ملفات وتقارير

خبراء: مبادلة الديون بين الصين ومصر احتلال اقتصادي ومؤشر إفلاس

أثار الحديث عن مبادلة الديون الصينية على مصر مخاوف اقتصادية واسعة- "إكس"
أثار إعلان الرئيس الصيني شي جين بينغ إقرار برنامج لمبادلة الديون بين بلاده ومصر، وذلك بهدف تنفيذ مشروعات تنموية في البلد العربي الأفريقي، الذي يعاني أزمات متتابعة بفعل تفاقم الديون الخارجية وحلول آجال الكثير من أقساطها وفوائدها، مخاوف واسعة، وسط تحذيرات اقتصادية من تبعات نظام "مبادلة الديون".

الرئيس الصيني، وخلال لقائه رئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي ووفد وزاري اقتصادي كبير في بكين الخميس الماضي، أعرب عن ترحيبه بطرح مصر "سندات الباندا" في السوق الصيني، معلنا دعم حكومة بكين لحكومة القاهرة في هذا الشأن.

وأعلنت وزارة المالية المصرية، الاثنين الماضي، أنها نجحت في إصدار سندات دولية "باندا" مستدامة بسوق المال الصينية، بنحو 3.5 مليار يوان (500 مليون دولار) كأول دولة في الشرق الأوسط وأفريقيا.

ومبادلة الديون إحدى الأدوات التمويلية المبتكرة باستخدام شرائح من المديونية الصينية لتنفيذ مشروعات تنموية يتفق عليها الجانبان، خاصة بمجالات البنية التحتية والطاقة والطيران والسياحة والطاقة المتجددة والرعاية الصحية، وفق بينغ.

"اجتماع جنيف"
المثير أن الحديث عن مبادلة الديون الصينية على مصر يثير مخاوف اقتصادية، ويعتبره البعض احتلالا اقتصاديا غير مباشر للبلاد، مع وجود سوابق صينية بلدان مدينة لها وخاصة بأفريقيا، حيث تحصل بكين في النهاية على أصول سيادية كالموانئ والمطارات لمدد طويلة وفاء لمستحقاتها.

وفي 7 آب/ أغسطس 2022، كشفت مصادر لـ"عربي21"، عن لقاء جمع مسؤولين مصريين وصينيين، بالعاصمة السويسرية جنيف لمناقشة مبادلة الديون الصينية على القاهرة المقدرة بنحو 8 مليارات دولار بأصول مصرية استراتيجية، بين موانئ ومطارات.

وذلك إلى جانب مبادلة أصول بنحو 10 مليارات دولار، ليصبح إجمالي صفقات المبادلات نحو 18 مليار دولار، ما أثار المخاوف على منطقة قناة السويس الاقتصادية التي تنتشر فيها الشركات الصينية الحكومية والخاصة العملاقة.

وفي هذا الإطار، عقدت مصر اتفاقيات مبادلة ديون مع إيطاليا منذ عام 2001 وألمانيا من عام 2011.
"فخ التنين الصيني".

وتتجه الصين خلال السنوات الماضية إلى إقراض العديد من دول العالم، حتى بدت كمنافس قوي لصندوق النقد والبنك الدوليين في هذا الإطار، ما يثير الشكوك إزاء نوايا بكين والمخاوف من استيلاء التنين الصيني على أصول وممتلكات سيادية في تلك البلدان، وهو ما رصده تقرير لموقع "CNBC عربية".

تقديرات وزارة الخزانة الأمريكية تؤكد أن الصين أكبر دائن ثنائي بالعالم متجاوزة البنك الدولي وصندوق النقد الدولي، وأن إجمالي القروض المستحقة لصالحها بين 500 مليار إلى تريليون دولار، لافتا لوجود 44 دولة تدين بأكثر من 10 بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي لديها للمقرضين الصينيين.

ويدعم الاتهامات الموجهة للصين باستغلال دول فقيرة بإقراضها، ثم السيطرة على مشروعات بها اتفاق سريلانكا مع بنوك وجهات صينية مانحة عام 2017، للحصول على حصة حاكمة تقدر بـ70 بالمئة لمدة 99 بالمئة في مشروع ميناء، كانت تبينه بكين في الجزيرة الواقعة شمال المحيط الهندي.

وهو الأمر الذي جرى تنفيذه بصورة مشابهة وبالسيطرة على مضائق وجسور حيوية ومطارات وموانئ، مثل مطار عنتيبي في أوغندا، وميناء مومباسا بكينيا، وميناء غوادار بباكستان، إلى جانب صفقات مبادلة ديون مع اليونان، ومونتينيغرو، وليتوانيا.

"مصر على الطريق"
وهو الأمر الذي يقابله توجه مصري بقبول خيار مبادلة الديون، وذلك منذ نيسان/ أبريل 2019، حين أعلن وزير المالية محمد معيط، تأهيل ديون مصر المحلية للمقاصة الأوروبية باتفاق مع شركة "يورو كلير"، وجعلها مفتوحة أمام المستثمرين الأجانب بحلول تشرين الثاني/ نوفمبر 2021.

