مقابلات

عطون: مجزرة حقيقية بالقدس.. والمجتمع الدولي متواطئ

النائب المقدسي المبعد عن القدس أحمد عطون - عربي21
الاعتداء الإسرائيلي المتكرر على المسجد الأقصى عمل مؤسسي لا سلوكاً فردياً

الاحتلال يسعى للسيطرة الكاملة على القدس من خلال خطة "عشرين عشرين"

الاحتلال أصدر 22 ألف قرار هدم إداري لبيوت عربية في القدس

المستوطنون يسرقون بيوت المقدسيين بحجة استئجارها قبل 80 سنة

12 بالمئة هي نسبة الفلسطينيين في القدس عام 2020 حسب الخطة الإسرائيلية

الصراع الديموغرافي و"أسرلة" المناهج هي الحرب الأخطر على القدس

صمود أهالي القدس أدخل الاحتلال الإسرائيلي في حالة إرباك كبيرة جداً

أكاد لا أتعرف على المدينة المقدسة من كثرة مشاريع التهويد والاستيطان

المدينة المقدسة غائبة عن سلم أولويات القرار الفلسطيني الرسمي

الحكومات العربية والإسلامية قادرة على تحرير القدس ولكنها لا تريد

لماذا لا يتم الإعلان رسمياً عن القدس عاصمة للعرب والمسلمين؟

المجتمع الدولي المتواطئ ينظر بعين عوراء إلى القضية الفلسطينية


وصف النائب في المجلس التشريعي الفلسطيني، أحمد عطون، ما يجري في القدس بأنه "مجزرة حقيقية" ضد الإنسان والأرض والمقدسات والبيوت، متهماً المجتمع الدولي بالتواطئ ضد المدينة المقدسة.

وبين عطون في حوار مع "عربي21" أن اعتداءات الصهاينة على المسجد الأقصى والقدس؛ تأتي في إطار "منظومة متكاملة وإستراتيجية واضحة المعالم"، تتفق أذرع الاحتلال الاسرائيلي على تنفيذها، موضحاً أن "المشروع الصهيوني لا يكتمل إلا من خلال السيطرة على مدينة القدس".

وحذر النائب المقدسي المبعد إلى مدينة رام الله، من مخططات المؤسسة الإسرائيلية التي تسعى لجعل الفلسطينيين في القدس أقلية تصل نسبتهم في عام 2020 إلى أقل من 12 بالمئة، مشيراً إلى أن الاحتلال أصدر 22 ألف قرار هدم إداري لبيوت عربية في المدينة المقدسة.

وأكد أن العالم العربي والإسلامي قادر على تحرير القدس من خلال بطاقات ضغط يملكها ولا يريد استخدامها، متهما الحكومة الفلسطينية بأنها لا تضع القدس على سلم أولوياتها.

وتالياً نص الحوار:

* اعتداء الإسرائيليين على القدس والمسجد الأقصى؛ هل هو سلوك فردي، أم إستراتيجية مدروسة؟

- باختصار؛ ما يجري في القدس هو مجزرة ضد الإنسان والأرض والمقدسات والبيوت وغير ذلك، فمنذ أن أنشئ هذا الكيان الصهيوني المسخ المعتدي؛ وضع إستراتيجية وفق زعيمه بن غوريون عندما قال: "لا قيمة لإسرائيل بدون القدس، ولا قيمة للقدس بدون الهيكل"، هذه الإستراتيجية هي التي تدفع كل من يتولى منصباً قيادياً لدى الاحتلال أن يقسم قائلاً: "شُلت يميني إذا نسيتك أو تخليت عنك يا أورشليم".

ولهذا؛ سعى الاحتلال بعد أن احتل القدس عام 1967 وضمها إلى الجزء المحتل عام 1948، إلى فرض أكبر كم ممكن من الوقائع على الأرض، وسن القوانين والتشريعات لإحكام سيطرته على المدينة.

لذلك؛ ما يجري في القدس هو ليس ردود فعل من قبل المستوطنين أو المنظمات الصهيونية، وإنما هو جزء من منظومة متكاملة، وعقلية تطبق إستراتيجية واضحة المعالم، يعرفون ماذا يريدون من القدس، والى أين يريدون أن يصلوا، ولذلك تتفق المؤسسة الاسرائيلية بأذرعها التشريعية والقضائية والتنفيذية والأمنية لخدمة هذه الإستراتيجية، وهناك حالة من الانسجام بينهم، فالكنيست يصدر التشريعات، والحكومة تقرر، وقادتهم يدنسون الحرم، وأجهزتهم الأمنية تحميهم، فالسلوك الإسرائيلي على الأرض المقدسة؛ هو سلوك مؤسسي وليس سلوكاً فردياً.

