ملفات وتقارير

ما الذي يمنع العرب من تسيير جسر جوي إنساني لإنهاء مجاعة غزة؟

هل تستجيب مصر للضغوط الشعبية وتفتح المعبر مع قطاع غزة دون إذن من الاحتلال؟ - جيتي
بعد مرور أكثر من 3 أشهر على الحرب العدوانية الإسرائيلية على قطاع غزة، لا يزال السكان يعانون من نقص أو انعدام الغذاء ‏والدواء، ما يهدد بحدوث مجاعة تقتل من بقي حيا بعد القصف، إلى جانب الدمار في البنية التحتية والصحية في القطاع.

وإضافة لخطر المجاعة الذي يهدد سكان القطاع نتيجة لنقص الغذاء، يتهددهم أيضا ‏مخاطر الإصابة بالأمراض والأوبئة نتيجة لتراكم النفايات ونقص الدواء بشكل كبير، ‏لدرجة وصلت لأن يجري الأطباء عمليات جراحية كبيرة دون تخدير، منها عمليات بتر ‏أطراف.‏

ومنذ بداية الحرب والشعوب العربية والنشطاء يطالبون دولهم بتقديم المساعدات ‏الإنسانية لسكان القطاع، إلى جانب مطالبات بفتح معبر رفح وتسيير جسر جوي إلى ‏العريش المصرية، لنقل هذه المساعدات عبر معبر رفح إلى سكان القطاع.‏



الإعلامي المصري أسامة جاويش قال في برنامجه "آخر كلام" المذاع على قناة مكملين، ‏إن "وقت المطالبات والمناشدات انتهى، ويجب الآن أن يكون هناك فعل، أنقذوا غزة ‏جوا وبرا وبحرا، تكلمنا سابقا عن عمل جسور لنقل المساعدات الإنسانية عبر البر ‏والبحر واليوم نتكلم عن الإنقاذ من الجو".‏



وتساءل جاويش حول إمكانية قيام الدول العربية بتسيير جسر جوي لنقل المساعدات ‏الإنسانية لقطاع غزة.‏

الكاتب البريطاني ديفيد هيرست؛ قال إنه "بإمكان مصر دعوة أعضاء ‏منظمة التعاون الإسلامي للانضمام إليها في إنزال المساعدات جوا، كما فعل الحلفاء في ‏عام 1948 حين كسروا الحصار الذي كان مفروضا على برلين".‏

وأكد هيرست في مقال له على موقع ميدل إيست آي، أن "وجود مثل هذا الجسر الجوي ‏الإنساني سيكون بمثابة تحد لنفاق الغرب ودموع التماسيح التي يذرفها على أهل غزة ‏إذ يتضورون جوعا".‏

وخلص هيرست بالقول: "بالطبع لن يحصل ذلك؛ لأن الدكتاتورية، كتلك التي يتربع ‏السيسي على عرشها، كل ما يهمها هو بقاؤها في السلطة، ولا شيء سوى ‏ذلك".‏

مجلة تايم قالت في تقرير لها، إن التدفق المعتاد للطعام والمياه وغير ذلك من ‏الأساسيات إلى القطاع توقف تماماً، منذ الحرب الإسرائيلية، وما يدخل الآن من مواد ‏قليلة بات نادراً وباهظ التكاليف، ما تسبب في تفشي سوء التغذية بين الناس، وخاصة ‏بين الأطفال منهم، ما جعل رئيس وكالة الغوث التابعة للأمم المتحدة يحذر من أن ‏المجاعة باتت قاب قوسين أو أدنى.‏

وفي خضم هذه الظروف البائسة، يتم اللجوء إلى إجراءات غير اعتيادية، كما فعلت ‏مؤخراً فرنسا والأردن، حيث لجأتا في الأسبوع الماضي إلى إنزال سبعة أطنان من مواد ‏المساعدات الطبية العاجلة للمستشفى الأردني الميداني جوا.

وأكدت المجلة في تقريرها أنه في ظل نجاح هذه العملية، فقد طالب بعض المراقبين ‏باستخدام نفس الأسلوب لإنزال المواد الغذائية جواً.



