ملفات وتقارير

الحوثي.. المتمرد الذي أصبح صانعاً للملوك في اليمن

الحوثي.. الشاب الذي أصبح الرجل الأول في اليمن
تحول زعيم جماعة "أنصار الله" في اليمن عبد الملك الحوثي الى الرجل الأول في البلاد بعد أن خطف الأضواء بمئات الآلاف من أنصاره الذين نزلوا الى شوارع العاصمة صنعاء وبسطوا سيطرتهم عليها، في واقعة لم تكن متوقعة من قبل، خاصة وأن الرجل كان قبل سنوات قليلة مجرد "متمرد مطارد" من قبل النظام الحاكم في اليمن.

ووصف موقع "ميدل ايست آي" الذي يتخذ من لندن مقراً له الرجل بأنه أصبح "صانع الملوك" بعد أن كان مجرد "زعيم للمتمردين في الظل"، في اشارة الى سطوع نجمه فجأة، وتحوله الى الرجل الأول والحاكم الفعلي في اليمن.

ويقول التقرير الذي كتبه الصحفي البريطاني المتخصص في الشأن اليمني توم فين إن الحوثي البالغ من العمر 32 عاماً فقط "يقف على رأس انتفاضة هزت الحكومة من أساسها في اليمن".

ويستعرض التقرير كيف سطع نجم الرجل بعد أن كان مدفوناً في الظل، حيث يقول إنه "عندما تسربت الأخبار بأن عبدالملك الحوثي قد قُتل في غارة جوية عام 2009، تنفس المسؤولون اليمنيون الصعداء بارتياح، بعد أن كان الرجل قد خاض حرباً على مدار السنوات الست التي سبقت". 

ويتابع: "مئاتُ الآلاف من المدنيين شُردوا بسبب النزاع الذي كان يهدد بالوصول إلى المملكة العربية السعودية. وإذا خرج زعيمهم خارج الصورة، فسيضعف الحوثيون بشدة، ولربما تستطيع الحكومة اليمنية أخيراً استعادة السيطرة على أراضيها.. بعد أيام ظهر شريط فيديو للحوثي على قناة الجزيرة نفى فيه الرجل أن يكون قد ذهب ضحية اغتيال".

وتابع الحوثي حينها: "النظام يطلق تلك التصريحات لتبرير المجازر واستهداف المدنيين والنساء والأطفال"، ومضى الحوثي في إدانة التحالف بين الولايات المتحدة وحكومة اليمن التي يتهمها بأنها أكثر ولاء لقوى خارجية من ولائها لشعبها، الحوثي لخص رسالته حينها بقوله: إذا حاول النظام أن يهاجم الحوثيين مرة أخرى، فسيفشل! 
 
الزعيم الشاب المتمرد
ويضيف تقرير"ميدل ايست آي": "قد يكون الحوثي اليوم أقوى رجل في اليمن. ففي سن العطاء، وبـ32 سنة من عمره يقف الرجل على رأس انتفاضة هزت الحكومة من أساسها. وبعد شهر من الاحتجاجات ضد ارتفاع أسعار الوقود، استولى مقاتليه خلال الأسبوع الماضي على العاصمة، واستطاعوا السيطرة على مبان حكومية، والبنك المركزي، ومقرات وزارة الدفاع، والتليفزيون الرسمي، وقصرا تابعا لأحد أمراء الحرب الإسلاميين الأقوياء". 

وافق الرئيس اليمني على تعيين رئيس وزراء جديد وقدم مقترحا بدعم الوقود، لكن المتمردين لم يتراجعوا حتى الآن. الذي سيقرره الحوثي بعد ذلك -في حال تراجع ووافق على وقف إطلاق النار، أو قرر الاستيلاء على السلطة لنفسه- سيحدد مصير الانتقال في اليمن وتوازن القوى في المنطقة.

اليوم، ترقد الثورة اليمنية في يدي رجل لا يعرف الناس عنه الكثير، رجل استطاع في غضون سنوات أن يحول نفسه من زعيم متمرد إلى صانع ملوك. كيف فعل ذلك؟

ولد عبدالملك الحوثي عام 1982 في محافظة صعدة الشمالية بالقرب من الحدود مع المملكة العربية السعودية. كان الأصغر بين ثمانية إخوة، كبر الحوثي تحت رقابة وثيقة من والده بدر الدين الحوثي، وهو عالم دين بارز من الأقلية الزيدية الشيعية في اليمن. (الزيديين، هم الأغلبية في صعدة، ويشكلون نحو 30? من سكان اليمن). 

كان شقيق الحوثي الأكبر، حسين، عضو برلمان أسس في العام 2004 حركة تهدف إلى دعم حقوق الزيديين وتوفير الخدمات التعليمية والاجتماعية، وكان من أشد منتقدي صالح ومواقفه المؤيدة للولايات المتحدة بعد الحادي عشر من أيلول/ سبتمبر 2001. 

