صحافة دولية

WP: الاستراتيجية الإنسانية الأمريكية فشلت وغزة تقترب من المجاعة

أكدت الصحيفة أنه بات من الواضح أن معاناة سكان غزة تتزايد بشكل كبير- جيتي
نشرت صحيفة "واشنطن بوست" مقالا للصحفي جوش روجين قال فيه؛ إنه منذ السابع من تشرين الأول/أكتوبر الماضي، أعلنت إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن أن المساعدات الإنسانية في غزة هي "ركيزة أساسية في نهجها تجاه الأزمة".

وأضافت الصحيفة: "لكن يبدو أن هذا الجزء من استراتيجية الولايات المتحدة يفشل الآن، حيث أدت الهجمات العشوائية التي تشنها إسرائيل والحواجز التي تعترض توصيل المساعدات إلى تعريض الفلسطينيين الناجين إلى مجاعة من صنع الإنسان. يمكن للولايات المتحدة، بل وينبغي لها، أن تفعل المزيد لضمان عدم تعرض سكان غزة للجوع".

وقال مسؤول كبير بوزارة الخارجية الأمريكية يوم الجمعة الماضي لرويترز؛ إن معظم مناطق جنوب ووسط غزة معرضة "لخطر كبير" من المجاعة، وإن المجاعة في شمال غزة "من المحتمل جدا أن تكون موجودة".

وذهب تقرير صدر في 18 آذار/ مارس عن التصنيف المرحلي المتكامل للأمن الغذائي، وهو مبادرة متعددة الأطراف تعمل على تقييم الأزمات الغذائية، إلى أبعد من ذلك. وذكر أن حوالي 1.1 مليون من سكان غزة يعانون من "انعدام أمن غذائي كارثي"، وأن "المجاعة وشيكة" في المحافظات الشمالية.

ردا على ذلك، انتقدت حكومة الاحتلال بيانات ومنهجية المركز، ونفت أن إسرائيل "تتعمد تجويع السكان المدنيين في غزة". وألقت إسرائيل باللوم على حماس ومنظمات الإغاثة، على التوالي، في إساءة استخدام المساعدات وسوء إدارتها. وتصر إسرائيل على أنها لا تضع أي قيود على كمية المساعدات التي يمكن أن تدخل غزة.



ولكن من الواضح أن معاناة سكان غزة تتزايد بشكل كبير، وقد ظهرت تقارير عن حشود كبيرة من الأشخاص اليائسين الذين اقتحموا قوافل المساعدات، وأطفال يموتون جوعا في المستشفيات، وكل ذلك بينما تنتظر آلاف شاحنات المساعدات الموافقة الإسرائيلية على دخول غزة. ويواجه عمال الإغاثة الذين يتمكنون من الوصول إلى غزة ظروفا مرعبة. وقصف الاحتلال مؤخرا قافلة للمطبخ المركزي العالمي فيما وصفته بأنه "خطأ فادح"، ما أسفر عن مقتل ستة من عمال الإغاثة الأجانب وفلسطيني واحد.

وتتهم جماعات الإغاثة عملية التفتيش الإسرائيلية الشاقة والتعسفية لشاحنات المساعدات بتفاقم بؤس سكان غزة. ووفقا لوكالة غوث وتشغيل اللاجئين التابعة للأمم المتحدة (الأونروا)، وهي أكبر منظمة مساعدات على الأرض، فإن القيود الإسرائيلية على دخول المساعدات إلى غزة آخذة في التزايد. إحدى القضايا هي الحظر المفروض على المواد "ذات الاستخدام المزدوج"، التي ترى إسرائيل أنها يمكن أن تكون لها تطبيقات عسكرية، بما في ذلك اسطوانات الأكسجين والمولدات وأجهزة التهوية، وحتى مقص من مجموعة أدوات طبية للأطفال.

بالإضافة إلى ذلك، فإن المفتشين الإسرائيليين يرفضون بشكل غير متوقع المواد غير الموجودة في قائمة "الاستخدام المزدوج"، وفقا للمعلومات التي قدمها لي مسؤولون في الأونروا. على سبيل المثال، تم رفض الشاحنات التي تحمل "مستلزمات الكرامة" للنظافة للنساء والفتيات بسبب مكون الجلسرين الموجود في كريم اليد. وفي حالة أخرى، أعاد المفتشون الإسرائيليون شاحنة محملة بالعدس الأحمر بسبب سوء التغليف.

