قضايا وآراء

البحث المستحيل عن حلول كيسنجرية لصدمة السابع من أكتوبر

هل يستطيع الدعم الأمريكي إنهاء المأزق الإسرائيلي- البحرية الأمريكية
نقلت هيئة البث الإسرائيلية الرسمية (كان) الخميس، عن مسؤولين إسرائيليين لم تسمّهم، إبلاغهم مبعوث البيت الأبيض للشرق الأوسط بريت ماكغورك موافقة الكيان المحتل على فكرة نشر قوات دولية في قطاع غزة بعد انتهاء العدوان على غزة.

القرار الإسرائيلي كشف حجم الإحباط والتراجع في الأهداف الإسرائيلية للحرب على قطاع غزة؛ ولكنه في الآن ذاته كشف مضمون الحراك السياسي والدبلوماسي الأمريكي الذي لم ينقطع تجاه المنطقة العربية طوال الأسابيع الستة الماضية؛ فالمبعوث الرئاسي ماكغورك سبقه إلى المنطقة مدير وكالة المخابرات الأمريكية وليام بيرنز؛ الذي دعا لتولي الدول العربية مسؤولية إدارة قطاع غزة إلى جانب السلطة الفلسطينية، ومن قبله أنتوني بلينكن؛ وزير الخارجية المتطرف الذي دعا إلى تهجير الفلسطينيين من القطاع، والرئيس الأمريكي جو بايدن الذي لا يكاد يتوقف عن الإشارة لضرورة نقل المسؤولية في القطاع لطرف ثالث يحظى برضى ودعم أمريكيين.

القرار الإسرائيلي كشف حجم الإحباط والتراجع في الأهداف الإسرائيلية للحرب على قطاع غزة؛ ولكنه في الآن ذاته كشف مضمون الحراك السياسي والدبلوماسي الأمريكي الذي لم ينقطع تجاه المنطقة العربية طوال الأسابيع الستة الماضية

الرغبة الأمريكية والإسرائيلية جامحة للتخلص من حالة الفشل والعجز للماكينة العسكرية الإسرائيلية والأمريكية في قطاع غزة، ما يذكر بعبارة الفاشي أرئيل شارون الذي تمنّى أن يبتلع البحر قطاع غزة..

إنها ماكينة لم تتوقف أمريكا عن دعمها عبر جسر جوي لم يتوقف منذ أكثر من 41 يوما؛ مسنودة بقوات برية على الأرض؛ ومسيّرات أمريكية في أجواء غزة؛ وحاملات طائرات وغواصات نووية في مياه المتوسط والخليج العربي بإشراف من جنرالات أمريكا في غرفة الحرب الإسرائيلية.

فشل الماكينة العسكرية الأمريكية الإسرائيلية في حسم المعركة مع المقاومة بالمعايير التقليدية يرجع إلى غياب المعلومات الاستخبارية في مقابل قوة الحاضنة الاجتماعية للمقاومة وتماسكها؛ إذ فشلت الماكينة العسكرية المتقدمة في ملء الفجوة الاستخبارية كما فشلت في تجريف الحاضنة الشعبية وتهجيرها وفصلها عن المقاومة، وهي محاولات تحولت إلى مأساة إنسانية تدين الولايات المتحدة والدول الأوروبية الداعمة للاحتلال وتعطب دبلوماسيتها من ناحية؛ ومن ناحية أخرى تعكس حالة الصمود والتحدي لدى الفلسطينيين بعد عجز الاحتلال عن كسر إرادتهم بانتزاع معلومات استخبارية تفيده في ملاحقة أبنائهم المقاومين، لردم الفجوة الاستخبارية والمعلوماتية التي لا زالت تكبر رغم النشاط البري والجوي لقوات الاحتلال وداعميه.

فشل الاحتلال في جمع المعلومات عن المقاومة من الجو والأرض أو من الحاضنة الاجتماعية يتوقع أن تقود إلى رفع معدل الخسائر في صفوفه إن طال مكوثه على الأرض في القطاع؛ إذ لا تنسيق أمنيا ولا سلطة في قطاع غزة توفر الغطاء والعمق للعمل العسكري الإسرائيلي والأمريكي، وهو أمر لم يعتده قادة الاحتلال وأمريكا منذ زمن طويل.

اللجوء إلى الحلول السياسية والهدن تحول إلى ضرورة وخيار أمريكي تحاول من خلاله ملء الفجوة عبر مزاحمة المقاومة على الأرض، بقوات أجنبية أممية أو بقرار أممي يجرّم المقاومة ويدعو إلى نزع سلاحها، موفرا للدول العربية والأجنبية قرارا أمميا جديدا تحت عنوان الشرعية الدولية لتلوح به في وجه المقاومة الفلسطينية، كما فعلت في لبنان من قبل وكما فعلت الرباعية من قبل لمنع المقاومة وعلى رأسها حركة حماس والجهاد من الحصول على عضوية منظمة التحرير؛ وهو تكتيك واستراتجية باليان فضلا عن كونهما مكشوفين ومفضوحين.