ويقول أحمد فؤاد الخطيب، المحلل ‏المختص بشؤون الشرق الأوسط، الذي يطالب باللجوء إلى الإنزال الجوي وسيلة لحل ‏أزمة الجوع في موطنه الأصلي غزة حيث ما زالت جل عائلته تقيم هناك، في حين أنه ‏يتخذ من الولايات المتحدة مقراً له: "سوف يتوجب على كثير من البلدان التي قد تلجأ ‏كبديل إلى إرسال الإغاثة عبر تلك العمليات الطويلة والعسيرة من أجل إيصال ‏المساعدات الغذائية أن تتساءل من الذي سوف يتلقى هذه المساعدات في غزة، ومن ‏الذي سيقوم بمهمة توزيعها".‏

الفكرة ممكنة.. وهذه فوائدها

على الرغم من ادعاء الاحتلال الإسرائيلي خلال جلسات الاستماع لدعوى جنوب ‏أفريقيا أمام محكمة العدل الدولية، بأن معبر رفح مُغلق بقرار مصري، إلا أنه كان قد ‏قصف المعبر سابقا لمنع دخول الشاحنات إلى قطاع غزة.‏

وحتى حينما أُقرت هدنة إنسانية لتبادل الأسرى وإدخال المساعدات لقطاع غزة، كان ‏يشترط الاحتلال الإسرائيلي تفتيش قوافل المساعدات بنفسه عبر معبر كرم أبو سالم، ما ‏يدفع للتساؤل ماذا لو قررت الدول العربية تسيير جسر جوي للعريش المصرية ثم نقل ‏المساعدات برا عبر معبر رفح، هل تستطيع إسرائيل منع ذلك عسكريا؟

الخبير العسكري والاستراتيجي، نضال أبو زيد، يؤكد أنه "من الناحية العسكرية لا يوجد ‏ما يمنع من إقامة جسر جوي، حيث في الأعراف العسكرية من الشروط الواجب توفرها ‏في إقامة جسر جوي هو الملاءمة والشمولية والتكيف والتأقلم".‏



وأوضح أبو زيد خلال حديثه لـ"عربي21"، أنه "بما أن الأجواء العربية متلائمة ‏ومتجانسة، وبالتالي يمكن من خلالها التأقلم والتكيف مع إقامة جسر جوي عربي يمتد ‏إلى قطاع غزة، أو على الأقل إلى حدوده في منطقة رفح المصرية، ومن ثم يتم نقلها برا ‏إلى داخل القطاع، وهذا أحد الخيارات المطروحة".‏

وتابع: "السيناريو الآخر، وهو أن يتم تأمين منطقة داخل قطاع غزة، قد يستفاد منها في ‏عملية إنزال المساعدات من خلال الجسر الجوي، وبالتالي المنطقة المرشحة هي منطقة ‏رفح، ولهذا عسكريا لا يوجد ما يعيق أو يؤخر إقامة جسر جوي عربي لنقل المساعدات ‏إلى قطاع غزة".‏

وأوضح أنه "لكون هذه المساعدات إنسانية ولوجستية وطبية، قد يتم الاستناد على هذا ‏السبب من أجل اكتساب الشرعية والدعم الدوليين لهذا الجسر الجوي، وبالتالي لا يكون ‏أمام الجانب الإسرائيلي أي فرصة لمعارضة إقامة مثل هذا الجسر الجوي، إذا ما أخذنا ‏بعين الاعتبار ضرورة إدخال الشرعية الدولية الأممية للأمم المتحدة".‏

وأضاف: "من ناحية أخرى ضرورة أخذ دعم بعض الدول الغربية من منطلق إنساني، ‏وبالتالي بعد أكثر من ثلاثة شهور من بدء العملية العسكرية أعتقد أنه من السهولة انتزاع مثل هذا ‏الدعم الدولي لإقامة جسر جوي عربي لتقديم المساعدات الإنسانية لغزة".‏

وأكد أبو زيد أن "الجسر الجوي سواء تم تنفيذه أم لم يتم تنفيذه، قد يُشكل إحراجا كبيرا ‏للجانب الإسرائيلي خاصة إذا ما وافق الغرب عليه، بأن الدول العربية كسرت الطوق ‏المقام على غزة منذ 17 سنة بالإضافة إلى أنها قدمت مساعدات إنسانية".‏

