سياسة عربية

للمجرمين فقط.. لماذا تتجاهل قرارات العفو الرئاسي 200 معتقلة مصرية؟

عشرات الآلاف من المعتقلين السياسيين في مصر لم يشملهم العفو- جيتي
تقبع أكثر من 200 امرأة وفتاة مصرية حاليا رهن السجن والحبس الاحتياطي بسبب التظاهر السلمي، أو كونهن ناشطات حقوقيات، أو زوجات لبعض المعتقلين، يتجاهلهن النظام الحاكم من قوائم العفو الرئاسي، ويغبن عن ترشيحاتها، وعن قرارات الإفراج التي تصدر بمناسبات قومية ودينية.

وقبل أيام، أصدر رئيس النظام عبد الفتاح السيسي، قرار عفو رئاسي بالإفراج الطبي عن السجين الجنائي كريم الهواري، نجل رجل الأعمال محمد الهواري، الذي قتل 4 طلاب مصريين بسيارته بمدينة الشيخ زايد جنوب القاهرة، 12 كانون الأول/ ديسمبر 2021، وحكم عليه بالسجن 3 سنوات.

"تناقض مثير"
القرار الذي أثار الجدل، سبقه قرارات مماثلة بالإفراج الصحي عن رجل الأعمال هشام طلعت مصطفى في حزيران/ يونيو 2017، وضابط أمن الدولة السابق محسن السكري في أيلول/ سبتمبر 2022.

‌وذلك بعد حكمين بالسجن 15 عاما للأول والسجن المؤبد للثاني في جريمة قتل اللبنانية سوزان تميم في تموز/ يوليو 2008، في دبي بالإمارات.

وأيضا، قرار العفو المثير والذي أصدره السيسي، عن رجل العالم السفلي في مصر، صبري نخنوخ في أيار/ مايو 2018، منهيا بذلك حكما بالسجن المؤبد بحق نخنوخ.

‌وتتوالى قرارات السيسي، بالإفراج عن المسجونين الجنائيين، والتي كان آخرها في 25 كانون الثاني/ يناير الماضي، حيث صدر أمر عفو رئاسي عن عدد من المحكوم عليهم بمناسبة عيد الشرطة، لكن المؤكد أنه ليس من بينهم أي من المعتقلات على ذمة قضايا سياسية.

ومع تدشين النظام "لجنة العفو الرئاسي"، عام 2016، ومع إعادة تفعيل عملها في نيسان/ أبريل 2022، يجري الإفراج عن أعداد قليلة من المعتقلين السياسيين ونادرة من المعتقلات مثل الباحثة خلود سعيد.

‌وخلت تلك القوائم، وفق رصد "عربي21" من أعضاء جماعة الإخوان المسلمين وأنصار الجماعة المعتقلين، والذين يشكلون أغلبية من بالسجون على ذمة قضايا سياسية منذ انقلاب 3 تموز/ يوليو 2013.


كما أنه ومع تدشين "الحوار الوطني" العام الماضي بدعوة من السيسي، تبنت بعض الأحزاب والجبهات المشاركة الدعوة لإطلاق سراح معتقلي التيارات الليبرالية والاشتراكية دون ذكر المعتقلين والمعتقلات من تيار الإسلام السياسي.

‌أسماء خلف القضبان
ولكن هناك دعوات خجولة عبر مواقع التواصل الاجتماعي، للإفراج عن المعتقلات، مثل عائشة الشاطر، وهدى عبد المنعم، وحسيبة محسوب، ونرمين حسين، ومروة عرفة، وصفاء كوربيجي، وهالة فهمي، ومنال عجرمة، وشيرين محمد، وعلياء عواد.

وهناك أسماء مثل: سامية شنن، وسمية ماهر، وعلا حسين، وبسمة رفعت، وإسراء خالد، ونجلاء مختار، وآية كمال، وأسماء ناجي، وبشرى إبراهيم، وأمل حسن، ومها محمد، ورضوى ياسر، وعايدة محمود، ورباب جمعة، وفوزية إبراهيم، وبسنت السيد، ومروة أحمد، وناهد نبيل، وأمل حمدي، وآمال إسماعيل، وسارة سليم.

وميرفت محمد، وشيماء أبوزيد، ونجوى أمان، وهدى علي، وداليا عبد الوهاب، وآمال صالح، وأسماء طلعت، وأسماء محمود، ومريم السعيد، وأمنية منصور، وآلاء عادل، ومنى سلامة، وآلاء الرحمن رفيقي، وضحى ممدوح، وهبة مصطفى، وسلمى سويلم، وعايدة محمود، ومحاسن عبد العال، وبسمة عبده، ورشا السيد، وشيماء أحمد، وأسماء عبد الرحمن، وأمل نبيل، وفاطمة خليفة.



