اقتصاد عربي

مستويات تاريخية لخدمة الدين الخارجي لمصر.. ما تداعياتها؟

تجاوزت قيمة أقساط وفوائد الديون المستحقة على مصر خلال الـ2024 التوقعات وقفزت إلى 36.3 مليار دولار- الأناضول
يتعين على مصر دفع أكثر من 97 مليار دولار (حوالي 4.65 تريليون جنيه) في حال عدم انخفاض الجنيه مجددا لخدمة الدين الخارجي (فوائد دين وأقساط)، وهو رقم تاريخي وغير مسبوق في تاريخ مصر المأزومة بالديون.

ارتفع إجمالي مدفوعات الدين الخارجي المستحق على مصر من فوائد وأقساط بنحو 5.4% في الفترة بين 2024 و2027، إلى 97.1 مليار دولار، بسبب ارتفاع سعر الفائدة وأقساط القروض، بحسب تقرير الوضع الخارجي للاقتصاد المصري حتى نهاية ديسمبر 2023.

وتجاوزت قيمة أقساط وفوائد الديون المستحقة على مصر خلال الـ2024 التوقعات وقفزت إلى 36.3 مليار دولار، ومن المقرر سداد نحو 17.9 مليار دولار منها خلال النصف الأول من عام 2024، على أن يتم سداد الـ18.4 مليار دولار المتبقية خلال النصف الثاني من العام ذاته.

تبلغ حصة فوائد الدين 7.5 مليار دولار وأقساط القروض 28.85 مليار دولار، بحسب تقرير الوضع الخارجي لمصر.

في غضون ذلك، قفز الدين الخارجي لمصر بنهاية عام 2023 نحو 168.034 مليار دولار، مقابل 164.522 مليار دولار في الربع المنتهي في أيلول/ سبتمبر الماضي بزيادة بلغت 3.51 مليار دولار، وفقاً لبيانات البنك المركزي المصري.

ويُشكل بند مدفوعات الفوائد وحده 47% إجمالي الموازنة العامة للدولة 2024-2025، أي حوالي 1.834 تريليون جنيه (38 مليار دولار)، مقارنة بـ37 بالمئة في تقديرات الموازنة الحالية التي تنتهي بنهاية تموز/ يونيو المقبل.

المدفوعات الضخمة والتأثيرات السلبية
تشير الأرقام إلى أن مصر تواجه تحديا اقتصاديًا هائلا يتمثل في ارتفاع خدمة الدين الخارجي إلى مستويات تاريخية، ما يُثير القلق بشأن تداعياتها على الاقتصاد المصري، وتأثيره على التنمية، والاستقرار المالي، وقيمة الجنيه المصري.

يُمكن أن تُلقي هذه المدفوعات الضخمة بظلالها السلبية على مختلف جوانب الاقتصاد المصري بحسب خبراء اقتصاد تحدثوا إلى "عربي21"، منها:

قد تُضطر الحكومة إلى تقليص الإنفاق على البرامج والمشاريع التنموية، مثل التعليم والصحة والبنية التحتية، لتوفير الأموال لسداد الديون.

قد تواجه مصر صعوبة في توفير النقد الأجنبي اللازم لسداد الديون، ما قد يؤدي إلى انخفاض قيمة الجنيه المصري، ويزيد من صعوبة الواردات.

قد تؤدي زيادة الإنفاق على خدمة الدين إلى ارتفاع الضرائب، ما قد يتسبب في زيادة الأسعار في الأسواق.

قد تُضطر الحكومة إلى بيع بعض الأصول مثل الشركات المملوكة للدولة لتوفير الأموال لسداد الديون، ما قد يُفقدها السيطرة على بعض القطاعات الاقتصادية.

خدمة الدين تثبط الاقتصاد المصري
وقال الخبير الاقتصادي ورجل الأعمال المصري-الأمريكي، محمد رزق: "لن تكون هناك تنمية حقيقية فى مصر بدون استثمار مباشر لدفع قاطرة الاقتصاد، ولن يأتي الاستثمار المباشر في ظل احتكار واحتلال مؤسسات الدولة لمفاصل الاقتصاد.

ووصف الوضع الاقتصادي في حديثه لـ"عربي21": "نحن كمن يدور فى حلقة مفرغة، أو قل يحرث مياه البحر دون طحين، وإن إستمر الوضع كما هو عليه الآن فسوف نعود للمربع صفر ثانية بعد نفاد حصيلة النقد الأجنبي لدى الدولة".

ورأى رزق أن "خدمات الدين الخارجي وحده كارثة تلتهم أي فرص حقيقية للتنمية، وكان يمكن توجيه مثل تلك الأموال إلى الاستثمار في قطاعات اقتصادية إنتاجية، وكان الأثر حينها سيكون مضاعفا، بسبب زيادة الإنتاج والتصدير وزيادة المعروض وتشغيل الأيدي العاملة".

الفرص الضائعة والبديلة
يقول الخبير الاقتصادي واستشاري تمويل المشروعات، الدكتور علاء السيد، إن "ارتفاع خدمة الدين لأرقام قياسية هو نتيجة طبيعية لارتفاع حجم الدين الخارجي لأرقام غير مسبوقة. وقد حدث ذلك بسبب السياسات غير الرشيدة للحكومات المتعاقبة منذ عشر سنوات والتي لم تكن إلا لسداد أقساط ديون سابقة ومن أجل ضخها في مشروعات غير مدروسة وغير إنتاجية وغير مربحة ولا تضيف إيجابا لهيكل الاقتصاد المصري ولا تولد وظائف جديدة ولا ينتج عنها زيادة في الدخل القومي ولا في دخل الفرد".

وأضاف في حديثه لـ"عربي21" أنه "لا تقدم الخدمات الرئيسية والاستراتيجية التي يحتاجها عموم الشعب المصري من تعليم وصحة وتحديث وتجديد وصيانة المرافق في المدن والقرى القائمة التي يقطنها نحو 97% من الشعب الذي لا تبحث الحكومات المعينة عن مصالحه بل تتعالى عليه و ترهق كاهله بمزيد من الضرائب والرسوم لتتمكن من الإنفاق على نزواتها وجرائمها الاقتصادية والمالية المستمرة دون حساب ولا رادع ولا استجواب ولا عقاب".

وتوقع الخبير الاقتصادي عدم استقرار الجنيه مستقبلا قائلا: "للأسف الشديد الحديث عن استقرار الجنيه وعدم تعويمه مجددا هو حديث غير دقيق فالتعويم حتمي لكن التوقيت ربما يتم التحكم فيه جزئيا. أزمة شح الدولار الأمريكي ربما تتم السيطرة عليها بمزيد من القروض ومزيد من التفريط في الأصول المملوكة للشعب المقهور. ولا يتوقع أن تتم إعادة هيكلة الاقتصاد المصري وتحويله إلى اقتصاد إنتاجي، وأهداف ومصالح الشعب متعارضة مع أهداف ومصالح الحكومة للأسف الشديد".

وتابع السيد: "أتوقع استمرار شح البضائع في الأسواق وبالتالي استمرار ارتفاع الأسعار مع عدم زيادة الأجور بذات وتيرة التضخم الحادث ولست متفائلا بتغيير أسلوب المجموعة الاقتصادية في إدارة الأزمة ولا أن تغير سياساتها المالية والنقدية والاقتصادية أو تعدلها وأتوقع استمرار إدارة الدولة وملفاتها الاقتصادية بذات العشوائية والتخبط حتى حين".