كتاب عربي 21

في المسألة السيسية!

1300x600
الحاجة باتت ملحة لوضع قاموس، يترجم كلام عبد الفتاح السيسي إلى لغة من اللغات الحية، ليصبح قابلاً للفهم.

فإذا كانت توجد قواميس للترجمة، ومن اللغات المختلفة للغة العربية، فينبغي أن يعكف الخبراء باللغات غير الحية، لتحويل ما يقوله السيسي إلى اللغة العربية، أو أي لغة أخرى لتسهيل ترجمته للغة الضاد، حتى لا تحار الكائنات الحية، كلما تكلم، في فهم ما يقول، وتصبح كل عبارة بحاجة لمذكرة تفسيرية شارحة، ستكون في النهاية فاقدة للإجماع العام، على النحو الذي أحدثه تعليقه على هجوم رجب طيب أردوغان. فلا يجتمع اثنان الآن، إلا وحاولا فهم ما قال، دون أن يتفقا على رأي جامع!.

الرئيس التركي أردوغان، نكد في خطابه بالأمم المتحدة على جماعة الانقلاب، بعد أن أقاموا الأفراح ونصبوا الزينات، ابتهاجاً بزيارة زعيمهم لنيويورك ودخوله مقر الأمم المتحدة، وذهبت معه "البنت وأمها"، كناية عن الاحتشاد. وبينما هم يعلنون أن كلمته كانت قوية. لإدخال الغش والتدليس على الرأي العام، ولا نعرف أين القوة فيها. جاءت كلمة أرودغان لتجعل خطاب السيسي كأنه عهن منفوش، وتجعل ما قالوه وصفاً له كأنه قول ساحر.. ولا يفلح الساحر حيث أتى.

لأني مغرم بعلم الانثروبولوجيا، الذي كان في الأصل علم دراسة المجتمعات البدائية، قبل أن يتوسع ليشمل كل المجتمعات، فقد ذكرني مشهد المحتفلين خارج مقر الأمم المتحدة، والسيسي يلقي خطابه بداخله، بمشهد الأفراح في بعض المجتمعات القديمة، وفي "ليلة الدخلة"، عندما يتم النظر للعريس في هذه الليلة المباركة، على أنه في غزوة، وبينما هو وعروسه في "غرفة نومهما"، ينصب أهله في الخارج فرحهم  في انتظار خروجه الميمون من ساحة الوغى منتصراً.

مشهد الفرح المنصوب، قد يفهمه الجاهل على أنه انتظار للوقوف على "شرف العروس"، وكما قيل أن "شرف البنت كعود الكبريت" لا يشتعل سوى مرة واحدة. لكن الواقع أن الحشود في انتظار انتصار "العريس"، وفي هذه الليلة يتم الوقوف علي شجاعته، وقدرته علي النصر والانجاز!. وفي بعض هذه المجتمعات يطلقون على الدور المنوط به: "العبور"، ليكون السؤال الأثير لكل عريس: "عبرت"؟!.

ما علينا، فخطاب رجب طيب أردوغان "غطى" على خطاب السيسي، وأفشل "الزفة" التي نصبت له، وهو خطاب كان الأقرب لوجدان الثوار العرب، وتعبيراً عنهم، والرجل قد أنهى حكم العسكر في بلاده، وجاء يندد به في مصر!.

لم يصد عبد الفتاح السيسي أو يرد، وهناك من قال أنه غادر القاعة وقت قيام الزعيم التركي بإلقاء خطابه، ولا نعرف توقيت انسحابه، هل في البداية وقبل أن يتكلم وبمجرد أن تم تقديمه، أم حين خوضه في الشأن المصري؟، كما لم يتم التأكيد على أن الانسحاب قد حدث فعلاً.. لكن هذا الخطاب جاء بمثابة "كرسي في الكلوب"، حول فرح القوم إلى مأتم!.

لأن السيسي عقد مؤتمراً مع "فرقة الإعلاميين" المصاحبة له، فكان طبيعياً أن يُسأل عن السبب وراء عدم رده على تدخل الرئيس التركي في الشأن المصري؟، وهنا قال السيسي عبارته التي تحتاج إلى مترجم متخصص في اللغات الميتة، التي تقابل اللغات الحية!.
السيسي علق بأنه عندما كان يضرب صغيراً، كان يقول لمن يضربونه أنه عندما يكبر فسوف يضربهم.. قال ذلك بعامية ركيكة. وكأن من كانوا يضربونه لن يكبروا مثله، وكأنه سيتوقف نموهم ليكبر هو بمفرده ليتمكن من ضربهم!.

هل يقصد أنه صغير الآن، وغداً يكبر ويتمكن، ليرد على رجب طيب أردوغان؟!.

وهل يليق بمصر أن يحكمها "صغير" ينتظر لحين أن يكبر؟!.. ولماذا لم ينتظر إلى أن يكبر ثم يصبح منطقياً أن يحلم وهو "كبير" بمنصب رئيس جمهورية مصر العربية؟!

الشيء الوحيد المفهوم بدون الاستعانة بمترجم هو أن السيسي كان يُضرب صغيراً، وهذا يحتاج لمناقشته مع علماء النفس وأساتذة الطب النفسي لفهم سيكولوجية "الطفل المضروب"، والعقد النفسية التي تصحبه من جراء ضربه وعجزه عن الرد وتأجيله هذا إلى أن يكبر.

اللافت أن السيسي عندما انتهي من هذه "الكوبليه" غير المفهوم، ضحك الإعلاميون الذين ذهبوا إلى نيويورك يبتغون منافع لهم، وبعضهم صفق، ولا نعرف ما فهموه لكي يضحكوا، ولكي يصفق فريق منهم، باعتبار أن ما قيل يدخل في "باب الفتوحات السيسية".

بعيداً عن هذا فإن الإجماع منعقد على أن الرجل عندما يرتجل فإنه يأتي من النوادر ما يتغني به الركبان، ولهذا كان التعامل مع خطابه في جامعة القاهرة بشكل غير مسبوق، إذ لم يتم بثه على الهواء مباشرة، وكان البث تلفزيونياً بعد إلقائه له بقرابة الخمس ساعات، تعرض فيها للمونتاج والقص واللزق!.

ومهما يكن، فالشاهد أن الذين ضحكوا على تعليق عبد الفتاح السيسي على خطاب الزعيم التركي، والذين صفقوا له، فهموا ما لم نفهمه، ولهذا فإنني اقترح عليهم أن يعكفوا على وضع كتاب يحمل عنوان: "تعلم السيسية بدون معلم" لتبسيط اللغة لمن يريدون دراسة اللغة السيسية، أو يبغون الهجرة إلى بلاد السيسي.

لتكون الترجمة خدمة للبشرية المعذبة.