ملفات وتقارير

تكهنات مثيرة حول حريق مديرية أمن الإسماعيلية.. لمن توجه أصابع الاتهام؟

تسبب الحريق الهائل في تفحم مبنى مديرية الأمن في الإسماعيلية بشكل كامل- جيتي
أثار الحريق الهائل الذي نشب في مبنى مديرية أمن محافظة الإسماعيلية (شرق مصر)، فجر الاثنين، وأدى إلى تفحم المبنى بالكامل في وقت قصير، مع تأخر وصول فرق الإطفاء، تساؤلات وتكهنات واسعة في الشارع المصري والأوساط الإعلامية والسياسية.

ورغم أن وزارة الداخلية المصرية نفت وجود وفيات بالحريق، إلا أن الشبكة المصرية لحقوق الإنسان، نشرت، الثلاثاء، في بيان عبر صفحتها الرسمية على موقع التواصل الاجتماعي "فيسبوك" كشفا بأسماء الضحايا الذين لقوا حتفهم في الحريق (تكذيبا لبيان الداخلية).

وبحسب الشبكة الحقوقية، بلغ عدد ضحايا الحريق 8 من عناصر الشرطة المصرية ضابط وعدد من المعاونين والمجندين، ولم يعرف بعد مصير المحبوسين الجنائيين والمعتقلين و المخفين قسرا بالمديرية قبل وبعد وقوع الحريق.



ولم تعلن السلطات المصرية بعد سبب الحريق وآثاره ونتائجه النهائية، فيما أكدت وزارة الصحة المصرية  إصابة 45 شخصا، تم نقل 26 منهم للمجمع الطبي بالإسماعيلية، منهم 24 حالة اختناق وحالتا حروق.

وفي الوقت الذي أمرت فيه النيابة العامة المصرية بالتحقيق في أسباب الحادث وملابساته، وأكدت في بيانها أن المعاينة أسفرت عن تفحم كامل المبنى القريب من مبنى إرشاد قناة السويس؛ لم تشر أي جهات رسمية إلى احتمال أن يكون الحريق نتيجة عمل إرهابي، ولم توجه الاتهام إلى أية جهة. واستبعد الخبير الأمني والمستشار بأكاديمية ناصر العسكرية العليا، اللواء المتقاعد أحمد كامل، في حديث لموقع "بي بي سي"، أن يكون الحريق نتيجة حادث إرهابي.

"ملابسات الحريق"
ونشر أحد المواطنين مقطع فيديو لبداية الحريق من داخل أحد الأدوار العليا على يسار المبنى في الرابعة والنصف فجرا، لينتقل الحريق بسرعة كبيرة إلى الجانب الأيمن من المبنى الذي بدا واضحا خروج استغاثات مرعبة لأشخاص كانوا بداخله.

وكشف ذات المقطع الذي وصل إلى نحو ثلاثة أرباع الساعة عن تأخر سيارات الإطفاء، وقوات الحماية المدنية.



وبينت المقاطع والصور المتداولة للمبنى بعد إطفاء الحريق وجود سقالات على واجهة المبنى الجانبية، ما يشير إلى وجود أعمال صيانة للمبنى، فيما بدا عدم احتراق علم مصر الكائن فوق المبنى، الذي احترق بالكامل.

وأظهر أحد المقاطع سقوط أحد الأشخاص من الدور السادس بعد هروبه من النيران ومحاولته تسلق جدار المبنى، في مشهد مؤلم.

وكشفت الصحفية في موقع "اليوم السابع" المحلي، فتحية الديب، عن مقتل المقدم محمد رفعت لبدة، في حادث حريق مديرية أمن الإسماعيلية فجر الاثنين.



"الأزمة الكبرى"
لكن الأزمة، هنا قد تكون أكبر بكثير من تواجد مجموعة من المجندين والضباط الذين كان بإمكانهم الهرب من الحريق الذي استمرت عمليات إطفائه وتبريد المبنى نحو 3 ساعات، بل تثار المخاوف من أن يكون الحريق قد طال مئات المحتجزين والسجناء والجنائيين.

وتتزايد مخاوف بعض الناشطين والحقوقيين بشكل خاص على المعتقلين السياسيين، الذين يتم وضعهم خلف أبواب حديدية مصفحة وأقفال وجنازير، ومع حدوث حريق بكامل أدوار المبنى فقد يتعرضون للموت حرقا أو اختناقا.

