سياسة عربية

عمرها 52 عاما.. خطة سرية لترحيل الفلسطينيين من غزة إلى العريش (وثائق بريطانية)

تهجير الفلسطينيين- "الأرشيف الفلسطيني"
كشفت الأيام الأخيرة خلال العدوان الإسرائيلي على غزة المستور من ما تخطط له سلطة الاحتلال الإسرائيلي من خفايا عدوانها الوحشي على قطاع غزة المحاصر، بعد أن طرحت عملية تهجير الفلسطينيين من أرضهم بحجة محاربة حركة حماس التي وجهت ضربة موجعة للكيان الإسرائيلي في السابع من شهر تشرين الأول/ أكتوبر الجاري، ولم تلق تلك الخطة أي موافقة عربية حتى الآن.

فما هي خفايا ما تسعى له دولة الاحتلال من محاولة تهجير الشعب الفلسطيني؟

 تجيب وثائق بريطانية كشف عنها موقع بي بي سي عربي عن خطة سرية وضعت قبل 52 عاما تهدف إلى ترحيل الآلاف من فلسطينيي غزة إلى شمال سيناء.. فما هي هذه الخطة وما تفاصيلها؟

بعد احتلال الجيش الإسرائيلي غزة، إلى جانب الضفة الغربية والقدس الشرقية ومرتفعات الجولان السورية، إثر حرب حزيران عام 1967، فقد أصبح القطاع مصدر إزعاج أمني لـ’إسرائيل’. وباتت مخيمات اللاجئين المكتظة بؤر مقاومة للاحتلال. فمنها انطلقت عمليات مقاومة ضد القوات المحتلة والمتعاونين معها.

ويحسب تقديرات البريطانيين، فإنه عندما احتلت "إسرائيل" غزة، فقد كان في القطاع 200 ألف لاجئ، من مناطق فلسطين الأخرى، ترعاهم وكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين الأونروا و150 ألفا آخرين هم سكان القطاع الأصليون الفلسطينيون.

وقالت تقاريرهم إن غزة لم تكن "قابلة للحياة اقتصاديا بسبب مشكلات أمنية واجتماعية خلقتها حياة المخيمات وأنشطة الفدائيين التي تسببت في أعداد متزايدة من الضحايا".

لماذا السرية في هذه الخطة؟
وبحسب تقديرات البريطانيين، فإنه خلال الفترة بين عامي 1968 و1971، قتل 240 فدائيا عربيا فلسطينيا وأصيب 878 آخرون، بينما قتل 43 وأصيب 336 جنديا من قوات الاحتلال الإسرائيلية في غزة.

وأعلنت الجامعة العربية حينها إصرارها على وقف الأنشطة الإسرائيلية ضد اللاجئين الفلسطينيين في غزة، وقررت "تبني إجراءات عربية مشتركة لدعم المقاومة في القطاع".

وكانت بريطانيا مهتمة بالوضع في الأراضي الفلسطينية المحتلة، وخاصة غزة.. وردا على استجوابات برلمانية، أبلغت الحكومة البريطانية مجلس العموم بأنها "تتابع بدقة التطورات في القطاع".



وقالت: "نراقب التحركات الإسرائيلية الأخيرة باهتمام خاص، ومن الطبيعي أن ننظر بقلق إلى أي عمل من جانب السلطات الإسرائيلية من شأنه الإضرار برفاهية ومعنويات السكان اللاجئين العرب الفلسطينيين في المنطقة".

في تلك الأثناء، رصدت السفارة البريطانية في "تل أبيب" تحركات إسرائيلية لتهجير آلاف الفلسطينيين إلى العريش شمال شبه جزيرة سيناء في مصر، وتبعد قرابة الـ54 كيلومترا عن حدود غزة مع مصر.

وبحسب تقارير السفارة، فإن الخطة شملت "النقل القسري" للفلسطينيين إلى مصر أو إلى أراض "إسرائيلية" أخرى، في محاولة لتخفيف حدة العمليات الفدائية ضد الاحتلال والمشكلات الأمنية التي تواجه سلطة الاحتلال في القطاع.