وجرى الإفراج عن أسماء ناشطات مثل آية حجازي، بوساطة أمريكية، وذلك إلى جانب ماهينور المصري، وإسراء عبد الفتاح، وسولافا مجدي، وشيماء سامي، وخلود سعيد، وأمل فتحي، وشروق أمجد، وآية علاء، وعلا القرضاوي، وغيرهن.

‌وتعد قضية زبيدة وأم زبيدة السيدة منى محمود، من أكثر القصص التي أثارت الجدل، عام 2018، حين تحدثت الأم لـ"BBC" البريطانية، عن إخفاء الأمن لابنتها زبيدة يونس، واغتصابها، ليتم اعتقال أم زبيدة، ولا يُعرف حتى الآن مصراهما.

‌وفي شهادتها كتبت المعتقلة السابقة الصحفية سولافا مجدي في 13 نيسان/ أبريل 2023، مقالا أكدت فيه أن سجون مصر، وبالأخص دمنهور، والقناطر للنساء شهدت طفرة بأعداد السجينات خلال 7 سنوات، وتفاقما للتنكيل بالسجينات من التفتيش العاري، وحتى الضرب والسب.


"أرقام غائبة"
وفي ظل عدم الشفافية وغياب الإحصاءات الرسمية وما يجري بحق المعتقلين من عمليات تدوير؛ يتعذر معرفة العدد الحقيقي للمعتقلين والمعتقلات، اللاتي يخصص لهن 8 سجون مثل القناطر ودمنهور وبرج العرب.

وقدرت منظمة العفو الدولية في كانون الثاني/ يناير 2021، عدد المعتقلين في مصر بنحو 114 ألف سجين، فيما أكدت "الشبكة العربية لمعلومات حقوق الإنسان"، أن عدد السجناء والمحبوسين احتياطيا والمحتجزين حتى آذار/ مارس 2021، نحو 120 ألف سجين، بينهم نحو 65 ألف سياسي، لكن دون تحديد لأعداد النساء.

‌وفي حديث سابق لـ"عربي21"، أكد الحقوقي محمود جابر، في آذار/ مارس 2023، وجود أكثر من 200 معتقلة حتى ذلك التاريخ، موضحا أن 2800 مصرية تعرضن للاعتقال، حوكم 25 منهن بمحاكم عسكرية، وتعرضت 188 للإخفاء القسري، ووضعت 151 بقوائم الإرهاب ومصادرة الأموال، وقتلت السلطات الأمنية 120 امراة.

بدورها، أكدت الحقوقية هبة حسن، حينها، لـ"عربي21"، أنه "لا يوجد رقم دقيق نهائي للمعتقلات بالسجون المصرية"، موضحة أن "هناك نحو 300 معتقلة".

‌وفي آذار/ مارس 2021،  أحصت منظمة "نحن نسجل" الحقوقية، وجود 285 معتقلة، بينهن 86 أما، فيما تقدرهن "حملة حتى آخر سجين"، بأكثر من 200 سجينة سياسية.

‌وشهد آذار/ مارس 2023، آخر الأحكام القضائية القاسية بحق المصريات، بالسجن المؤبد على هاجر خالد، وسها سلامة، وإسراء كمال الدين، وبالسجن 10 سنوات على عائشة خيرت الشاطر، وسمية ناصف، وبالسجن 5 سنوات على الحقوقية هدى عبد المنعم.

"المصالح حاضرة"
وفي تعليقه، قال الحقوقي المصري محمد زارع، إن "الإفراج عن الأشخاص الذين ارتكبوا جرائم وهم من عائلات معروفة أو رجال أعمال؛ هم ممن يصبحون على مصر بفلوس، ولذا فإنه معروف لماذا يتم الإفراج عنهم، لأن هناك استفادة حاصلة والنظام لا يفعل شيئا مجانيا".

وأكد رئيس المنظمة العربية للإصلاح الجنائي، لـ"عربي21"، أن "الإفراج عن طلعت مصطفى، والسكري، ونخنوخ، ونجل الهواري، يأتي كونهم أبناء النظام، ولديهم أموال ويمكنهم مساندة النظام، أو مثل نخنوخ يشكلون عصابات تساعده بالانتخابات وغيرها".

