كتاب عربي 21

علاء عبد الفتاح أم حسام أبو البخاري؟

1300x600
يا له من سؤال لعين ..
لعلك أجبت: طبعا حسام أبو البخاري ..
ولعلك رأيت في مجرد المقارنة خيانة للثورة فكيف نساوي بين "المناضل" والإسلامي؟!!
ولعلك فرحت بالسؤال الذي يؤكد أن جهدك لم يضع سدى طوال السنوات الثلاث التي تلت إسقاط رأس النظام الذي تأكل من ورائه عيش.

لكن .. ثمة فريق – لعله الأقل عددا والأكثر أملا – يعتقد أنه سؤال لعين ..

والألعن، أننا شاركنا بجهد لا بأس به في خلق السؤال وترسيخه والإجابة الشائعة عليه، تلك التي يعتبر من يتجاوزها خائن أو إخوان، 
وهي التي تحدد مواصفات المناضل ابتداء بأنه ليس إسلاميا!

حسام أبو البخاري من شباب الإسلاميين الذين طالما اختلفت معهم، جمعتني به مناظرة في قناة عربية، أدارها المذيع والباحث المتميز ممدوح الشيخ، وكانت واحدة من المناظرات القليلة التي لم يتحول فيها الضيفان إلى ديوك.

حسام مثقف وقاريء فذ، لكن انحيازاته تطبق على صدره، شاركنا منذ اللحظة الأولى، لم يلتزم صفه الأيديولوجي قدر التزامه بأهداف الثورة التي يؤمن بها إيمانا مؤسسا على تجربة وبحث لا انتهازية وانتهاب للفرصة التاريخية، واللحظة الفاصلة.

لا فرق عندي، من ناحية المبدأ، بين حسام وأي ناشط آخر كافح ضد نظام مبارك، وقاتل من أجل أفكاره وطموحاته المشروعة لمستقبل هذا البلد، وليس من الشرف أن يدفعني موقف نقدي من الإسلام السياسي إلى إنكار نضالات بعض كوادره ومنهم إن لم يكن في مقدمتهم حسام.

كل ما ترتكن إليه فكرة الرمز، شكلا وموضوعا، يتوفر في حسام أبو البخاري، وكل ما ينبغي لشأن المناضل جزء من تجربته وهو ابن الثلاثين ربيعا، ومع هذا فهو خارج حسابات الخطاب الثوري الآني، ونوافذه الإلكترونية وإعلامه البديل على مواقع التواصل.

حسام مسجون منذ فض رابعة، ضربوه بالرصاص، وعذبوه، وألقوا به في زنزانة غير آدمية، وحين وصفها من داخل محبسه بعلبة السردين، نقلوه تأديبا، وإمعانا في الإذلال إلى السجن الانفرادي، ولم يسمحوا لأحد من أهله برؤيته، ولم يسمحوا سوى لأمه بمجرد السلام عليه، ولم يسمحوا بأن ينفق من مبلغ تركه له أهله في كانتين السجن، بالإضافة إلى جملة من التجاوزات الحقوقية والإنسانية فيما يتعلق بعلاجه وقد أصيب أثناء الفض بإصابة خطيرة ظن البعض أنه استشهد على اثرها وشاع بين زملائه خبر موته.

حسام - ومثله المئات إن لم يكن الآلاف -  مهضوم الحق بين أقرانه من الثوار، لا يثير قضيته أحد، لا يتعاطف معه أحد، لا يتمنى له أحد الحرية!

أرجوك لا تحدثني عن مبادرات استثنائية، أو بوستات هنا أو هناك، فأنا أحدثك عن تيار كامل من الإعلام الذي يصح وصفه بالثوري، يجيء علاء محمولا على أجنحته، فيما يسقط "أبو البخاري" من ذاكرته عمدا مع سبق الإنكار والتربص.

يقول صاحبي: ومتى اهتم الإسلاميون بأي أحد سوى أنفسهم؟ ويضيف آخر: حين يعتقل أصدقائنا أدخل على حسابات الإخوان فلا أرى استنكارا، بل تجاهلا أو شماتة فلماذا نتعاطف مع من لم يتعاطف معنا؟

***

في زيارتي الأخيرة للبنان لم أترك أحدا قابلته في الشوارع أو المقاهي أو سيارات الأجرة إلا وسألته عن أحوال البلاد، الجميع رافض، الجميع ثائر، الغضب يملأ الصدور، أعود إلى شعراء ومثقفي لبنان، إلى المفكرين، والنقاد، وأهل الرأي، أسأل الجميع السؤال نفسه: لماذا لا تقوم ثورة في لبنان ، فتأتيني الإجابة نفسها: لبنان بلد طوائف، وكل طائفة تفضل حكما سياسيا جائرا سارقا ناهبا على أن تقف إلى جوار الطائفة الأخرى صفا واحدا لاستعادة الحقوق، وتحقيق المصالح المشتركة.