وفي أوائل سبتمبر/ أيلول عام 1971، أسرّت الحكومة الإسرائيلية للبريطانيين بوجود خطة سرية لترحيل الفلسطينيين من غزة إلى مناطق أخرى على رأسها العريش المصرية.

وأبلغ وزير النقل والاتصالات الإسرائيلي آنذاك شمعون بيريز "زعيم حزب العمل ووزير الدفاع والخارجية ورئيس الحكومة ورئيس الدولة في إسرائيل لاحقا" المستشار السياسي للسفارة البريطانية في "تل أبيب" بأنه "حان الوقت لـ’إسرائيل’ أن تفعل أكثر في قطاع غزة وأقل في الضفة الغربية".

وفي تقرير عن اللقاء، قالت السفارة إن بيريز، الذي كان مسؤولا عن التعامل مع الأراضي المحتلة، أكد أنه "رغم أن الحكومة (الإسرائيلية) لن تعلن رسميا السياسة الجديدة، ولن تنشر توصيات اللجنة الوزارية التي تراجع الموقف، فإن هناك الآن اتفاقا في مجلس الوزراء على متابعة تدابير بعيدة المدى للتعامل بشكل أكثر فعالية مع مشكلات غزة".

وأضاف التقرير أن "بيريز يعتقد بأن هذه التدابير سوف تؤدي إلى تحول في الوضع خلال عام أو نحو ذلك". وبرر التكتم على السياسية الجديدة بأن إعلانها "لن يؤدي إلا إلى تغذية الذخيرة لدى أعداء ’إسرائيل’ ".

وردا على سؤال عن ما إذا كان "سيتم وفق السياسة الجديدة نقل الكثير من الناس من القطاع لاستعادة السلم وقابلية الحياة إلى قطاع غزة"، قال بيريز إنه "سيتم إعادة توطين حوالي ثلث سكان المخيمات في أماكن أخرى في القطاع أو خارجه".

  وأكد اعتقاد "إسرائيل" بأن "هناك حاجة ربما إلى خفض إجمالي عدد السكان بحوالي 100 ألف شخص".
وعبر بيريز عن أمله في نقل حوالي 10 آلاف أسرة إلى الضفة الغربية، وعدد أصغر إلى "إسرائيل"، غير أنه أبلغ البريطانيين بأن التهجير إلى الضفة و"أراضي إسرائيل" ينطوي على "مشكلات عملية مثل التكلفة العالية".

وأبلغ الوزير الدبلوماسي البريطاني بأن "معظم المتأثرين، هم في الواقع، راضون بأن يجدوا لأنفسهم سكنا بديلا أفضل مع تعويض عندما تُزال أكواخهم، أو يقبلون شققا عالية الجودة بناها المصريون في العريش، حيث يمكن أن يكون لديهم إقامة شبه دائمة".

وسأل الدبلوماسي البريطاني بيريس: "هل العريش تعتبر الآن امتدادا لقطاع غزة؟" فرد بأن "استخدام المساكن الخالية هناك قرار عملي تماما".

"برنامج توطين طموح"
وفي تقييم منفصل لما أسر به بيريز، أشار إيرنست جون وورد بارنز، السفير البريطاني في "إسرائيل"، إلى أن الإسرائيليين يرون أن أي حل دائم لمشكلات قطاع غزة "يجب أن يتضمن إعادة تأهيل جزء من السكان خارج حدوده الحالية".

وأكد لحكومته أن السياسة الجديدة تشمل توطين الفلسطينيين في شمال شبه جزيرة سيناء، غير أنه قال إن "الحكومة الإسرائيلية تخاطر بمواجهة انتقادات، لكن النتائج العملية أهم"، بالنسبة لإسرائيل.
وفي تقرير عن الموضوع، قال أم إي بايك، رئيس إدارة الشرق الأدنى في الخارجية البريطانية إنه "يجري الآن اتخاذ تدابير صارمة لتقليص حجم مخيمات اللاجئين وفتحها. وقُصد بهذا النقل القسري للاجئين من منازلهم الحالية، أو بالأحرى أكواخهم، كي أكون أكثر دقة، وإجلاؤهم إلى العريش في الأراضي المصرية".
وأضاف "يجري الآن فيما يبدو متابعة برنامج أكثر طموحا لإعادة التوطين".
بعد شهر، أبلغ جيش الاحتلال الإسرائيلي، في لقاء رسمي، عددا من الملحقين العسكريين الأجانب بتفاصيل إضافية عن خطة ترحيل الفلسطينيين من غزة.