وأضاف: "أما الفتيات والنساء اللاتي قُبض عليهن لأسباب سياسية فليس لهن ظهر من أحد يساندهن ويدعمهن"، مشيرا إلى أن "لجان العفو الرئاسي مجرد سكرتارية، لا تقوم بدور حقيقي، واللجنة والمجلس القومي لحقوق الإنسان يتلقون آلاف الأسماء ويرفعونها للجهات الأمنية التي تستبعد كل من حوله إشارة انتماء سياسي".

وخلص للقول إن "هذا الموضوع لا يديره فقط السيسي، الموضوع أعمق من هذا بكثير، حيث أن هناك أجهزة سيادية ومسؤولين أمنيين يديرون هذه التفصيلات"، متوقعا أنه "طالما أن الوضع في مصر يسير بهذا النحو فلا أمل".


"الفساد حاضر بقوة"
وألمح إلى أنه "لا بد أن تشم رائحة فساد في هذه القرارات"، مذكرا بما أثارته تقارير حقوقية عن عمليات رشى وصلت 10 آلاف دولار  يطلبها عاملون بمعبر رفح نظير مرور فلسطينيين منه للعلاج أو السفر.

وتساءل: "من الذي يضع تلك الأسماء على قوائم الإفراج؟"، مجيبا: "هي الأجهزة الأمنية"، مستعيرا جملة السياسي المصري الأسبق زكريا عزمي بقوله إن "الفساد في المحليات بمصر للركب"، مؤكدا أنه "أعلى الآن بكثير".

‌وأوضح أنه "لا توجد قاعدة قانونية للقياس عليها أو منظومة واضحة تقول بالإفراج عن هذا دون ذاك، سوى قرار الأجهزة الأمنية التي منحها رئيس الجمهورية الصلاحيات، وكأن كل الأسماء التي أفرج عنها لم ترتكب جرائم".

وفي نهاية حديثه طالب بـ"برنامج واضح للإفراج عن المسجونين بشكل عادل، ودون محاباة للأنصار وذوي الأموال"، مبينا أنه طالما ظل الوضع القائم "لن يتم الإفراج عن تلك النساء، ربما يحدث يوما ما تغيير، ولكن غير ذلك يظل الوضع قائما".

‌"دول وشخصيات وازنة"
وفي رؤيتها لأسباب غياب منظمات المرأة المصرية والعالمية عن أزمة المعتقلات المصريات، واللاتي يجري تصنيف أغلبهن كإسلاميات، وما يكشفه ذلك من حالة فصام لدى النسويات العرب والمصريات، تحدثت ناشطة مصرية مهتمة بهذا الملف.

‌وقالت لـ"عربي21"، مفضلة عدم ذكر اسمها: "حاولت توجيه هذا السؤال على مستوى تنفيذي، وليس على مستوى إعلامي، وذلك لتحقيق أي إنجاز على أرض الواقع. فتناقشت مع عدد من المسؤولين في جماعة الإخوان والمنظمات الحقوقية المصرية في الخارج وكذلك مع بعض المهتمين من الدول التي أبدت معارضة للانقلاب منذ العام 2013".

‌وتابعت: "كانت الفكرة باختصار أنه يتم حاليا طي صفحة الربيع العربي وإعادة تشكيل العلاقات في المنطقة بناء على خارطة مصالح جديدة، ومن ثم فربما يكون الوقت مناسبا لطرح ملف المعتقلات كملف إنساني وأخلاقي في إطار المفاوضات بين تلك الدول وبين النظام في مصر".

‌وأوضحت، "للأسف الشديد كانت الخلاصة أن الملف ليس أولوية ولا توجد فرصة لحله في الوقت الراهن، أو باختصار تلك الدول ليس لديها رفاهية تعطيل مصالحها من أجل ملف لم يحلحله أصحابه أنفسهم على مدار أكثر من 10 سنوات".

وبينت: "وهنا المقصود بأصحابه القوى السياسية والأحزاب التي تصدرت لمعارضة الانقلاب منذ بدايته وفي مقدمتها جماعة الإخوان المسلمين التي يحسب النظام غالبية المعتقلات عليها ويتهمهن بالانتماء لها سواء تنظيميا أو كأنصار للجماعة".

وأضافت: "ومن ثم فإن السؤال يتجاوز المنظمات النسوية ودورها ليمتد إلى تلك القوى والجماعات: هل هناك عمل مؤسسي ممنهج منذ 10 سنوات لحل ملف المعتقلين عامة والنساء منهم خاصة؟، هل اتحدت تلك القوى بانتماءاتها المختلفة من يساريين وإسلاميين وليبراليين من أجل العمل على هذا الملف؟".