وتابع: "وفي حال عدم موافقة الدول الغربية فهذا سيشكل إحراجا لها أمام الشارع ‏الغربي، بأنها ساهمت في زيادة معاناة الغزيين، وبالتالي على كلتا الحالتين هذا الطرح ‏قد يُشكل إحراجا للمجتمع الغربي".‏

وأوضح أنه "بما يتعلق بالجانب الإسرائيلي فإنه بدأ مؤخرا من خلال الخطاب الإعلامي ‏بإظهار الوجه الحقيقي للكيان الصهيوني على أنه دولة مارقة، وبالتالي الجانب ‏الإسرائيلي من الطبيعي أن لا يوافق على مثل هذا الجسر الجوي، لكن عملية طرح مثل ‏هذا الخيار تشكل إحراجا كبيرا له، سواء وافق أو لم يوافق عليها".‏

ويرى أن "فكرة الجسر الجوي سواء نُفذت أم لا، تضع خيارات الجانب الإسرائيلي في ‏موقف ضيق، وبالتالي تحرجه أكثر إذا ما أخذنا بعين الاعتبار أن إسرائيل يُنظر إليها ‏أمام محكمة العدل الدولية بأنها انتهكت حقوق الإنسان وارتكبت جرائم ضد الإنسانية".‏



وتابع: "بالتالي هذا الخيار سيشكل عامل ضغط إضافيا على الجانب الإسرائيلي إضافة ‏لعوامل الضغط الأخرى الموجودة حاليا، سواء من ناحية الخسائر البشرية في ميدان ‏المعركة، والتشابكات السياسية داخل الحكومة الإسرائيلية إضافة لكشف الوجه الحقيقي ‏المزيف للكيان الصهيوني أمام المجتمع الغربي والشارع العربي".‏

إسرائيل لن تقصف المعبر إذا تحركت مصر

الكاتب الصحفي المصري سليم عزوز أكد لـ"عربي21"، أنه "لو كان هناك رغبة في ‏إحراج إسرائيل والغرب، لأمكن فتح معبر رفح بعد الإعلان الإسرائيلي أمام محكمة ‏العدل الدولية أن مصر - وليست إسرائيل - هي من ترفض دخول المساعدات لغزة".‏

وأضاف أنه "كان ينبغي أن يتم فتح المعبر في هذه اللحظة، فإن جرى عدوان إسرائيلي ‏على المساعدات، يبطل دفاعها، وإن استشعرت الحرج لذلك، أثبت العرب أنهم أصحاب ‏إرادة، بيد أن الإرادة غير متوفرة، وبالتالي فإن فكرة الجسر الجوي العربي هي فكرة ‏أسطورية".‏

وحول المخاوف من رد فعل إسرائيلي عسكري ردا على تسيير هذا الجسر قال عزوز: ‏‏"لو قرروا جميعا فستكون إسرائيل أمام موقف شبيه بموقف الرئيس محمد مرسي عندما ‏قال لن نترك غزة وحدها، ولن نغلق المعبر، وقام رئيس حكومته هشام قنديل بزيارة ‏غزة ولم تقصف إسرائيل المعبر ولم تقصف موكبه".‏

تقاعس غير مُبرر

الكاتب والمحلل السياسي حسام شاكر يعتقد أن "الأولوية الآن هي إدخال القوافل ‏المكتظة والموجودة في رفح والعريش من الجانب المصري، بمعنى أن التحدي ليس في ‏إرسال المزيد من المساعدات وإنما بإدخال التي أرسلت منذ أسابيع وما زالت تنتظر ‏السماح بدخولها، والتي أصلا قد يتلف بعضها خلال الانتظار".‏

وأكد شاكر خلال حديثه لـ"عربي21"، أن "العالمين العربي والإسلامي يستطيعان أن ‏يقوما بأكثر من ذلك، وخيار الجسر الجوي لا شك بأنه سيحمل رسالة مهمة بشرط أن ‏لا يكون بتنسيق مع الاحتلال الإسرائيلي، وأن يكون ضمن آلية تفرض على الاحتلال أن ‏تدخل المساعدات دون أي قيد أو شرط أو أعمال عبث وتفتيش وغيرها".‏