وخلال اللقاء، قال العميد شلومو غازيت، منسق الأنشطة في الأراضي المحتلة، إن جيشه "لا يدمر "مساكن الفلسطينيين في غزة" ما لم يكن هناك سكن بديل.

هذا هو القيد الوحيد الذي سوف تقبله الحكومة العسكرية والعملية مرهونة بحجم السكن البديل المتاح بما في ذلك السكن في العريش".

"الإسلامي البريطاني": خطاب وزيرة الداخلية عدواني ضد المسلمين ومؤيدي فلسطين


وحسب تقرير لملحق السلاح الجوي البريطاني عن اللقاء، سئل العميد غازيت عن سبب اختيار شمال سيناء قال "السكن في العريش قد اختير لأنها المكان الوحيد الذي تتوفر فيه منازل خالية وفي حالة جيدة بعد إصلاحها". وأضاف "لن يكون هناك بناء جديد في العريش، فالمنازل المتاحة كانت تخص ضباطا مصريين في السابق".

بدا هذا الوضع مغايرا، من وجهة نظر البريطانيين، لثلاثة مبادئ كان قد أعلنها الجنرال موشيه ديان، وزير الدفاع الإسرائيلي تضمن السيطرة على الأراضي المحتلة بعد حرب 67.

وهذه المبادئ هي: حد أدنى من الوجود العسكري، وحد أدنى من التدخل في الحياة المدنية الطبيعية، وأقصى اتصال أو جسور مفتوحة مع إسرائيل وبقية العالم العربي.

وفي تقرير عن وضع غزة، قالت إدارة الشرق الأدنى في الخارجية البريطانية "السؤال الأكثر إثارة للاهتمام بالنسبة للمستقبل هو ما إذا كانت إسرائيل مستعدة الآن، في حالة غزة، لتعديل في المبادئ الثلاثة".

وحسب رأي السفير البريطاني في إسرائيل فإن "مخيمات اللاجئين توفر ظروفا مثالية لنشاط الفدائيين، الأمر الذي جعل من الصعب تطبيق سياسية الجسور المفتوحة"، التي عبر عن اعتقاده بأنها نجحت في الأراضي المحتلة الأخرى".

ونبه السفير بارنز، في تقرير شامل إلى وزير الخارجية، إلى أن معلوماته تقول الأونروا "تتوقع لجوء إسرائيل إلى حل الترحيل". وقال إن الوكالة "تتفهم المشكلة الأمنية الإسرائيلية"، لكنها "لا يمكن أن توافق على النقل القسري للاجئين من منازلهم، ولا إجلائهم حتى على أساس مؤقت إلى العريش في مصر".

إقالة نائب بريطاني من منصبه الحكومي بعد دعوته لوقف إطلاق النار بغزة


غير أن السفير عبر عن اعتقاده بأن "توطين اللاجئين الغزاويين في الأراضي المصرية في العريش هو نموذج لعدم الحساسية الإسرائيلية تجاه الرأي العام الدولي".

وفي تقييمه للخطة السرية الإسرائيلية، حذرت إدارة الشرق الأدنى من أنه "مهما تكن المبررات الإسرائيلية لهذه السياسة بعيدة المدى، لا نستطيع إلا أن نشعر بأن الإسرائيليين يقللون من قيمة حجم الغضب الذي تثيره هذه العقيدة (الإسرائيلية) القائمة على خلق حقائق على الأرض، في العالم العربي والأمم المتحدة". حلول أخرى" لمشكلة غزة.