ملفات وتقارير

"حماس" تدعو شيخ الأزهر لقيادة علماء الأمة وفك الحصار.. ماذا يمكنه أن يفعل؟

مواقف الشيخ الطيب الداعمة للمقاومة جعلته عرضة للانتقادات الإسرائيلية- جيتي

طالب دعاة وحقوقيون شيخ الأزهر، الدكتور أحمد الطيب، بالاستجابة لدعوة حركة المقاومة الإسلامية "حماس"، لقيادة علماء الأمة الإسلامية والتحرك لفك حصار دولة الاحتلال الإسرائيلي المفروض على قطاع غزة، الذي يواجه على مدار شهرين، حرب إبادة دموية من الآلة العسكرية للاحتلال بمساعدة أمريكية وأوروبية.

 وخلال مؤتمر صحفي للقيادي بـ"حماس" أسامة حمدان، حول تطورات العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة، الثلاثاء، قال: "ندعو إمام الأزهر، لقيادة تحرك من العلماء على صعيد الأمة لكسر الحصار على غزة، وإدخال مواد الإغاثة عبر معبر رفح البري، رغم أنف الاحتلال دون قيد أو شرط".

 حمدان، الذي تقود حركته إلى جانب حركات المقاومة الأخرى في فلسطين مواجهات دامية ضمن عملية "طوفان الأقصى" ضد الاحتلال الإسرائيلي منذ 7 تشرين الأول/ أكتوبر الماضي، أضاف: "ندعو علماء الأمة لتبني هذه الفكرة والعمل لجعلها أمرا واقعا".

 وأشاد حمدان، "بدور مؤسسة الأزهر الشريف من الحرب العدوانية على قطاع غزة، وإعلان شيخ الأزهر عن توفير منح دراسية كاملة لطلاب فلسطين الدارسين بجامعة الأزهر ومعاهد البعوث الإسلامية".



وتأتي دعوة حماس في ظل ما قامت به آلة الاحتلال الإسرائيلي من عمليات قصف على قطاع غزة، خلّفت حتى مساء الثلاثاء، 16 ألفا و248 شهيدا، بينهم 7112 طفلا و4885 امرأة، بالإضافة إلى 43 ألفا و616 جريحا، فضلا عن دمار هائل وتشريد مئات الآلاف من الفلسطينيين.

وردا على "اعتداءات الاحتلال الإسرائيلي اليومية بحق الشعب الفلسطيني ومقدساته"، شنت "حماس" في 7 تشرين الأول/ أكتوبر الماضي، هجوما استهدف مستوطنات وقواعد عسكرية بمحيط غزة، فقتلت نحو 1200 إسرائيلي وأصابت حوالي 5431 وأسرت قرابة 239.

"مواقف الطيب"


يأتي نداء حماس لشيخ الأزهر، بعد يوم من توجيه الدكتور الطيب، رسالته إلى العالم لوقف الحرب على قطاع غزة، في نهاية كلمته إلى أعمال مؤتمر "كوب 28"، الذي تستضيفه الإمارات من 30 تشرين الثاني/ نوفمبر الماضي إلى 12 كانون الأول/ ديسمبر الجاري.


وقال الطيب، "إنَّها صرخة إنسان مذهول من هول آلة القتل الإرهابية الجهنميَّة التي يُعملها قُساة القلوب في صفوف المواطنين الآمنين من النِّساء والرجال والأطفال والرُّضع والخُدَّج، ومن مظاهر العنف والتخريب والدَّمار التي تشهدها أرض فلسطين السليبة".



وفي 11 تشرين الأول/ أكتوبر الماضي، وبعد أيام من طوفان الأقصى، أعلن الأزهر الشريف دعم المقاومة الفلسطينية، وأشاد بها، وقدم لها تحيته على صمودها، وطالب العالم الإسلامي بالوقوف معها بمواجهة الالتفاف الغربي لدعم الكيان.

