مقالات مختارة

آخر لاجئ فلسطيني

1300x600
تعزّز تصريحات مسؤول فلسطيني مهم (للزميلة نادية سعد الدين، قبل يومين) الهواجس التي كتبها عبدالباري عطوان، وقدّمها قبله الدكتور معروف البخيت، من "الصفقة" المطروحة على السلطة الفلسطينية لتصفية موضوع اللاجئين، ومقايضة حقّ العودة بالتوطين الكامل لهم في الدول التي يقيمون فيها أو في دول أخرى، بالإضافة إلى التعويض!

الطرف الثالث في المعادلة، هو، بلا شك، الأردن. وهو معنيّ، بدرجة رئيسة، بما ستسفر عنه المفاوضات، تحديداً ما يتعلّق بشأن اللاجئين الفلسطينيين الذين يمتلك جزء كبير منهم الجنسية الأردنية، وبالتالي كامل الحقوق المدنية والسياسية، بينما يمتلك آخرون البطاقات الخضراء، بالإضافة إلى الغزّيين. وهو الموضوع الذي فتح جدلاً ساخناً وراء الأبواب المغلقة في أوساط النخبة السياسية الأردنية، خلال الأيام الماضية.

مخاوف النخبة السياسية الأردنية تتحدث عن سعي الإسرائيليين إلى "مقايضة تاريخية" تلغي شيئاً رمزياً اسمه "حقّ العودة"، وتصفّي ملف اللاجئين الفلسطينيين نهائياً، وذلك عبر قرار من مجلس الأمن يضع التوطين + التعويض بديلاً لهذا الحق الرمزي التاريخي القانوني!

ما هو أسوأ من ذلك أنّ إسرائيل تضغط على السلطة الفلسطينية لاعتراف تاريخي رمزي آخر؛ إسرائيل بوصفها "دولة قومية لليهود"، وهو ما تصرّ السلطة الفلسطينية على رفضه. لكن ماذا لو ذهبت إسرائيل إلى مجلس الأمن لتطالبه بإقرار هذه الصيغة، المقبولة أميركياً؛ ماذا سيكون موقف النظام الرسمي العربي؟ وما هو موقف الأردن، تحديداً، العضو في مجلس الأمن؟

النخب الأردنية الرسمية، وشبه الرسمية، ليست موحّدة تجاه ما يجري. فثمّة أوساط تدفع بقوة باتجاه خيار القبول بمشروع وزير الخارجية الأميركي جون كيري، بالاستناد إلى حجّتين: 

الأولى، أنّه "الفرصة الأخيرة" للتسوية السلمية. فمن سيأتي بعد الرئيس باراك أوباما لن يغامر بإضعاف جديد للدبلوماسية الأميركية.

 كما أنّ الوضع الفلسطيني سيتدهور بعد الرئيس محمود عباس أو في حالة فشله، مع غياب البدائل المقنعة؛ هذا مع الإقرار بضعفه ابتداءً.
الثانية، أنّ الفلسطينيين والعرب لا يملكون بديلاً في حال فشل التسوية. وستكون النتيجة مزيداً من المستوطنات، وتدهور النطاق الاستراتيجي الإقليمي العربي، وتنفيذاً لـ"سيناريو الأمر الواقع"؛ أي "كانتونات" فلسطينية سكّانية معزولة.

التيار الآخر، وينتمي إلى الجناح المحافظ عموماً، وله امتداد عميق في مؤسسات الدولة، يرفض ما يقدّمه كيري، ويرى فيه خطراً شديداً على المصالح الوطنية الأردنية والأمن الداخلي، لأنّه ينقل الكرة الملتهبة إلى الأردن. فالوقت الراهن هو أسوأ وقت يمكن أن تجرى فيه المفاوضات، وما سينجم عنها سيقدّم هدية مجّانية لا تقدّر بثمن لإسرائيل!

هذا السجال انعكس عبر تكليف "مطبخ القرار" لوزير التنمية الاجتماعية السابق، وجيه عزايزة، إعداد ورقة عن الوضع القانوني والسياسي للاجئين الفلسطينيين، والسيناريوهات الممكنة للتعامل مع القضية، بالتعاون مع مراكز تفكير مهمة وحيوية. لكنّ مثل هذه الورقة الفنية لا تجيب عن السؤال الأساس: فيما إذا كان الأردنيون والفلسطينيون مهيئين لهذه "المقايضة التاريخية"؛ حق العودة بالتعويض، أم لا!

من يمتلك الجرأة على تسويق هذه النتائج ليقول للاجئين الفلسطينيين: انتهى الحلم. ليس لكم أرض لتعودوا إليها؛ لا في "دولة إسرائيل" اليهودية، ولا في الـ67، لعدم إمكانية استيعابكم فيها؟! أيّا كانت استراتيجيات التسويق التي سيتم اعتمادها، من سيقول للفلسطينيين: حق العودة انتهى، وليس هنالك شيء اسمه "لاجئ فلسطيني" بعد اليوم؟!

ما أزال متمسّكاً بأنّني لا أتوقع تجاوز تلك العقبات الرمزية.

 لكن مع ذلك، فإنّ علينا الإقرار، بالضرورة، بأنّنا ملزمون اليوم بأن نتخلّى عن حساسياتنا المفرطة، وأن تناقش النخب السياسية السيناريوهات والاحتمالات والخيارات والبدائل المطروحة على الطاولة وخارجها، بروح عقلانية واقعية منفتحة؛ سواء بشأن التسوية، كما بشأن انعكاساتها على المعادلة الداخلية، وما يرتبط بذلك من إشكالية المواطنة والهوية والعودة. وذلك بدلاً من لغة الألغاز وخطاب الغرائز والهواجس والعواطف!