وهو السؤال الذي جرى طرحه في واقعة الاشتباكات بالأسلحة التي جرت بمقر الأمن الوطني في مدينة العريش بشمال سيناء، والتي راح ضحيتها ضباط ومجندون يوم 30 آب/أغسطس الماضي، ولم يُعرف مصير المحتجزين في المبنى، حتى اليوم.

وتداول نشطاء قائمة من 11 إسما، قالوا إنها لمعتقلين من قبل الأمن الوطني، وكانوا محتجزين بمديرية أمن الإسماعيلية حتى يوم الأحد، وفقا لمحامين وحقوقيين.



"محتجزون بالدور السابع"

وأكد الحقوقي المصري ومدير  الشبكة المصرية لحقوق الإنسان، أحمد العطار، لـ"عربي21"، حصولهم على "معلومات مؤكدة على وجود العشرات بمقر الأمن الوطني والكائن بالدور السابع بمبنى المديرية قبل إندلاع الحريق".

وأوضح أن "هذا التأكيد وثقته شهادة أحد الناجين من جريمة الإخفاء القسري من مقر الأمن الوطني بالإسماعيلية".

وبين أنه وفق رصد سابق للشبكة الحقوقية وغيرها من المنظمات فإن "هذا المقر يجري اتخاذه لاحتجاز المختفين قسرا من أهالي سيناء والإسماعيلية"، مشيرا إلى أنه "يجري حجز الجنائيين في بدروم مديرية الأمن".

"كارثة مريبة"
ووصف نشطاء ومتابعون حريق مديرية أمن الإسماعيلية فجر اليوم، بالخطير، وغير المسبوق بتلك الكيفية والسرعة والاتساع، مشيرين إلى أن الحريق أتى على المبنى بكامله وتركه قطعة من الفحم، بما في ذلك مقر الأمن الوطني الكائن في الدور السابع، وفق تأكيد الحقوقي المصري، أحمد العطار، لـ"عربي21".

الكاتب الصحفي عبدالناصر سلامة، اعتبر الحريق "كارثة"، واصفا إياه بأنه "غريب مريب"، ووقع في "ساعة أكثر غرابة".

وانتقد البعض ما اعتبروه الفشل في السيطرة على حريق بمقر أمني وليس ببناية سكنية، كون المباني الشرطية أكثر تحصينا وحماية، منتقدين تأخر سيارات الحماية المدنية وعدم وجود أوناش للإنقاذ خاصة وأن مقر الدفاع المدني بقرب مديرية الأمن.

وتساءل الحقوقي هيثم أبوخليل، عن غياب "أنظمة الإطفاء داخل مبنى بهذا الحجم والحيوية والأهمية"، مضيفا: "أين طائرات الإطفاء؟ وما سبب الحريق؟ ومن الذى يشعل النار في مصر؟".

وهو ما يدعو لطرح التساؤل حول ما يكشفه الحريق عن حالة العجز الأمني والفشل الإداري حتى في حماية مقرات وزارة الداخلية، والاستهانة بحياة المسجونين والمعتقلين، بل وحتى المجندين والضباط.

"هدم مصر"
وربط نشطاء بين تزامن الحريق الغامض بعد ساعات من حديث رئيس النظام المصري عبد الفتاح السيسي عن إمكانية "هدم مصر عبر توزيع الترامادول والأموال على 100 ألف شخص أو مليون شخص لعدة أسابيع".

وخلال مؤتمر "حكاية وطن"، الذي يشارك فيه السيسي بشكل يومي من العاصمة الإدارية الجديدة، لعرض إنجازات حكومته، قال الأحد: "أنا ممكن أهد مصر بـ2 مليار جنيه"، مضيفا: "أدي (أعطي) باكتة (مخدر البانجو) و20 جنيه وشريط ترامادول لـ100 ألف إنسان ظروفه صعبة، أنزله يعمل حالة"، مشيرا إلى إحداث اضطرابات وفوضى بالبلاد.





ويرى الكاتب الصحفي أحمد حسن بكر، في حديثه لـ"عربي21"، أن الحادث قد يكون تم تنفيذه من قبل إبراهيم العرجاني رجل السيسي في سيناء والذي تشير أصابع الاتهام إلى دوره في اشتباكات مقر الأمن الوطني بالعريش.