وفي بيان أثار ردود فعل طيبة في العالمين العربي والإسلامي، قال الأزهر إن "التاريخ لن يرحم المتقاعسين المتخاذلينَ عن نصرة الشعب الفلسطيني"، ما زاد الآمال لدى الكثيرين حول استعادة الأزهر كمؤسسة دينية لها احترامها بين العالم الإسلامي لدورها وتأثيرها.

الأزهر المرجعية الدينية السنية التاريخية وذات التأثير والقبول العالمي، أكد في البيان نفسه، على أنه "حان الوقت لكل أحرار العالم أن يتحدوا لإنهاء أسوأ وأطول احتلال عرفه التاريخ الحديث وقيام الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس".

ذلك الموقف من الأزهر، توجه غلاف لمجلة "صوت الأزهر"، الذي أغضب السلطات المصرية واعتبرته محرجا لها، حيث خرج بـ"مانشيت" جاء فيه بأن "الاحتلال أصل كل الشرور"، باللغات العربية والإنجليزية والعبرية، مع سؤال: "إسأل ضميرك"، طارحا 10 أسئلة كاشفة عن جرائم الاحتلال على صفحة المجلة الأولى.

والسبت الماضي، وجّه شيخ الأزهر بإعفاء طلاب فلسطين البالغين 444 طالبا وطالبة، و75 آخرين، من المصروفات الدراسية وبسرعة توفير منح دراسية كاملة لهم، واستضافتهم بمدينة البعوث الإسلامية، مع صرف مبلغ مالي شهريا لهم.

مواقف الشيخ الطيب الداعمة للمقاومة جعلته عرضة للانتقادات الإسرائيلية، ودفعت معهد دراسات وأبحاث الأمن القومي الإسرائيلي "INSS" للهجوم بشدة على شيخ الأزهر واتهامه بأنه يقف بجانب "الحركات المتشددة".

"دعوات مماثلة"

وهي ذات المواقف التي حدت بسياسيين وإعلاميين مصريين معارضين للنظام المصري لتوجيه نداءاتهم إلى الشيخ الطيب، في 5 تشرين الثاني/ نوفمبر الماضي، مطالبينه بإعلان الزحف بنفسه نحو قطاع غزة، في خطوة يتبعه فيها ملايين المسلمين من مصر وباقي بلدان العالم الإسلامي.

وقال له الإعلامي معتز مطر: "يا أيها الإمام الأكبر وفيت وكفيت في الكلمات، والآن وقت الزحف". مضيفا: "يا شيخ الأزهر إن زحفا تقوده أنت وليس سواك نحو حدودنا مع غزة سيهز الأرض هزا، زحفا سيتبعك فيه الآلاف ثم الملايين، زحفا سيتحرك له إخواننا في إندونيسيا وباكستان وماليزيا قبل مصر والسعودية والأردن".

وقال له السياسي والإعلامي أحمد عبد العزيز: "يا فضيلة الإمام، أنت وحدك القادر على قلب الطاولة، وتغيير المعادلة، في مصر والمحيط العربي"، مطالبا إياه بـ"الإعلان عن مسيرة تتقدمها إلى معبر رفح، ولن يسمحوا لك بعبور القناة، اعتصم ومئات الآلاف التي ستتبعك على شاطئ القناة، وستكونون محط أنظار العالم، والقنوات الإعلامية كافة".

ودعا الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين، الثلاثاء، شيخ الأزهر، للذهاب معا إلى معبر رفح والمشاركة في قافلة إغاثة لسكان قطاع غزة المحاصرين، مشيدا بدور الشيخ الطيب، في الأزمة.

وقال في بيانه إن: "الإدانة وحدها لا تكفي في ظل تحكم مصر في معبر رفح، حيث يمكن لفضيلة شيخ الأزهر أن يكون لديه دور أكبر في التأثير على الأوضاع، بما له من فضل، ومكانة لدى رئيس مصر".

فما مدى إمكانية أن يستجيب شيخ الأزهر لتلك الدعوات؟


وهنا قال عضو هيئة كبار العلماء بالأزهر الشريف ومفتي الديار المصرية الأسبق الدكتور نصر فريد واصل، في حديثه لـ"عربي21"، إن "الأزهر وشيخه وعلماءه وطلابه مع فلسطين المحتلة حتى تتحرر، وهو الأمر الواضح في كل مواقف الأزهر".