وقال إنه "على الرغم من التقاعس العربي الرسمي بتنفيذ قرارات القمة المتعلقة بفك ‏الحصار على غزة، فعلى الأقل ينبغي إدخال المساعدات ووفود إنسانية تمثل العالمين ‏العربي والإسلامي إلى قطاع غزة، وذلك لوضع الاحتلال أمام أمر واقع معين، وإدخال ‏هذه الوفود من الناحية اللوجستية ممكن، كذلك ممكن من خلال السيطرة المصرية على ‏معبر رفح، وهو معبر مصري فلسطيني".‏

ويعتقد شاكر أن "دخول وفود عربية وإسلامية قد يتسبب في وقف الحرب على قطاع ‏غزة فورا، وذلك من خلال وضع الاحتلال أمام أمر واقع جديد، أيضا من خلال حشد ‏العالم في هذه الخطوة، وفي تقديري قيام الدول العربية بهذه الخطوة سيحفز دولا ‏إسلامية ودولا أخرى من أفريقيا وآسيا والتي لن تتأخر باللحاق بالركب، خاصة أن ‏هناك دولا في أمريكا اللاتينية كانت سباقة في قطع العلاقات مع الاحتلال".‏

فقدان الإرادة

وحول أسباب عدم قيام الدول العربية برفع الحصار عن غزة، قال الكاتب عزوز: "لا توجد أي إمكانية لإقامة مثل هذا الجسر الجوي، بسبب عدم وجود ‏الإرادة، فلو وُجدت الإرادة العربية لما احتاج الأمر إلى جسر جوي، ولأمكن أن تتضامن ‏الدول العربية في التكاتف لإرسال هذا الجسر برا بدلاً من الوضع المهين الآن، خاصة ‏وأن الكثير من شاحنات المساعدات مرابطة أمام معبر رفح المصري".‏

من جهته، أشار الخبير أبو زيد إلى "تضارب الرؤية بين الدول العربية حول ما ‏يجري في غزة، إضافة إلى اختلاف المصالح العربية حول أحقية المقاومة في شن ‏عملية عسكرية، الأمر الآخر والمهم التضييق الإسرائيلي على وصول المساعدات إلى ‏الغزيين".‏

ويتفق شاكر مع عزوز بأن المشكلة هي غياب الإرادة، ويقول إنه "إذا ما توفرت ‏الإرادة السياسية يمكن كسر الحصار على غزة فورا بأي طريقة من الطرق، أيضا يمكن ‏القيام بخطوات من شأنها أن توقف الحرب فورا، كما أنه يمكن إرسال رسالة مفادها ‏بأن غزة ليست وحدها وأنه لن يُسمح باستمرار الحرب الوحشية على قطاع غزة".‏

هيئات أهلية

بدوره قال الدبلوماسي المصري السابق وأستاذ القانون الدولي والعلوم السياسية في ‏الجامعات المصرية عبد الله الأشعل، إنه "يمكن أن تشكل هيئة أهلية عربية للقيام من ‏أجل الضغط على الأنظمة العربية واختبارها، لكن من الناحية الرسمية مستحيل حدوث ‏ذلك"، دون ضغط شعبي.‏

وأضاف: "الذي يمنع الدول العربية من إقامة جسر جوي إنساني لغزة هو إسرائيل ‏وأمريكا".‏

وتابع الأشعل خلال حديثه لـ"عربي21": "الدول العربية لا تملك من أمرها شيئا، ولكن ‏إذا تحرر حكام العرب من هيمنة أمريكا وإسرائيل سيفعلون المستحيل، لكن لا تتوفر ‏إرادة سياسية ولا قرار سياسي عربي مستقل".‏

ويرى الأشعل أن "الدول العربية والإسلامية هم أصفار فيما يتعلق بقضية غزة"، ‏مضيفا: "أيضا الحكام العرب يعادون المقاومة، لأن هناك وحدة مصير بينهم وإسرائيل، ‏ولهذا الكراسي لها حسابات، ومصالح الأوطان لها حسابات أخرى، وهي التي يتم ‏التضحية بها".‏