وكانت وزارة الخارجية قد أوقفت تمويل الأونروا في كانون الثاني/ يناير، بعد أن اتهمت إسرائيل بعض موظفيها بالمشاركة في هجوم 7  تشرين الأول/ أكتوبر، على الرغم من أن الأدلة على تورطهم لا تزال غير واضحة. وفي الشهر الماضي، أقر الكونغرس حظرا على تمويل الأونروا.

وتواجه منظمات الإغاثة الأخرى في غزة مشكلات مماثلة. وقال موظفو الإغاثة لشبكة CNN؛ إن المفتشين الإسرائيليين أعادوا أكياس النوم؛ لأنها كانت ذات لون أخضر، وهو ما كان يُنظر إليه على أنه عسكري للغاية، كما رفضوا كمية من التمر لأنها تحتوي على النوى.



إن أصغر أطفال غزة هم الأكثر تضررا من هذا الوضع المتدهور. ووفقا لتقييم أجرته مجموعة التغذية العالمية التابعة للأمم المتحدة في شهر آذار/ مارس، فإن أكثر من 30% من الأطفال في شمال غزة، الذين تتراوح أعمارهم بين 6 و23 شهرا، يعانون الآن من سوء التغذية الحاد - وهو ضعف المعدل مقارنة بشهر كانون الثاني/ يناير. ويتناول أكثر من 80% من الأسر في شمال غزة وجبة واحدة فقط في اليوم.

وساهمت الحكومة الأمريكية بأكثر من 180 مليون دولار لمساعدة المنظمات العاملة داخل غزة منذ بدء الأزمة. كما أثار كبار مسؤولي بايدن مسألة وصول المساعدات الإنسانية بشكل متكرر. والآن يقوم الجيش الأمريكي بإسقاط طرود المساعدات من الطائرات ويخطط لبناء رصيف عائم قبالة ساحل شمال غزة لتوصيل المساعدات البحرية.

وهذه الجهود جديرة بالثناء، ولكنها غير فعالة وغير كافية. ومن دون زيادة كبيرة في تدفق المساعدات، ستحل المجاعة قبل وقت طويل من تشغيل الرصيف العائم. يوم الاثنين، ورد أن مسؤولي بايدن حذروا المسؤولين الإسرائيليين من أن الغزو البري لرفح قد يؤدي إلى تفاقم الوضع الإنساني. وقال البيت الأبيض؛ إن الإسرائيليين وعدوا "بأخذ هذه المخاوف بعين الاعتبار".

ومن الواضح أن الحكومة الإسرائيلية لا تستجيب لمخاوف فريق بايدن. والأسوأ من ذلك هو أن وزارة الخارجية لا تزال تصر على أنها لم تجد أن إسرائيل تنتهك القانون الإنساني الدولي. ومع ذلك، فإن تقييماتها مستمرة. وقد اعتبر السناتور كريس فان هولين (ديمقراطي من ماريلاند) بشكل صحيح أن الاستنتاج سيكون "منفصلا تماما عن الواقع على الأرض".

لقد حان الوقت لإدارة بايدن لاستخدام ضغوط حقيقية - بما في ذلك التهديد بحجب الأسلحة -، لإقناع الحكومة الإسرائيلية بفعل ما طالبت به محكمة العدل الدولية: السماح بـ "توفير الغذاء والنظافة والمساعدات الطبية دون عوائق". إن موافقة فريق بايدن الأخيرة على آلاف القنابل الإضافية للجيش الإسرائيلي، قبل امتثال إسرائيل، ترسل إشارة خاطئة تماما.

إذا كان بوسع الولايات المتحدة أن تشاهد الأطفال يتضورون جوعا على يد حليفتها، فعلى ماذا تعتمد عندما تنتقد الديكتاتوريين مثل الرئيس الروسي فلاديمير بوتين أو الرئيس السوري بشار الأسد لاستخدام الغذاء كسلاح في الحرب؟ وما لم تفعل حكومتنا المزيد لتخفيف الكارثة الإنسانية في غزة، فإنها ستقوض الأمل في السلام والاستقرار، وتضر بمصداقية الولايات المتحدة في جميع أنحاء المنطقة لعقود قادمة.