وكذلك إعلان "صندوق مصر السيادي"، في حزيران/ يونيو 2020، أن الحكومة تسعى للتخلص من بعض ديونها الخارجية ببيع أصول حكومية لمستثمرين أجانب بالشراكة مع الصندوق.

وفي آب/ أغسطس 2021، أعلن السيسي طرح أسهم شركة العاصمة الإدارية الجديدة بالبورصة المصرية، لجمع 4 تريليونات جنيه خلال عامين، لسد العجز المالي والوفاء بفوائد وأقساط الديون في موعدها.

وتخطط شركة "العاصمة الإدارية للتنمية العمرانية" في مصر، لطرح نسبة 5 إلى 10% من أسهمها في البورصة، بالربع الأول أو الثاني من العام المقبل، بحسب حديث خالد عباس، رئيس مجلس الإدارة لـ"اقتصاد الشرق" 18 أيلول/ سبتمبر الماضي.

حجم الديون المصرية يبلغ نحو 165 مليار دولار في أيلول/ سبتمبر الماضي، في تفاقم مرعب في عهد السيسي، من نحو 36.7 مليار دولار نهاية 2010، وهي الديون التي تأتي الصين على قائمة أكبر الدائنين لمصر وفقا للبنك المركزي المصري، في كانون الأول/ ديسمبر 2021.

وأكد البنك المصري، أن الصين تتصدر الدول الدائنة لمصر بنهاية حزيران/ يونيو 2021، بنحو 4.631 مليارات دولار، حيث اقترضت حكومات السيسي لبناء "البرج الأيقوني"، بالعاصمة الإدارية الجديدة 1.2 مليار دولار.

وفي أيار/ مايو 2020، اقترضت مصر 15 مليار دولار من الصين عبر مبادرة "الحزام والطريق"، بحسب نشرة "إنتربرايز" الاقتصادية، وقرضا بقيمة 1.2 مليار دولار لتمويل القطار الكهربائي الذي تنفذه شركة "إفيك" الصينية في أيار/ مايو 2019، وذلك قبل أن تقترض 3 مليارات دولار من الصين في تشرين الأول/ أكتوبر 2016.

"إعلان إفلاس"
وفي إجابته على السؤال: ماذا يعني إعلان الرئيس الصيني بنفسه إقرار برنامج لمبادلة الديون مع مصر؟، أوضح الخبير الاقتصادي والاستراتيجي الدكتور علاء السيد، أن "مبادلة الديون تعني ببساطة شديدة إعلان إفلاس مصر، وعدم قدرتها على سداد أقساط ديونها".

رئيس الأكاديمية المصرفية الدولية، وفي حديثه لـ"عربي21"، أكد أن مصر وصلت لتلك النتيجة "في ظل إدارة غير رشيدة ونظام اقتصاد جبائي غير مخطط، وغير إنتاجي وعشوائي وفاسد".

وقال؛ إن "ترجمة عبارة: (مبادلة الديون المصرية للصين مقابل مشروعات تنموية)، هو تنازل مصر بالبيع عن أصول مصرية ممتازة من شركات وأراضي وعقارات لصالح الصين، بأبخس الأثمان، عوضا عن سداد الأقساط المستحقة للديون التي حصلت عليها منها مصر".

ولفت الخبير والأكاديمي المصري إلى خطورة الأمر على مصر واقتصادها وأمنها القومي، مؤكدا أن "التقييم بأسعار بخسة يأتي بمنزلة غرامات تأخير السداد، والامتناع عن سداد الأقساط نقدا كسيولة للجهات الصينية الدائنة لمصر".

وأوضح أنها "تجد نفسها مضطرة لقبول التنازل عن ملكية أغلى ما تمتلك من الموانئ والمناطق الصناعية والشركات الرابحة الاستراتيجية، والتفريط بممتلكات الشعب، والتفريط في الأمن القومي المصري، وذلك للتغطية على الفشل الإداري والاقتصادي والسياسي والاستراتيجي والتخطيطي".

"تبخر حرية مصر"
وقال السيد؛ إن "انتهاج هذا الطريق فيما يسمى تجميليا بمبادلة الديون السيادية المصرية لدول متناحرة اقتصاديا، هو بمنزلة تحويل القطر المصري لساحة تنافس بين أمريكا والغرب والصين وروسيا ودول الخليج".

وبين أن "التناحر وربما الاقتتال على أرض مصر هو لفرض الهيمنة على ممر قناة السويس، وعلى موانئ مصر وأراضيها وقطاعاتها الاقتصادية الاستراتيجية المتعلقة بالأمن القومي المصري، وبالمصالح الأمنية والاستراتيجية والاقتصادية والعسكرية والتجارية الدولية المتضاربة".

