مقالات مختارة

سد النهضة الأثيوبي والكنيسة

1300x600
كتب أشرف صادق: تسجل كتب التاريخ أن الكنيسة المصرية كان لها دوم دور رئيسي وفاعل فى حل ازمه تدفق مياه النيل من اثيوبيا الى مصر ففي عهد المستنصر بالله الفاطمي شحت مياه النيل وقلت في المجرى المخصص للنهر العظيم وعم القحط نواحي مصر بسبب بناء الاحباش سدودا على النيل في بلادهم منعت تدفق الماء على مصر .فيبعث المستنصر بالبطريرك ميخائيل الى الحبشة وحمله بهدايا للنجاشي حاكم الحبش وتكلم البطريرك مع النجاشي فوافق على فتح سد كان حائلا دون تدفق مياه النيل.

وتكررت نفس المشكلة في عهد محمد علي حاكم مصر عام 1834 وعن طريق البابا بطرس الجاولي تم حل مشكلة المياه وتحسنت العلاقات.

وفي عهد سعيد باشا الذي حكم مصر عام 1845  كادت تجف مياه النيل فبعث الخديو سعيد بالبابا كيرلس الرابع لحل مشكلة المياه واستطاع البابا كيرلس بحكمته الرصينة حل هذه المشكلة.

وهكذا كلما حلت مشكلة جفاف مياه نهر النيل وتهديد شعب مصر بالموت عطشا وتحويل خصوبة الارض الي التصحر يلجأون الى وساطة البابا للتدخل مع حكام اثيوبيا (بلد المنبع) لحل المشكلة وفي كل مرة يستجيب رئيس الحبشة لكلام بابا الاقباط وتنفرج ازمة الشعب المصري.

وكانت العلاقات الأثيوبيه المصريه في أزهي صورها في عصر الرئيس جمال عبد الناصر لان مصر كانت لديها ورقه مؤثرة احسن استخدامها آنذاك وهو دور الكنيسة المصرية. فأثيوبيا في ذاك الوقت كانت تابعه للكنيسه الأرثوذ كسيه المصرية، وكانت الكنيسه الأم في مصر ترسم لهم الاساقفة وترسل القساوسه للعمل في الكنائس الأثيوبية، وكان البابا كيرلس السادس له علاقات شخصية بالإمبراطور هيلاسلاسي و كثيرا ما كان الرئيس جمال عبد الناصر يوظفها في خدمة المصالح المشتركة، وكثيرا ما كان الامبراطور يدعو قداسة البابا لافتتاح وتدشين الكنائس في اثيوبيا وكانت الدولة المصرية تؤازر هذا العمل وتشجعه.

وهكذا كانت الكنيسة الوطنية كدأبها المستمر في خدمة الشعب المصري وتساهم بجدية في حل المشاكل التي تواجه مصر لانها جزء من مصر ويعيش الوطن في قلب الكنيسة ورعاتها وشعبها.

ولاسباب عديدة تعقدت الامور ودب الفتور بين مصر واثيوبيا وضعفت العلاقة بين الكنيستين وتفاقمت مشكلة النيل للاسباب التالية:

أولا : تجاهل الرئيس المخلوع وحكوماته المتعاقبة امر اثيوبيا بعد محاولة اغتيال مبارك في اديس ابابا بيد نفر من السودانيين، وعلى اثرها ساءت العلاقات بين مصر واثيوبيا ولم تلتفت مصر الى النيل ومستقبل الايام، والرهان على الجيش المصري القادر على ضرب اي مشروع على النيل وحتى تركع اثيوبيا ودول حوض النيل، ولكن دوام الحال من المحال فالضربه العسكرية واللجوء للقوه ليس  امرا سهلا.

ثانيا : ان الكنيسة القبطية ليس لها نفس الدور الماضي او اليد الطولى في اثيوبيا لان الامور تغيرت فالحكم ليس امبراطوريا ولايبالي بالايدلوجية الروحية وباتت الكنيسة الاثيوبية احدى مؤسسات الدولة الخاضعة للحكومة، ولم تعد الشريك الروحي في حكم اثيوبيا ناهيكم عن أن علاقة الكنيسة الاثيوبية بالكنيسة المصرية اخذت شكلا مختلفا عن السابق واصبح لاثيوبيا الان بطريريك مستقل ومجمع مقدس يدير شؤون الكنيسة في ظل حكم لا يعير للدين اهتماما يذكر، وتحولت البنوة بين الكنيستين الى اخوة والفرق شاسع بين الطاعة البنوية والعلاقة الاخوية.

ولا اظن ان الكنيسة القبطية في قدرتها على التأثير على الكنيسة الاثيوبية والزامها بالطاعة اولا لاستقلالها ثانيا لاذعانها لحكم جمهوري له مشاربه الدنيوية ومقاصده التنموية وإرادته الشعبية فضلا عن المطامع الاجنبية فصار الطريق شائكا والامور معقدة والحلول ليست على قدر البطاركة او في متناول المجامع الكنسية.

ولذلك لم تكن هناك أيه مفاجأه عندما اعلن بطريرك إثيوبيا متياس الاول إلغاء زيارته لمصر التي كان مقررا لها من ( 25- 30 ) إبريل وكان أيضاً قد ألغى زياره سابقة كان مقررا لها 17 يونيو 2013. وأتصور أن السياسه والمصالح الاقتصادية هى الورقة الفاعلة في ملف سد النهضة الاثيوبي والطرف الاثيوبي ومعه كل الأطراف التي لا تريد خيرآ لمصر يلعبون بكل الأوراق تحت وفوق الطاولة ويرفضون أي دور للكنيسة والبطاركة وعلينا ان نعي ذلك ونتعامل بوعي وحنكة وحذر وقوة ودبلوماسية وبكل الأوراق قبل فوات الأوان.

(الأهرام)