وفي 2004 اتهمت الحكومة اليمنية حسين بإنشاء مراكز دينية غير مرخصة ومحاولة إنشاء دولة دينية شيعية في شمال البلاد، وقدمت مكافأة تصل إلى 55 ألف دولار لمن يساعد باعتقاله، وأطلقت عملية تهدف إلى القضاء على تمرده المزعوم في الشمال. 

عندما قُتل حسين في غارة جوية في وقت لاحق من ذلك العام، دُعي عبدالملك لقيادة الجهود العسكرية ضد الحكومة. أثبت الشاب البالغ من العمر 23 عاما آنذاك نفسه كقائد ميداني قوي وتكتيكي داهية. وباستخدام معرفته بتضاريس صعدة، وجبالها الوعرة وعواصفها الرملية المتكررة، استطاع الحوثي أن يوقف تقدم قوات النظام.

وعندما توفي والده في عام 2006 أصبح الحوثي زعيم الحركة، لكن محللين يقولون إنه لم يدرك دوره كزعيم إلا بحلول 2011 وانطلاق ثورات الربيع العربي.

ويقول فرناندو كارفاخال، وهو مستشار منظمة غير حكومية سابق في اليمن: "إذا نظرتَ إلى خطب عبدالملك قبل عام 2011، كانت بالأساس صاخبة ومعادية للولايات المتحدة وللسعودية، تدعو إلى إعطاء الزيديين حقوقهم الدينية، كما كان يقدم وعظا للمتحولين إلى الإسلام". 

وتابع كارفاخال: "بعد الانتفاضة، بدأ الحوثي في مخاطبة الشعب اليمني والحديث عن المظالم المشتركة، وأسعار الوقود، وهجمات الطائرات بدون طيار. لقد اكتسب الحوثي الكثير من الثقة. وحاليا، يتحدث الحوثي كمن يعرف هدفه جيدا، إنه لا يضرب بشكل عشوائي"!

في خطبة ألقاها في 2011 بعنوان "الثورة المبدعة" اتهم الحوثي باراك أوباما بمحاولة خلق شرق أوسط جديد من خلال "سلاح الطائفية، إلا أن ذلك تم إحباطه بالربيع العربي" وفي خطاب آخر يتهم الحوثي السعودية بالتحريض على الطائفية والقبلية في المنطقة. 


لا يتحدث للإعلام
ويقول موقع "ميدل إيست آي" إنه حاول التواصل مع علي العماد، المتحدث الرسمي باسم الحوثيين، إلا أنه رفض ترتيب مقابلة مع الحوثي الذي نادراً ما يتحدث لوسائل الاعلام، مؤكداً على المخاوف بشأن سلامته. 

وقال العماد: "كل شخص قوي في اليمن، يعارض الرئاسة، هو في خطر، وتابع: "لكن شيخنا في مكان آمن لن يستطيع النظام أن يصل إليه". 

ويعيش الحوثي منتقلا من مكان إلى آخر، بين سلسلة حصينة من البيوت الآمنة، وفقا لنوال المقحفي، الصحفي اليمني الذي زار صعدة في 2011.

واستطاع المقحفي أن يرتب مقابلة للقاء الحوثي لفيلم وثائقي كان يعده لقناة "برس تي في" الإيرانية، لكن قبل دقائق من موعد الاجتماع تم إبلاغه بإلغائه. 

ويقول المقحفي: "أخبرني حراسه أنه سيكون من الخطير للغاية مقابلتي. تم استهداف عدد من أعضاء عائلته. إنه لا يثق بأي شخص". 


الحوثي ونصر الله
في كثير من الأحيان يتم مقارنة الحوثي بحسن نصر الله، زعيم حزب الله اللبناني، حيث اكتسب الحوثي تأييداً ضخماً من الشباب والرجال المخلصين الذين، يقول محللون، إنهم يعدونه كشخصية ذات سلطة دينية وسياسية. 

ويقول المحلل السياسي اليمني عبد الغني العرياني: "بعد عقود من حكم كبار السن، يمثل الحوثي وجهاً جديداً في المشهد السياسي اليمني"، ويتابع: "سياسته محافظة وحملاته غالبا ما تكون عنيفة، لكنه وجه جديد. شاب يجمع بين القوة والحزم". 

ويؤكد الرأي نفسه حسين البخيتي، وهو طالب يبلغ من العمر 28 عاما من صنعاء شارك في الاحتجاجات الأخيرة التي نُظمت من قبل الحوثي، حيث يقول: "إذا نظرت إلى  قادة الحزب الحاكم أو المعارضة ستجدهم جميعا كباراً في السن، في سن جدك! لكن هذا الرجل جديد، إنه شاب". 

وقال البخيتي في مقابلة مع "ميدل ايست آي" عبر "سكايب" إن "الكل في اليمن يعرف أن الثورة فشلت، لكنه كان الشخص الوحيد الذي كان شجاعا بما يكفي ليقف ويقول ذلك. إن الشباب في المناطق الريفية وغير الحضرية في اليمن يتطلعون إليه".