ويرى الخبير الاقتصادي والاستراتيجي أن "ملف الديون الخارجية المصرية الثقيلة غير القابلة للسداد لا اليوم ولا بعد مائة عام، سيظل ملفا خطيرا للغاية للضغط على مصر كدولة وكحكومة وكشعب، وإخضاعها لتنفيذ أجندات متضاربة للكيان الصهيوني وللولايات المتحدة ولروسيا وفرنسا وبريطانيا وإيطاليا ودول الخليج العربي".

وأكد أنه "لا طاقة لمصر حكومة وشعبا على تحمل التبعات الكارثية لخطة ما يسمى بمبادلة الديون التي ستتبخر نتيجة لها حرية مصر، واستقلال قرارها، وستتفاقم كنتيجة حتمية لها الضغوط على الطبقة الفقيرة والمتوسطة في مصر وستدمر القطاع الخاص تماما".

وتابع: "وستجد مؤسسة الجيش المصري نفسها غريقة في محيط لا قعر له من المصالح الدولية المتضاربة والمتشاكسة والمتناحرة على أرض مصر".

ويهيب السيد "بحكومة مصر وبعلمائها ومؤسساتها وأحزابها والمخلصين من أبنائها وضع حد لهذا التوجه بالغ الخطورة وشديد الكارثية، الذي ربما لا يدرك صانعو القرار تبعاته لانعدام أهليتهم، أو عن جهل أو تحت ضغوط لم يعد ممكنا مقاومتها بعد الوصول بالاقتصاد المصري إلى هذا المستوى المتدني، وفي ظل اقتصاد عالمي متلاطم الأمواج منعدم اليقين حول مآلات العشرية المقبلة".

"بيع أصول أم استثمار؟"
من جانبه، يرى الخبير الاقتصادي المصري الدكتور علي عبدالعزيز، في حديثه لـ"عربي21"، أن "برنامج مبادلة الديون من البرامج التنموية المهمة، التي تلجأ إليها الدول من أجل استثمار المبادلة كعملية تمويلية بديلة، وأقل تكلفة في مشروعات تنموية".

وأوضح أن هناك "مؤسسة وسيطة حكومية أو غير حكومية تقوم بشراء الدين الخارجي بالدولار على الدولة، ثم بيعه للدولة بالعملة المحلية، مع الحصول على خصم من الطرفين".

وأشار إلى أنه "وبالقياس على البرنامج مع الصين، الذي ستقوم به الوكالة الصينية للتعاون الإنمائي الدولي، فالهدف هنا بيع أصول وليس الاستثمار بمشروعات إنمائية".

وأكد الأكاديمي المصري، أنه "أمر يمثل خطورة كبيرة على أصول الدولة، التي أخذت أموالا ووقتا كبيرا لإنشائها، وستباع بقيمة أقل كثيرا من قيمتها".


وقال؛ إن "كان الدين الخارجي لمصر يمثل أزمة كبيرة خصوصا، وأن القاهرة مطالبة بسداد 24.5 مليار دولار حتى حزيران/ يونيو 2024، فهنا تتضح الصورة أن الهدف الرئيسي هو القدرة على سداد الالتزامات الأخرى".

وأوضح أن ذلك يأتي "في الوقت الذي تباطأ فيه الممول الخليجي عن دعم النظام بالأسعار الحالية، وضغطه الشديد لتخفيض قيمة الجنيه قبل شراء أصول، ووضع ودائع بقيمة 14 مليار دولار، حتى يوافق صندوق النقد على قرض الـ3 مليارات دولار".

"موضع سيطرة"
عبدالعزيز، أكد أن "مبادلة الديون مع الصين ليست الأولى، بل كانت هناك مبادلة مع إيطاليا عام 2001، وأخرى مع ألمانيا عام 2011، شملت 120 مشروعا بقيمة 750 مليون دولار".

لفت إلى أن "من أمثلة هذه المشروعات (التنمية الريفية) غرب النوبارية، وإنشاء مدارس، والحفاظ على التراث الحضاري، وبرامج تمكين المرأة، إلخ، وهي مشروعات تنموية حقيقية على عكس ما يهدف إليه البرنامج الحالي مع الصين".

وفي توقعاته، أكد أنه سيجري "بيع أصول وشركات وحصص في شركات منتجة"، مبينا أنه "بالفعل يجعل الصين في موضع سيطرة على الاقتصاد المصري، وهو أمر حتما سيؤثر على أولويات التنمية والتشغيل".

وبين أن "المقابل هو سداد ديون وأخذ مليارات من الدولارات جديدة لإهدارها في أوجه لا نعلم شيئا عن جدواها ومدى أولوياتها، في ظل مستويات تضخم تجاوزت 40 بالمئة، وانخفاض في تصنيف مصر وصل إلى (Caa1)، وهو يمثل خطورة عالية للقدرة على السداد، ومن ثم مصاعب وتكاليف مرتفعة لجذب المستثمرين".