* ما هي معالم الخطط التي تستهدف القدس وأهلها ومسجدها؟

- أطلقت المؤسسات الإسرائيلية المختلفة ما عرف بخطة "عشرين عشرين"، أي كيف يريد الاحتلال أن يرى القدس عام 2020م.

وتهدف الخطة الى أن تكون مدينة القدس بأقل كثافة سكانية فلسطينية، فكان الجدار الفاصل الذي سلخ أكثر من 140 ألف مواطن مقدسي عن مدينتهم، وعُزلت أحياء كاملة مثل مخيم شعفاط، الذي وضعت على حدوده الحواجز، واعتُبر خارج مدينة القدس المحتلة، وعُزل بذلك قرابة 40 ألف مواطن مقدسي.

وتتضمن الخطة تسليم السلطة الفلسطينية بعض الأحياء والتجمعات والقرى المحيطة بمدينة القدس ذات الكثافة السكانية الفلسطينية العالية، من أجل التخلص من أكبر عدد من السكان المقدسيين.

ويضاف لما سبق؛ إصدار 22 ألف قرار هدم إداري لبيوت عربية في القدس؛ بمعنى أنها قرارات يجب تنفذيها حتى عام 2020م، تحت ذريعة أنها بنيت بدون تراخيص، فضلاً عن مصادرة الأراضي وشق الطرق، والكثير من الاجراءات التي تمهد ليصل عدد المواطنين الفلسطينيين - مسلمين ومسيحيين - في مدينة القدس من 38 بالمئة، حسب الإحصائيات الرسمية للاحتلال، إلى أقل من 12 بالمئة من مجمل السكان حتى عام 2020.

* من الملاحظ أن الاحتلال الاسرائيلي يكثف هجمته الشرسة على القدس والمسجد الأقصى عقب الحرب الأخيرة على غزة، كيف ترى ذلك؟

- صحيح؛ هناك هجمة غير مسبوقة على مدينة القدس، وهجمات الاحتلال مستمرة ومتصاعدة منذ احتلاله القدس عام 1967، ولم ينجُ منها حتى الأموات في قبورهم، والفرق بين الأمس واليوم هو أن الاهتمام الإعلامي لم يكن كما هو الحال الآن.

بعد الحرب الأخيرة على قطاع غزة، وفي ظل حالة الوهن العربي والإسلامي؛ توقع الاحتلال أن يحقق نصراً معنوياً في مدينة القدس أمام الشارع الإسرائيلي، ويلهيه عن الهزيمة التي مُني بها في قطاع غزة على يد المقاومة الفلسطينية، لكنه لم يتوقع هذا الصمود والتحدي والمواجهة من أهالي القدس والضفة، التي أدخلته في حالة إرباك.

* كيف تقرأ توسع المقاومة لخارج حدود مدينة القدس المحتلة؛ حتى وصلت "تل أبيب"؟

- القدس هي بوابة الحرب والسلم في العالم تاريخياً، وأهلنا في الداخل الفلسطيني المحتل عام 1948 هم جزء من هذه المنظومة الفلسطينية، فالاعتداءات عليهم مستمرة، وملاحقة ومنع الشيخ رائد صلاح من دخول القدس منذ 6 سنوات تقريبا خير شاهد.

فأهلنا في الداخل الفلسطيني خاصة فيما يتعلق بحماية المسجد الاقصى المبارك يمثلون رأس حربة متقدمة، جنباً إلى جنب مع أهلنا في القدس، لذلك أرى أن هذا الانسجام طبيعي جداً، وهذه الدماء التي تسيل هي دماء فلسطينية، سواء كانت في القدس أو الضفة أو غزة أو الداخل الفلسطيني، وتقع كلها في الدائرة الوطنية الفلسطينية، وهذا هو الوضع الطبيعي؛ أن يكون الفلسطينيون متضامنين مع بعضهم، سواء كانوا داخل الوطن أو خارجه.

* مخططات الاستيطان في القدس تكاد لا تهدأ أبداً، إلى أين وصلت اليوم؟

- أنا ابن القدس الذي ولد وترعرع في جنباتها، لا أبالغ عندما أقول: إني أكاد لا أتعرف على المدينة من كثرة مشاريع التهويد والاستيطان التي تتكرر يومياً، سواء من خلال شق الطرق الالتفافية، ومصادرة الأراضي، وسرقة البيوت، وبناء العمارات لطمس المعالم الإسلامية، لقد أصبحوا يزاحموننا في كل جزئية من جزئيات حياتنا.