***

من جملة طرائق الاحتلال، قبل أن يرحل عن بلادنا تاركا وكلائه في الحكم، تقريب طائفة من المجتمع وإقصاء أخرى، والإغداق على طائفة بالمال والمناصب والحظوة لدى الحاكم، واضطهاد أخرى، والتفاعل سياسيا مع فصيل وتجاهل الباقين، وليس بالضرورة أن القريب خائن والبعيد مناضل، كما أن المقصود لم يكن الثواب والعقاب وفقا لمواقف كل فريق من المحتل، إنما المقصود هو خلق حالة من التشاحن والبغضاء بين أصحاب المصلحة المشتركة في استقلال البلاد، وبذلك وحده يستمر الاحتلال، يستمر بضمانة الصراع بين خصومه وبعضهم البعض.

***

هل رأيت صورة المناضل الشريف علاء عبد الفتاح وهو يبكي يوم وفاة أبيه العظيم؟، هل تابعت تغطية الصحف كلها تقريبا للعزاء، هل شاركت بدورك في الضغط من أجل أن يخرج أبناء سيف الإسلام لدفن أبيهم وأخذ عزاءه، هل تابعت مواقع التواصل يوم الإفراج بكفالة عن علاء، هل رأيت صوره وهو يبتسم، هل قرأت بوستات للتهنئة من نوعية: "عقبال ماهينور، ودومة"، "عقبال ماهر وعادل"، عقبال أصحابنا فلان وعلان ... عقبال أي حد المهم ميكونش إسلامي؟

والآن حاول أن تتخيل نفسك "إسلاميا" لدقيقة واحدة، أصدقاؤك في السجون، رموزك في السجون، كل من اتهموا بأنهم باعوا الثورة في معتقلات النظام القديم فيما يتم الإفراج عمن اتهموهم وسط التهليل والفرحة العارمة، التي تعمد أصحابها استثنائهم بوصفهم من "معسكر الأعداء" إذا اتكأنا على "لويزا" في الناصر صلاح الدين.

هل هناك مناخ أكثر مناسبة لمزيد من الكراهية، والغل، وتطييف المجتمع، والقضاء على كل أسباب الثورة على الحكم العسكري، وريث الاحتلال، وضمانة استمراره؟

 في تسعينيات القرن الماضي كانت جريدة الأهالي التجمعية تصف الإخوان بـ "الإخوة الأعداء" إخوة في معارضة النظام، أعداء في الوجهة السياسية والأيديولوجية، وفي كانون الثاني/ يناير 2011 وقف الأخوة الأعداء صفا واحدا أمام نظام لا سبيل لإسقاطه، وإنهاء سيطرته على مفاصل الدولة سوى باصطفاف الجميع، مهما خدعك الأغبياء وحديثو العهد بالسياسة، ومخبرو النظام من "الأمنجية" الذين تحولوا بقدرة قادر إلى ثوار بأنه يمكنك أن تثور وحدك، أو أن تفعلها بدون الآخرين، أو أن تنتظر أصحابك على ناصية عبد المنعم رياض وتدخل معهم، وتثور معهم، وتبعث معهم، دون الحاجة للناس "التانيين"، "أسرة مع بعضينا"، كل هذا محض هراء، الطائفية والثورة لا يلتقيان، الطائفية والثورة "دونت ميكس".

***

علاء .. فرحة الثوار، مناضل شريف، لا يزايد على دوره ووطنيته عاقل، لكن من قال إننا وسط هذا المناخ الطائفي نترك للعقل فرصة للتواجد بيننا، لعلك قرأت التحليلات الإخوانية اللوذعية حول مؤامرة الإفراج عن علاء، والإلهاء بمناضلين من ورق عن المناضلين الحقيقين، هذا الكلام وغيره نتيجة طبيعية لأجواء خلقها النظام، وتابعناه فيها حذو النعل بالنعل، حتى إذا دخل أوسخ جحر ضب سبقناه إليه، ونحن الآن نتخذ من مادة هذه الصرخات مبررا جديدا للمزيد من النطاعة الثورية، وإغلاق الآذان عن السمع والأعين عن الإبصار ..

ولكنهم فعلوا كذا وكذا، وتحالفوا مع العسكر، وخانوا الثورة، وشمتوا بنا، ونحن نردها إليهم ....إلخ.

متى يتوقف هذا العبث، متى نتصرف كالرجال، ولا نجعل من مواقفنا مجرد رد فعل لمواقف الآخرين، متى نتجه صوب الهدف دون التفات إلى تفاصيل من شأنها ألا تصل بنا إلى أي وجهة سوى ما يريدها خصومنا، متى نفهمك أن هذه الصفحات أشعلت ثورة، وأن هذه البوستات أسقطت رأس الدولة الأسبق، وأننا لسنا صغارا كي نتصرف مثل الصغار؟

المطلوب بشكل واضح، خاصة من علاء ومن إلى جواره، تثوير قضية المعتقلين دون تفرقة أيديولوجية، أو طائفية، فلا معنى لاستمرار اعتقال حسام أبو البخاري ومن معه إلا أن علاء ومن معه بدورهم ما زالوا خلف القضبان.

المطلوب بشكل واضح، أن نتجاوز جميعا كي ننجو جميعا .. 
وكي لانحرث في البحر.