واستطردت: "للأسف الواقع وتحليل البيانات المتعلقة بانتماءات من تم إطلاق سراحهن خلال الفترة الماضية تشير إلى غير ذلك. فغالبية من يتم التعاطف معهن دوليا حتى إطلاق سراحهن هن من الناشطات ذات الانتماءات اليسارية والليبرالية، في حين أن الإسلاميات وغير المنتميات لأي تيار لا بواكي لهن، حتى من جماعة الإخوان المسلمين المحسوبات عليها".

‌وأكدت أن "هذا لا يقلل من معاناة غير الإسلاميات ولا استنكارا لحقهن في الحرية، بل استنكار لتخاذل البعض وعنصرية وتمييز المنظمات الغربية في هذا الصدد".

‌وألمحت إلى أن "جريمة اعتقال النساء في مصر غير مسبوقة، سواء شابات بداية من سمية ماهر المخطوفة وهي عروس صغيرة وتتعرض للإخفاء القسري منذ سنوات، وحتى الجدة الحقوقية هدى عبد المنعم التي قضت مدة حبسها وتم تدويرها بقضية ثانية".

وخلصت للقول: "إذا فالجرح عميق، وما زال ينزف طوال 10 سنوات، وللأسف لا نجد يدا تمتد له وتطهره وتغلقه"، مبينة أنه "حتى الدول ذاتها لا تقدر على التدخل لأجل من يحملون جنسياتها وتصفي ملفاتهم إلا بمعاناة شديدة".

‌وأشارت إلى أن "الإفراج مثلا عن المعتقلة السابقة علا القرضاوي نجلة الفقيه الراحل الدكتور يوسف القرضاوي، لم يتم إلا بعد نحو عامين، رغم أن لديها جنسية قطرية، وبعد ممارسة تدمير نفسي كبير عليها وما زال زوجها معتقلا".

ولذا ترى أن "هذا الأمر أكبر من المؤسسات، إلا أنه على تلك المؤسسات أن تُحرك الدول والمنظمات الدولية ليدخل ملف المعتقلات ضمن الاتفاقات والتواؤمات لإعادة هيكلة العلاقات التي تجري الآن بالمنطقة"، مشددة على ضرورة أن "يكون هذا الملف أساسيا وتتبناه شخصيات عامة وازنة لها تقديرها ومكانتها الدولية".

وأعربت عن أسفها من أن "البعض يقول إن ملف المعتقلين والمعتقلات لم يعد أولوية، ولا أحد لديه استعداد للتضحية ودفع الثمن لأجله".

ولفتت إلى أنه "لا يوجد أي نشاط تجمعت عليه القوى السياسية الإسلامية وغير الإسلامية يخص المطالبة بالإفراج عن المعتقلات في مصر وخاصة من بالخارج ولا أعني هنا مجرد ندوة أو تقديم ورقة أو تقرير، بل أقصد عملا مؤسسيا منظما وممنهجا وممتدا لغلق ملف المعتقلين والمعتقلات".

وعبرت عن ألمها لعدم وجود "من يحمل صور المعتقلات مثلا، أمام مقر الأمم المتحدة ومنظمات المرأة، ويتفرغ ليل نهار لهذا الأمر".

وختمت بالقول: "الأكبر من هذا أنه حتى الآن لا يوجد رقم حقيقي للمعتقلات، وظللت مدة عامين بالبحث عن الحالات وملفاتها ولكنها غير متاحة بدقة وكلها تقديرات حقوقية فقط، وأرى أن العدد أكثر من 200 بكثير".

‌"للمجرمين فقط"
إفراج النظام عن سجناء جنائيين ورفضه إخلاء سيبل أكثر من 200 فتاة وامرأة يقبع بعضهن في محبسهن لأكثر من 10 سنوات، دفع بعض المصريين للتساؤل عن السبب، والمطالبة بإخلاء سبيل النساء المعتقلات وشمولهن بقوائم العفو الرئاسي.

وأكد البعض عبر مواقع التواصل الاجتماعي أن العفو الرئاسي للمجرمين والحرامية والقتلة فقط وليس للشرفاء والعلماء والمثقفين والبنات، موجهين انتقاداتهم للنظام وللمدافعات عن حقوق المرأة من الفيمنست لتجاهلهم المعتقلات المصريات.