لقد بات الاحتلال يزاحمنا في منتصف أحياء القدس، من خلال وضع اليد على البيوت، وسرقتها بذريعة أنها كانت مستأجرة ليهود قبل 80 سنة، كما حصل في حي الشيخ جراح، أو شراء البيوت بطرق مختلفة، إلى أن تتفاجأ بأن الحي أصبح بعد فترة من الزمن تحت سيطرتهم، والمؤسسة القضائية الاحتلالية تشرع لهم هذا السلوك.

لكن أخطر تلك المشاريع؛ ما يجري في المسجد الأقصى، حيث تحفر الأنفاق تحته، وتتكرر الاقتحامات وتتصاعد، وتوضع اليد على كثير من البنايات المحيطة بالأقصى لطمس معالم المدينة المقدسة، وتحديداً البلدة القديمة؛ بفرض التهويد وما يسمى بـ"الأسرلة".

وهنا أؤكد أن وجود الاحتلال هو الخطر الحقيقي، وفي عملية متسارعة؛ يضع الاحتلال يده على أراض كثيرة، تحديداً في الشطر الشرقي من القدس، ويسعى لضم كتل استيطانية كبيرة لتحقيق مخطط ما يسمى بـ"القدس الكبرى"، وبذلك تصبح الأحياء الفلسطينية كأنها نقاط صغيرة على الخارطة التي يسعى الاحتلال لرسمها من جديد.

* هل من إحصائيات أو أرقام حول عمليات الاستيطان؟

- لا يستطيع أي مركز تقديم إحصائيات دقيقة؛ لأن الاحتلال يفاجئك يومياً بأرقام جديدة من خلال المصادقة على وحدات استيطانية في مدينة القدس، لكن حسب خر الأرقام المتوفرة؛ بلغ عدد المستوطنين في الضفة الغربية حوالي 650 ألف مستوطن، منهم أكثر من 350 ألفا في الشطر الشرقي من مدينة القدس.

* ماذا عن الصراع الديموغرافي؟

- هي الحرب الأخطر، فما قيمة البيوت والأراضي إذا لم يكن هناك أناس يدافعون عنها؟ بمعنى آخر؛ الاحتلال يدرك جيداً أهمية وجود الناس بغض النظر عن عددهم، ويرافق هذه القضية محاولة الاعتداء على ذاكرتنا الفلسطينية بالتدخل في تنشئة الجيل القادم، من خلال مشروع ما يسمى بـ"أسرلة" المناهج التعليمية، وللأسف الشديد ما زالت مدينة القدس تتبع بلدية الاحتلال، وبالتالي 70 بالمئة من المدارس تتبع للاحتلال، والباقي مدارس خاصة.
 
والاحتلال من خلال المناهج التعليمية؛ يحاول أن يصنع تاريخنا من وجهة نظره، فهو يلغي كل ما هو فلسطيني، وكل ما له علاقة بتاريخنا وتراثنا وديننا، ويحاول صياغة و"أسرلة" الذاكرة الفلسطينية لدى الأجيال القادمة.

وبمعنى آخر؛ هو يمارس الحرب الديموغرافية بإخراج أكبر عدد ممكن من الناس، وما تبقى منهم يريد أن يصنعه وفق المزاج والرواية الإسرائيلية، وهذا هو الملف الأخطر الذي تعيشه مدينة القدس اليوم.


* بصفتك نائباً فلسطينياً عن القدس؛ ما تقييمك للموقف الفلسطيني الرسمي تجاه ما يجري في مدينة القدس وأهلها؟


- القرار الفلسطيني الرسمي مقصر بحق مدينة القدس، فهي غائبة عن سلم أولوياته، ومع أنني ضد المفاوضات بيننا وبين الاحتلال؛ إلا أنني أقول إن الجانب الفلسطيني الرسمي أجرم بحق القدس عندما رضي بتأجيل التفاوض حولها مع الاحتلال للمرحلة الأخيرة، وكأنه بذلك يعطي الاحتلال تفويضاً ليمارس إجراءاته في تهويد المدينة المقدسة، وبالفعل؛ أخذ هذا الاحتلال يسابق الزمن لفرض أكبر كم من الوقائع على الأرض يستحيل معها أي حل دبلوماسي.


والسلطة الفلسطينية ترصد 1.5 بالمئة من الموازنة العامة لصالح وزارة القدس، وهذا ما دفع وزير شؤون القدس حاتم عبد القادر لتقديم استقالته من الوزارة.


