض البرلمانيين لإصدار بيان يتبرأ منها، وتبع ذلك تصريحات لمحمود جبريل تصب في الاتجاه نفسه. وكان من أبرز أسباب الخلاف الدعوة لتشكيل المجلس الأعلى للقوات المسلحة يترأسه حفتر.

إن تشكيل المجلس العسكري بإمرة حفتر، سيقطع الطريق على أي نشاط عسكري موازٍ، وسيجبر  "الفرقاء" العسكريين كافة، وفي مقدمتهم سليمان محمود إما إلى الانضواء تحت المجلس بإمرة حفتر، أو العزلة والخروج من المشهد، أو المصادمة ومن ثم التخوين والاتهام بالتمرد. وفي هذا السياق يمكن أن يفهم قول سليمان محمود إن حربه ضد الإرهابيين ستكون تحت الشرعية، أي شرعية البرلمان وليس المجلس العسكري الأعلى، وربما يكون المغزى من قوله إن عملية الكرامة انطلقت فترة المؤتمر الوطني العام، الذي اعتبر حفتر متمرداً وحركته انقلاباً على الشرعية. 

لقد كان الهجوم الأعنف ضد سليمان محمود من أنصار الكرامة ومؤيدي حفتر، وليس أولئك الذين عناهم محمود بحربه، وهو الأمر الذي يعكس القلق جراء ظهور الأخير على الساحة السياسية والعسكرية. فكما سبق الإشارة، سليمان محمود "عبيدي" ينتسب إلى القبيلة الأكبر والأبرز في قبائل برقة، ونسبه يعزز موقعه في الصراع المتوقع، وذلك مع بروز النزعة القبلية والجهوية وتصاعدها خلال العامين الماضيين، واعتبارها جوهر الصراع وأساس ومنطلق المجابهة لدى العديد من المتصدرين المشهد في الشرق الليبي، ولم يتوان أحد الداعمين المعروفين لعملية الكرامة عن التصريح في تسجيل انتشر على "الفيس بوك" بأن حفتر يؤدي دوراً مرحلياً، يخدم مصالح أهل "برقة" ولن يكون له مكاناً في صدارتها، في إشارة إلى انتساب حفتر إلى قبائل غرب البلاد.

لقد أطلق سليمان محمود تصريحاته في ظرف تواجه فيه عملية الكرامة مأزقاً حقيقياً، له مظاهر عدة من أهمها:

- الفشل في تحقيق الوعد بالنصر على الرغم من الدعم الهائل في العتاد والرجال، والاتجاه لتحقيق الانتصار من خلال سياسة "الأرض المحروقة".

- الخسائر الكبيرة التي تمظهرت في تفشي القتل بين أنصاره من مدن الشرق.

-العبء الاجتماعي الثقيل جراء الحرب الراهنة والدمار الذي لحق بنغازي وتمزيق نسيجها الاجتماعي، وما يثيره سؤال: من يتحمل المسؤولية عن ذلك، إذ يشيع اعتقاد بين قطاع من سكانها، وتكرر على لسان ساسة بارزين، بأن مدن أو قبائل من خارج بنغازي تتحمل مسؤولية الدمار الذي يلحق بالمدينة.