مقالات مختارة

لماذا تنخرط فتيات الغرب في «داعش»؟

1300x600
كتب محمد عارف: «في الرأسمالية المتأخرة ليس الاستغلال الطبقي هو الفضيحة، بل الفضيحة ما لا عدّ له من جماهير الناس الذين يولدون لا حتى ليُستَغلوا، بل ليموتوا». هذا القول للفيلسوف الألماني نيكلاس لوهمان، قد يساعدنا على أن نرى بالقلب، وليس بالعين أو العقل، شباباً عرباً ومسلمين في عمر الورود يستشهدون انتحاراً، ويقف كثيرون حيارى إزاء ظاهرة تزايد التحاق شابات غربيات مسلمات بالمجموعات الإسلامية المتطرفة، ساعيات للقتال أو ليصبحن زوجات مقاتلين، واندفاع بضعة آلاف من الرجال في أوروبا وخارجها إلى ميادين القتال. في الأسبوع الماضي فقط، أعلنت سلطات لندن عن محاولة امرأتين السفر إلى سوريا للمشاركة في الجهاد، وامرأة ثالثة ألقي القبض عليها، وهي تتهيأ لعملية إرهابية، ومُنعت ثلاث مراهقات في ضواحي دنفر من محاولة السفر إلى سوريا، والعدد الأكبر من المجندات الغربيات جئن من فرنسا وبريطانيا، وهناك أخريات من النمسا وبلجيكا وإسبانيا والولايات المتحدة.

وليس معروفاً عدد النساء الساعيات للانضمام إلى الجهاد، لكن تقدر نسبتهن بنحو 10 في المائة من مجندي الغرب المسلمين، وقد «تأثرن غالباً بشبكات التواصل الاجتماعي التي تقدم لهن المشورة والمعلومات، وحتى الدعم اللوجستي للسفر»، حسب «نيويورك تايمز». وتصور شبكات التواصل الاجتماعي الحياة في دولة «داعش» فردوساً، وتقدم لهن البديل الديني لعيشهن في الغرب كمواطنات من الدرجة الثانية، وعُسر عيشهن كمغتربات. وبعض النساء يلتحقن بتنظيم «داعش» لأنه «يقدم سياسات طوباوية، تصور الانضمام للجهاد جزءاً من إنشاء دولة الإسلام الجديدة». تذكر ذلك كاثرين براون المحاضرة في دراسات الدفاع في كلية «كينج كوليج» في لندن التي درست هذه الظاهرة، ورصدت صوراً للمجندات يقمن بالطبخ، والعناية بالأطفال، أو الاجتماع لتناول القهوة. وهناك أيضاً صور لنساء يحملن البنادق الأوتوماتيكية، ويرتدين الأحزمة الناسفة. وترى الباحثة «هذا المزيج من العنف والحياة العائلية مهم، فالفتيات منضويات سياسياً، ويشعرن غالباً بالاغتراب في الحياة الغربية وتقاليدها وسياساتها».

ويُقدّرُ عدد مسلمات الغرب اللواتي التحقن بالجهاد في سوريا والعراق خلال العامين الأخيرين بمائتين، منهن 60 بريطانية و70 فرنسية، ومعظمهن في أعمار ما بين 18 و25 عاماً، ونحو ربعهن ارتحلن مع أزواجهن أو أشقائهن أو آبائهن، وتبلغ نسبة النساء في المنظمات الجهادية الإسلامية 10 بالمائة، بينما شكلن في الجيش الإيرلندي ومقاتلي الشيشان ونمور التاميل، ربع التنظيم.

وحسب كمال ديب بهوي، أستاذ علم النفس الثقافي في جامعة «كوين ميري» بلندن، فإن أكثر النساء استعداداً للتطرف هنَّ الأكثر غضباً على الظلم، والأكثر تقبلاً للعنف في احتجاجهن.

وتثير ظاهرة التحاق فتيات الغرب المسلمات بالجهاد تساؤلات كبيرة لدى الرأي العام الغربي، تعكسها التعليقات المنشورة في مواقع الإنترنت، والتي تراوح بين «دعوهن يرحلن على أن لا يعُدنَ»، و«ماذا يمكن أن يقدمه عالَمٌ تتعاظم لامساواته لشابات مثاليات فقيرات يخشين عدم القدرة على إيجاد عمل، أو موقع في الحياة؟».. والجواب الحقيقي تقدمه أفلام الرعب «الزومبي» (الموتى الأحياء) و«الفامباير» (مصاصو الدماء) التي تغزو شاشات السينما والتلفزيون حالياً. فعالمنا اليوم «زورق الموتى الأحياء ومصاصي الدماء الرأسماليين»، وهو عنوان مقالة مشتركة لديفيد كاستيلو (أستاذ الأدب في جامعة نيويورك) ووليام آغنتن (أستاذ الإنسانيات في جامعة جونز هوبكنز)، وفيها يستعيدان وصف الفيلسوف كارل ماركس للرأسمالية كمصاصي الدماء (فامباير) «التي لا تحصل على طاقتها إلا من افتراس العمل الحي». ويذكر الكاتبان أن تشخيص الماركسية لأفعال الرأسمالية المفترسة برهنت على استمراريتها في أعمال روائيين معاصرين «يصورون تطبيقات سياسية تمتص دماء الناس، وشخصيات فامباير رأسمالية ماكرة تقيم مصانع لاستخراج دماء البشر وتعليبها». ويُفسر الكاتبان تعلق الجمهور بأفلام «فامباير» و«الموتى الأحياء» باعتقاده الغيبي بأن «لا بديل ممكناً للرأسمالية كنظام اقتصادي عالمي.. والذي يقترن بواقع أن التطور المنطقي للرأسمالية العالمية لا يقود سوى إلى الدمار». وعندما تغادر مخلوقات «فامباير» و«الموتى الأحياء» شاشاتنا وتطرق أبواب منازلنا، علينا أن نتذكر قول الباقين على الحياة في فيلم «فجر الميت» الذين يتطلعون مرتعبين لحشود المخلوقات المرعبة القادمة: «إنهم نحنُ»!

وتثير الدهشة الصورة الرومانسية لحياة العرب والمسلمين في الغرب في مخيلة باحثين عرب انقطعوا عما يحدث للتفكير فيما يحدث. وفي كل يوم يحدث ما لم يحدث، ليس في «عين العرب»، بل في «عين واشنطن»، حيث «الحلم الأميركي يغادر أميركا»، حسب عنوان مقال للمعلق الأميركي نيكولاس كريستوف، والذي يستهله بالحديث عن تحطم أفضل مصعد للفرص في أميركا، وهو التعليم. ويذكر كريستوف أن واشنطن تنفق مليارات الدولارات لمنافسة روسيا عسكرياً، و«لعله ينبغي أن نحاول المنافسة في التعليم، فروسيا تملك أكبر نسبة من خريجي الجامعات بين الدول الصناعية، وهو الموقع الذي كانت تحتله الولايات المتحدة سابقاً».

(الاتحاد الإماراتية- الخميس 30 تشرين الأول/ أكتوبر 2014)