وهنا أتساءل: أين القدس في الخطاب السياسي الفلسطيني؟ وأين برامج وخطط وإستراتيجيات الحكومة الفلسطينية تجاه مدينة القدس؟ وأين مشاريع تعزيز صمود أهلنا في القدس؟ وأين الرسمي الفلسطيني مما يجري في المسجد الأقصى؟


* ما تقييمك للموقف العربي والإسلامي تجاه المدينة المقدسة؟

- على الصعيد العربي والإسلامي الرسمي؛ الكل مقصر في حق مدينة القدس، إن لم يكن متآمراً عليها، لأن العرب والمسلمين يمتلكون بطاقات ضغط تمكنهم من الانتصار للقدس والمسجد الأقصى، ولكنهم لا يستخدمونها.

ولا أبالغ إن قلت إنهم بإمكانهم تحرير مدينة القدس من الاحتلال بتلك البطاقات التي يملكونها، والعالم اليوم لا تحكمه منظومة القيم والأخلاق، بل تحكمه منظومة المصالح، فلو استثمر النظام الرسمي العربي مصالح الغرب لديه؛ بالضغط على الاحتلال؛ لانتصر للقدس والأقصى.

أما على الصعيد الشعبي؛ فالشعوب العربية والإسلامية عموماً مقصرة بحق القدس، فالقصور يشمل الأمة كلها حكاما ومحكومين.

ودعني أتساءل: أين دور النخب المثقفة في عالمنا العربي والإسلامي تجاه القدس؟ أين دور إعلامنا العربي، وهو السلطة الرابعة التي استطاعت أن تغير أنظمة حكم؟ هل القدس حاضرة لديه؟ للأسف؛ من يشاهد إعلامنا العربي والإسلامي يبكي على حال الأمة عندما يرى برامج تنفق عليها ملايين الدولارات من أجل غناء ورقص وطبل، بينما القدس تنزف دماً في كل يوم ولا نجد لها أي نصير.
لماذا لا تقدم منظمة المؤتمر الاسلامي وجمعية التعاون الإسلامية وجامعة الدول العربية وغيرها؛ على الإعلان بأن القدس هي عاصمة للعرب والمسلمين، في مقابل ما يسعى إليه الاحتلال من الإعلان عن يهودية الدولة؟

* ماذا عن الموقف الدولي؟

- العالم لا يحترم إلا من يحترم نفسه، ومنذ عام 1967 ونحن ننتظر قراراً أممياً لصالح الشعب الفلسطيني والقدس، وما زلنا نستجدي، مع أن الحقوق لا تستجدى وانما تنتزع.

أنا لست ضد المجتمع الدولي إذا كان عادلاً، أما إذا كان ظالماً، أو ساكتاً عن الظلم؛ فهو حينئذ يكون متواطئاً مع الظلم.

وهذا المجتمع الدولي المتواطئ على القدس وفلسطين؛ ينظر للقضية الفلسطينية بعين عوراء، فلقد رأيناه في أقل من أسبوعين يأخذ قراراً بتجييش الجيوش لحرب العراق، في الوقت الذي يصاب فيه بالشلل حينما يتعلق الأمر بممارسات الاحتلال الإسرائيلي الظالمة.

* كيف تنظر إلى مستقبل الفلسطينيين المبعدين عن مدينة القدس، وأنت أحدهم؟

- أرى أن المستقبل لنا، فهذه الفترات التي نعيشها هي التي تسبق بزوغ الفجر إن شاء الله، وهذه المعاناة التي نعيشها آنية، وأمام هذه القضية الكبرى التي نحملها وندافع عنها؛ تهون المعاناة في الدفاع عن المسجد الأقصى المبارك، وعن الشرف الذي منّه الله علينا بأن نكون من أهل هذه البلاد، ورأس حربة متقدمة لهذه الأمة.

* ما هي الرسالة التي يوجهها المقدسيون للعالم؟

- نحن في مدينة القدس نعيش المعاناة بكل حذافيرها، فلا تتركونا وحدنا، وانتصروا للمبادئ الإنسانية التي ترفعونها.

مدينة القدس تعيش مجزرة حقيقة، وعار على العالم أن يرى هذه المجازر، وهذه البشاعة التي ترتكب بحق المقدسات وحق الإنسان والأرض، والأموات التي تنبش قبورهم، دون أن يحرك ساكناً.

وأقول للعالم العربي والإسلامي، لا تدعونا في المعركة وحدنا، ولا تكشفوا ظهورنا، واعملوا على تعزيز صمود أهلكم في مدينة القدس.