البحث الأمريكي عن حلول "كيسنجرية" تذكر بحرب رمضان/ أكتوبر عام 1973؛ للخروج من مستنقع ومأزق سياسي وإقليمي لا يكاد ينتهي حتى يتجدد تحت عناوين مختلفة؛ كان آخرها إشارة رئيس دولة الكيان يتسحاق هرتسوغ إلى التفاوض مع قبرص لفتح معبر بحري ذي طبيعة إنسانية لإيصال المساعدات إلى قطاع غزة؛ وهو معبر ينسجم مع ما طرحه مندوب دولة الاحتلال السابق في الأمم المتحدة داني دانون، إلى جانب رام باراك، عضو الكنيست المعارض عن حزب "ييش عتيد"، لتهجير الفلسطينيين برا وبحرا إلى دول العالم، وذلك من منبر صحيفة "وول ستريت جورنال" الأمريكية.

فالبعد الإنساني لرئيس دولة الاحتلال هرتسوغ يخفي جريمة حرب وتطهير عرقي لم يخجل قادة الاحتلال من مناقشتها علنا، ومن بينهم وزير المالية بتسلئيل سموتريتش، لتقابله مؤسسات تركية مدنية بالدعوة لتجديد حملة "مافي مرمرة" لكسر الحصار على قطاع غزة بشكل يعيق تنفيذ الاستراتيجية الجديدة ويفتح بوابة حقيقية لكسر الحصار بدل تهجير الفلسطينيين.

لم يبق أمام الولايات المتحدة سوى طرح إرسال قوات الناتو إلى قطاع غزة وبالتعاون مع ألمانيا، التابع المطيع لواشنطن، الأمر الذي لن يجد قبولا عند تركيا وعدد من الدول من بينها إسبانيا على الأرجح، ما يعني أن الأفق ضيق ويضيق يوما بعد الآخر؛ إذ لا مستقبل لمحاصرة المقاومة وفصلها عن حاضنتها الاجتماعية التي اتسعت لتشمل العالمين العربي والإسلامي وأنحاء واسعة من العالم، بفعل التعاطف والاحتجاجات التي لا تخلو منها دولة في العالم على العدوان الإسرائيلي.

الهدنة المؤقتة تتحول يوما بعد الآخر إلى المَخرج الوحيد أمام أمريكا وإسرائيل للخروج من مستنقع الحرب والاستنزاف السياسي والعسكري، فهي الوسيلة الوحيدة لتجرع الفشل ببطء وصولا إلى الاعتراف به، وإلا فإن دبلوماسية أمريكا في البحث عن مخرج كسنجري تقليدي لحالة مستجدة بأدوات قديمة بالية ستقود واشنطن حتما إلى هاوية ونفق لا مخرج منه

يتفاعل التحرك العسكري والدبلوماسي الأمريكي مع بيئة دولية يسودها التنافس مع روسيا والصين، رافعة بذلك الكُلف الناجمة عن المساومات المرتبطة بالحرب في قطاع غزة دوليا وإقليميا؛ إلى تفاعله مع بيئة إقليمية تعاني من فجاجة الطرح الأمريكي للدول الشريكة والصديقة في المنطقة سواء دول الجوار العربي كالأردن ومصر أو الخليجية كالسعودية والإمارات. فالحملة العسكرية والجهود الدبلوماسية الأمريكية وصلت إلى طريق مسدود؛ بصمود المقاومة والحاضنة الاجتماعية، وبرفض دولي وعربي لتهجير الفلسطينيين وإحلال قوات أجنبية وعربية على الأرض.

الاستراتيجية الأمريكية للقضاء على المقاومة تعاني من نفاد الوقت واستنفادها الحلول السياسية والحِيَل الدبلوماسية؛ فردود الفعل المتطرفة للإدارة الأمريكية عكست حالة الصدمة الناجمة عن العملية المباغتة في السابع من تشرين الأول/ أكتوبر؛ صدمة لا زالت تلقي بظلالها على الاستراتيجية الأمريكية التي تحولت إلى رد فعل غير مدروس وارتجالي بدون أفق سياسي؛ لاعتمادها حلولا تقليدية ردا على فعل مباغت وغير تقليدي من المقاومة الفلسطينية في قطاع غزة.

ختاما.. الهدنة المؤقتة تتحول يوما بعد الآخر إلى المَخرج الوحيد أمام أمريكا وإسرائيل للخروج من مستنقع الحرب والاستنزاف السياسي والعسكري، فهي الوسيلة الوحيدة لتجرع الفشل ببطء وصولا إلى الاعتراف به، وإلا فإن دبلوماسية أمريكا في البحث عن مخرج كسنجري تقليدي لحالة مستجدة بأدوات قديمة بالية ستقود واشنطن حتما إلى هاوية ونفق لا مخرج منه.

twitter.com/hma36