وردا على السؤال: هل هناك ما يمكن أن تقدمه مؤسسة الأزهر أكثر من هذا الدعم؟ أضاف أن "الأزهر  يقدم كل ما في وسعه، ويدعو أحرار العالم لنصرة الحق والعدل والأمن والسلام، ويطالب بالأخذ بيد من حديد على يد المغتصبين المفسدين".

وتابع: "ومن منبركم ومن كل منابر العالم الحرة نواصل دعوة الأزهر لكل أهل الحق ودعاة السلام أن يقفوا معنا لمنع هذا الظلم"، مطالبا "المسلمين في كل بقاع العالم أن يكونوا على قلب رجل واحد ولا يتنازعوا وأن يعتصموا بحبل الله جميعا ولا يتفرقوا، وفقا للأمر الرباني".

مفتي مصر الأسبق، أعرب عن أسفه الشديد من أن "المسلمين ليسوا على قدر الاستعداد والإعداد الذي أمرنا الله به"، مضيفا: "بل إننا كمسلمين خذلنا أنفسنا وقضيتنا، ولم نكن على قدر الأمر الذي دعانا الله تعالى إليه".

أما بخصوص إمكانية أن يتبنى الأزهر بجانب الفاتيكان، لما للمؤسستين الدينيتين الأكبر في العالم من علاقات طيبة، دعوة يقودها الشيخ الطيب والبابا فرانسيس، لوقف الحرب الدموية على غزة، قال الشيخ واصل، إن "البيانات التي صدرت عن الأزهر كانت تحمل نفس المعنى".

وأكد أن "الأزهر والفاتيكان كلاهما يدعو للسلام، ولكن المشكلة في تنفيذ تلك الدعوات بمقابل الغطرسة الإسرائيلية والدعم الأمريكي اللانهائي بالسلاح والطائرات والسفن والمال، فأمريكا تقف كشريك في جرائم العدو بحق الفلسطينيين العزل".
 
ولفت إلى "أهمية دور المنظمات الدولية في تنفيذ تلك الدعوات، مثل الأمم المتحدة ومجلس الأمن الدولي، ومن قبلهما الشعوب الحرة التي تخرج للتظاهر وتسعى للضغط على حكوماتها للضغط على العدو لوقف عدوانه".

ويرى واصل، أنه "وقبل كل شيء علينا كمسلمين أن نقف مع أنفسنا وقفة ونراجع سياساتنا العالمية والاقتصادية للوقوف ضد كل من يقف بجانب الاحتلال ويدعم عدوانه".

وحول نداء حماس لشيخ الأزهر ودعوتهم له بأن يقود مسيرة من علماء الأمة لفك الحصار عن غزة، أكد عضو هيئة كبار العلماء، أن "شيخ الأزهر  يدعو لفك الحصار وكل علماء الأمة مع هذه الدعوة".

واستدرك بقوله: "ولكن المشكلة ليست لدى شيخ الأزهر ولا علماء الأمة الذين لن يؤلوا جهدا ينفعون به المقاومة، ولكن المشكلة في تعنت العدو وقبول العالم بجرائمه وصمته عليها".

"لن يسمحوا له"

وفي المقابل، توقع عدد من المتحدثين لـ"عربي21"، عدم قدرة شيخ الأزهر على قبول دعوة حماس، مؤكدين أن رئيس النظام المصري عبد الفتاح السيسي، صاحب المواقف المثيرة مع شيخ الأزهر والمتشددة مع المقاومة الفلسطينية، لن يسمح له بقيادة هكذا مسيرة من علماء الأمة لفك الحصار عن غزة.

وقال القيادي في جماعة الإخوان المسلمين، أشرف عبد الغفار، لـ"عربي21"، إن "كل مسلم يتمنى أن يستجيب شيخ الأزهر لنداء زيارة غزة، كونه أحد أكبر أئمة المسلمين، إن لم يكن في نظر العالم الإسلامي أكبرهم".

