كتاب عربي 21

قطر.. القصة التي لا يعرفها الكثيرون! (1/2)

1300x600

ما زالت قـطر ومشروعها السياسي لغزا محيرا لكثير من الباحثين والمتابعين، وما زال محللو العلاقات الدولية يصولون ويجولون ثم يتوقفون أمام حالة "قطر" ويتلعثمون، فقطر تلك الدولة التي لا تزيد مساحتها عن الـ12 ألف كيلومتر ولا يزيد سكانها الأصليون عن المليون وتأخذ موقعها الجغرافي على حافة ساحة المملكة السعودية وكأنها نتوء جغرافي صغير، إلا أن قطر بالنسبة للسعودية كالكلية الملتهبة بالنسبة للجسد! فقطر ينظر لها في الرياض على أنها الخصم الإقليمي العربي الأول، وما زالت تقف عائقا أمام كثير من مشاريع المملكة السعودية في المنطقة.. ولكن ماهو سر قصة هذا الخلاف؟

لم تظهر قـطر للوجود كدولة إلا في سبعينيات القرن الماضي، ولم تبدأ في الظهور كدولة مؤثرة إقليميا إلا في التسعينيات، حينما تولى "حمد بن خليفة" السلطة بانقلاب ناعم، ومن هنا بدأت القصة، هذا اللاعب الجديد الذي وصل للسلطة في قطر كان طموحا جدا، وكان أيضا ضعيفا جدا من حيث قدرات المنافسين وقدراته الجغرافية، لكن كشوفات الغاز في قطر منحت هذه الدولة الوليدة فائضا ماليا كبيرا يمكنها من توظيفه في اتجاهات غير اتجاهات الداخل الذي تشبع بالمال وفاض.

بعد وصول الشيخ "حمد" للسلطة في منتصف التسعينات لم يرق ذلك للملك "فهد بن عبدالعزيز" ومن ورائه حليفه "مبارك" والي مصر آنذاك.. فاللاعب القادم يبدو أنه يحمل مشروعا خاصا خارج إطار الوصاية السعودية المصرية على القرار العربي، كما أن الكشوفات المتعلة بالطاقة ستجعله اقتصاديا من أهم اللاعبين الرئيسيين، حيث أن زيادة رأس المال مع قلة الفرص المحلية وصغر حجم الدولة سيضطرها حتما للبحث عن مغامرات خارج إطار الحدود، كما أن صغر المساحة الجغرافية والحجم الديموغرافي سيجعل تلك الدولة تسعى وراء تجاوزها عبر اللعبة الإقليمية والعالمية، وكان من اللحظة الأولى باديا أن حمد القادم الجديد يحظى بقبول في واشنطن أيضا مما يقلق الحلفاء المحليين الرئيسيين.

سعت السعودية ومصر في تعاون استخباراتي في عامي 94 و96 لدعم انقلاب مزدوج ليس فقط على "حمد" القادم الجديد، وإنما على الأسرة الحاكمة (آل ثاني) من خلال دعم تحالف قبلي موالي للسعودية. وكانت خطة الانقلاب تقضي بتحرك داخلي عسكري قبلي يتلوه تحرك وحشد لقوات درع الجزيرة التي تسيطر عليها السعودية للتدخل في حالة حدوث تعثر عملياتي. ولكن في الساعات الأخيرة قبل الانقلاب تم كشف فصوله من قبل أحد الضباط. وفور إفشال الانقلاب وكشف أطرافه وجدت قطر أن حجم اللاعبين الكبار ضدها أكبر من قدرتها على المواجهة، استدعت قطر فورا واشنطن التي كانت تمتلك قاعدة جوية بسيطة بها لمراقبة حظر الطيران في العراق، وعقدت مع أمريكا اتفاقية حماية أمنية تتمتلك بموجبها واشنطن قاعدة عسكرية كبيرة في المنطقة مقابل "حرية الدور السياسي" على أن تتولى قطر تمويلها لوجيستيا.

في ذلك الوقت كانت السعودية قد أوقفت مشروعا للتعاون مع البي بي سي لإطلاق فضائية عربية، وعلى الفور سعت قطر لاحتواء كوادر المشروع المجهض لتحوله إلى قناة "الجزيرة" التي تمتلكها، حيث أن الحجم الجغرافي الصغير يتطلب صوتا كبيرا لحمايته. وبدأت القناة بثها من قطر نكاية في السعودية التي قادت الانقلاب، وخلال العامين 96 و97 رحلت قطر ما يزيد عن الـ18 ألف مصري كانوا يعملون في سلك الشرطة القطرية، وبدأت التصعيد ضد مصر بعد كشف دور المخابرات المصرية في الانقلاب. وتفاقمت الأوضاع بعد تناول الصحف القطرية الوفد المصري المشارك في مؤتمر القمة الاقتصادي الإسلامي.

سعت قطر في توثيق صلاتها أكثر بخصوم السلطة المصرية المتمثلين في "الإخوان المسلمين" كنوع من النكاية. وما لبثت تلك النكاية أن تحولت إلى نوع من التعاون الاستراتيجي. وكان الإخوان المسلمون منذ أن هربوا من مصر في عهد عبد الناصر يمتلكون وضعا جيدا في الخليج، فهم من وضعوا المناهج التربوية في السعودية وأسسوا هياكل التعليم في الخليج وهياكل الصحة، كان من الطبيعي التعاون معهم، لكن قطر تجاوزت التعاون في هذه المجالات المتخصصة إلى نوع من التعاون السياسي حيث احتوت عناصر مهمة منهم.

نكمل بقية القصة في المقال الثاني..