قضايا وآراء

حقيقة ماما أمريكا بثورات الربيع العربي

1300x600
عجباً لأمرنا نحن المصريين .. بعد أن كنا أصحاب حضارة ومنارة اهتدى واقتدى بها العالم .. أصبحنا نسعى ونحفَى بحثا عمن يحكمنا أو "يشكمنا" من الدول العظمى، وليتها كانت أمريكا كي نستظل آمنين بسراب "قدها" المياس و"سحرها" الفتان، وكأنها عين اليقين وقدم الصِدق في الدنيا .. من اعتصم بها فقد استمسك بعروة العالم كمركز قُوى، ومن استغنى فقد هوى.

أمريكا "سيدة" العالم .. دولة الحرية والديمقراطية اعتادت ألا تقحم نفسها سلباً أو ايجاباً في شئون أى دولة إلا إذا راودتها الدولة عن نفسها وشغفت بها حبا.

ومع ذلك لاتتدخل بالأمر المباشر في المواقف السياسية لنُصرة هذا على ذاك قبل أن يتبين لها الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر، وظهر جلياً ذلك مع ثورات الربيع العربي حين هبت نسائمه من تونس الخضراء وقفت أمريكا ترقب الأوضاع عن كثب حتى فر "زين العابدين" هرباً .. حينها أصدرت أمريكا بياناً أيدت فيه الثورة الميمونة، وباركت فيه الموقف الشجاع الذي كسر شوكة "بن علي".
 
وما أن تطايرت الشرارة إلى مصر التي رزحت تحت وطأة حكم العسكر وقمعه لأكثر من 60 عاما ذاقت خلالها الأمرين حتى سارعت أمريكا بإصدار بياناً طالبت فيه الثوار بضرورة الحوار المجتمعي مع الالتزام بشرعية مبارك كشرط أساسي، ونبذ العنف تجنباً للصدام مع قوات الأمن، في الوقت الذي قامت فيه القوات بفض التظاهرات بميدان التحرير وسقط المئات برصاص الأمن وتحت عجلات سيارات الأمن الطائشة، واستمر عناد مبارك وطفح الكيل .. فبَصُرت بنا أمريكا عن جُنُبٍ، وما أن تأزم الموقف حتى أمسكت العصا من المنتصف، وما لبث أن تنحى مبارك كُرهاً حتى بادرت بالتهنئة وتهللت لأول رئيس مدني منتخب ثم انقلبت الأوضاع فباركت الانقلاب.
 
ثم انتقلت الثورة إلى ليبيا، وما بين الشد والجذب والمد والجزر الذي طال أمده بين كتائب القذافي والثوار كانت أمريكا تترقب الأوضاع لحظة بلحظة، وأصدرت أكثر من بيان تضمن الالتزام بالسلمية للوصول الى الهدف المنشود (ولا يدري أحد ماذا قصدت بالسلمية أو الهدف المنشود) ثم عقبت ببيان آخر أيدت فيه قطبي النزاع، وما أن بدأت نذر الحرب تلقي بظلالها واُقرعت طبولها حتى سارعت بمؤازرة الثوار في بلد النفط مقابل الأجر المدفوع بمشاركة بريطانيا، واستمرت معارك التحرير لشهور ذاقت فيها ليبيا الخراب والدمار مقابل الخلاص من حاكمها الذي حوصر في آخر قِلاعه ولقى مصرعه، ووقعت ليبيا الثمن الباهظ لفاتورة أمريكية بريطانية كفيلة بقصم ظهر أعتى دولة على مدى ربع قرن من الزمان.
 
ثم انتقلت الثورة بالتزامن إلى سوريا واليمن ولأن القطرين لا يملكان نفطاً فلم نرى تواجداً للسياسة الأمريكية، واكتفت ببيانات ضرورة الالتزام بضبط النفس والدعوة لحوار مجتمعي .. حتى تخلى الرئيس على صالح عن رئاسة اليمن بعد أن تعقبه الثوار كظلهِ وطاردوه حتى تشوه وجهه بأحد قذائف الثوار، وهنا باركت أمريكا الانتفاضة، وأما سفاح سوريا الملعون الذي انتهك جميع القوانين والمواثيق الدولية ودمر سوريا وضرب شعبه بالسلاح الكيمياوي المحرم، وشُوهت المواليد والأجنة في بطون الأمهات في الوقت الذي وقفت فيه أمريكا موقفا باهتاً .. واستخدمت سياسة القبض على العصا من المنتصف و"الجزرة" لمن يفوز .. هكذا موقف سيدة العالم تستهويها مشاهدة مغامرات الأكشن فإذا عاش البطل حَيَتهُ وحَبَتهُ، وإذا مات البطل صفعته ولعنته.
 
هذه المواقف يجب أن نتعلم منها نحن العرب لننهض بمستوى أرقى يضمن لنا مركزاً متقدماً في دول النمور التي اعتمدت على نفسها فأصبحت تناطح أمريكا وروسيا وتفوقت على القطبين في زمن قياسي .. أما الضعفاء البُلهاء فقد قنعوا بمقاعدهم خِلاف دول العالم الثالث وخطوط فقره، ومازالوا يبحثون في الفلك عن أمريكا ووزراء خارجيتها بانتظار المساعدات التي يمونون بها على الفقراء، ويلوذون بها ولأجلها يعتصمون ويسبحون بحمدها ويستغفرون لها .. يصطفون أمامها ليقدمون قرابين فروض الولاء والطاعة وخير بضاعة لعلها تتقبل منهم ولئن سألتهم قالوا : آمنا بها وأستيقنتها أنفسنا أم الدولار وإن دارت أو جارت هي نعم الدار والجار والمال والمآل وهي الكعبة والوجهه في الحِل والترحال.

العجزة لا تغنيهم شهامة، ولا تزعجهم كرامة، ولو كان الطريق لبلاد العم سام يبدأ من بني صهيون فهم لا يتورعون أن يتوددوا لهم بالركوع والسجود والسلام .. العجزة وحدهم لو خيرتهم مابين البيت الأبيض والبيت الحرام .. لاختاروا الأبيض منهما، واشتهوا بلعابهم ورُغائهم لو ينتهي بهم العمر وهم خُدَمُ في محاريبه أو على ابوابه، وجادلوك بملئ فِيهِم .. هذا أجره حسنات وذاك دولارات، وما أحوجنا في عهد الخنوع والجوع وزمن تساقط التوت إلى أوراق البنكنوت.