الطبيب والحقوقي صاحب الباع الكبير في مجال الإغاثة الإنسانية بالبوسنة والعراق والسودان والصومال وغيرها، يرى أن زيارة الشيخ الطيب لغزة، "ستمثل كثيرا للعالم والمجتمع الدولي وسيكون لها أبعد الأثر بوقف العدوان أو إنهائه، وقد يضطر قادة أديان أخرى لحذو حذوه حتى لا يفضحهم الموقف".
 
وأكد عبد الغفار، أن "الإنسانية قيمة في كل دين والرحمة كذلك، ولكن للأسف استقلال الأزهر غير موجود، وهو من أوجب الواجبات، فلا يصح أن يرتبط موقف إمام عالم بموقف دولة بعينها".
 
وأشار إلى أن "السيسي، أحرص الناس على إنهاء حماس، وذلك باعترافه، وهو يمثل نصف إله الحرب، وإسرائيل تقصف، وهو يغلق المعبر، ويمنع المساعدات، ويمنع خروج أو دخول الأفراد من وإلى غزة، وهذا يمثل سلاحا لا يقل عن الطيران والقنابل التي تسقط كل يوم".

ولا يظن عبد الغفار، أن النظام في مصر "يسمح لشيخ الأزهر بالقيام بهذه المهمة المقدسة بهذه اللحظة، بينما غزة وفلسطين تنزفان"، مؤكدا أن "الأمة بحاجة لموقف شجاع يختلف عن المواقف الضعيفة التي يبديها حكام المسلمين".

 وقال إن "أولى الناس بذلك هو شيخ الأزهر"، ملمحا إلى أن "هذه الدعوة الثانية لشيخ الأزهر، فقد دعاه الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين وطالبه بتشكيل وفد برئاسته لزيارة غزة".

وفي نهاية حديثه أعرب عن أمنيته أن "يتجاوز الشيخ الصعاب ويستجيب، بموقف سيكتب له عند الله عملا عظيما، ويذكره المسلمون بالخير، ويستعيد الأزهر مكانته الحقيقية".

"طلب غير عملي"


من جانبه، يرى السياسي المصري والبرلماني السابق محيي عيسى، أن "شيخ الأزهر موقفه جيد حتى الآن، يفعل قدر المستطاع، وهو لا يمتلك سلطة وليس بيده أكثر من ذلك".

وفي حديثه لـ"عربي21"، قال عيسى، إن "كلام أسامة حمدان، غير عملي"، وتساءل: "كيف بشيخ الأزهر أن يقوم بفك الحصار وهو أمر عجزت عنه دول وحكومات؟"، مضيفا: "ومن سيسمح للعلماء بالوصول إلى رفح فضلا عن دخول غزة؟".

وأكد أن "مصيبتنا في حكام خونة؛ هم من يُحكمون الحصار على غزة"، مشيرا إلى أنه "كان يمكن لحكومة مصر أن تكون ظهيرا لغزة، لو تركت حركة حماس، تطور أنفاقا بين غزة وسيناء".

وختم بالقول: "كان يمكن أن تغض حكومة القاهرة الطرف عن دخول التموينات والأسلحة إلى غزة، دون أن يعلم أحد، ووقتها كان يمكن أن تتلقى المقاومة دعما ماديا من دولة مثل قطر".

"مطالبات أخرى"

وعبر مواقع التواصل الاجتماعي انهالت الدعوات لشيخ الأزهر للتحرك العملي لفك الحصار عن غزة.

وعبر الإعلامي المصري، قطب العربي، عن عرفانه وتقديره لدور الأزهر، واصفا إياه بأنه "أكثر تقدما من الموقف الرسمي المصري"، ولكنه قال إنه "لا يعني الرضا التام به".

وأضاف: "العتب على قدر المحبة، والطلب على قدر الممكن وهو كثير بالنسبة للأزهر، والمسلمون سواء في مصر أو خارجها يعوّلون كثيرا على الأزهر الذي ينظر إليه العالم كله بأنه صوت المسلمين العابر للحدود".