وعبر صفحته بمنصة "إكس" (تويتر سابقا)، قال الإعلامي حافظ المرازي: "كان التهديد بنشر الجيش في 6 ساعات، دخلنا بالتهديد بالبلطجية و(نخنوخ) و(حماة وطن) ومليشيا بدل الجمل"، مضيفا: "هذا كان كلامه (السيسي) بالأمس، وهذا ما حصل بعد كلامه بساعات"، مؤكدا أنه "بدأ بتطبيق نظرية الأرض المحروقة".


وقال الباحث المصري في الشؤون العسكرية محمود جمال: "هذه خطته لإشاعة الفوضى، ومجموعات البلطجية التي تحركها وزارة الداخلية بخلاف مليشيات العرجاني ونخنوخ مُجهزون لذلك".


"رسالة لا تخطئها عين"
وفي رؤيته، قال الكاتب الصحفي المعارض أحمد حسن بكر: "بعد ساعات من تهديدات السيسي، أمس أمام الشعب، وأمام مجلس القضاء الأعلى بهدم مصر بالبلطجية والترامادول؛ وقع الحريق المدمر لمديرية أمن الإسماعيلية والتي تضم مقر الأمن الوطني وفقا لمصادر".

بكر، وفي حديثه لـ"عربي21"، أكد أن "المفارقة هنا هي أن مقر أمن الدولة بالإسماعيلية (الأمن الوطنى حاليا)،  كان أول مقار أمن الدولة التي احترقت بعد ثورة يناير 2011".

وأضاف: "تابعت المقاطع المصورة عن مراحل وبدايات الحريق، ولاحظت أنه بدأ في وقت واحد بعدة طوابق مختلفة، وزاد في الانتشار بقوة وسرعة، وهو أمر غير ممكن حدوثه لو كان السبب تماسا كهربائيا".

وأوضح أنه "كان من المفترض أن تعمل منظومة الإنذار والحريق، وتبدأ بالإطفاء، لكنها لم تعمل"، متسائلا: "فهل تم تعطيلها بفعل فاعل؟، أم إنها غير موجودة أصلا بمبنى هام كهذا؟".

"لماذا الإسماعيلية؟"
يرى بكر، أن لوقوع الحريق في مدينة الإسماعيلية دلالات خطيرة، مشيرا إلى وجود "مقر رئاسة هيئة قناة السويس، وقيادات الجيش الثاني الميداني"، فيما تساءل مجددا: "هل هي رسالة للجيش والعالم؟".

وأضاف: "هل تقول الرسالة إني قادر على تهديد أمن وسلامة المجرى الملاحي العالمي؟ وهل هي رسالة للجيش المصري مفادها أني قادر على نشر الفوضى والخراب، حول مقر قيادة الجيش الثاني، إذا ما حاول الجيش أو فكر في إقصائي عن حكم مصر".

ووفق بكر، فإن ثاني الدلالات تكمن في أنه "بعد تقنين وضع مليشيات وبلطجية صبري نخنوخ، (بشراء شركة فالكون للأمن قبل أيام) بات واضحا أن السيسي، يريد استخدام البلطجية، ولكن تحت غطاء شركة فالكون".

وتابع: "كما أن تهديده بهدم مصر جاء أمام المجلس الأعلى للقضاء، وأمام حاشيته التي جمعها في إطار حملته الانتخابية".

وخلص للقول: "إذن فكل الدلائل القاطعة تقول إن السيسي نفذ تهديداته على عجل، ربما استباقا لموقف -يكون قد علم به-  قد يتخذه المجلس العسكري بقبول ترشح الفريق محمود حجازي، أو حتى الانقلاب العسكري عليه".



"مصير مجهول"
"يمكن التأكيد أن هناك قتلى ومصابين من المحتجزين السياسيين والجنائيين، بمشاهدة المقاطع المنتشرة بمواقع التواصل الاجتماعي عن الحريق، وأظهرت الصرخات ومحاولات البعض القفز بعد أن حاصرتهم النيران، وبعد الإعلان عن وجود زنازين احتجاز".

وأضاف الكاتب الصحفي المعارض، أن "ما يعزز تلك الفرضية، هو صمت الداخلية، وعدم الإفصاح عن أعداد الضحايا، الذين حتما تفحمت جثثهم".

"لا يخدم النظام"
من جانبه، قال الباحث المصري في الشؤون الأمنية أحمد مولانا: "لا أستطيع التأكيد على وجود رابط بين حديث السيسي، والحريق، لأن الحادث برأيي لا يصب بمصلحة النظام ولا يخدم أهدافه، وقد يكون لأسباب عرضية وغير مفتعل، وليس هناك ما يدفع النظام لشيء بهذا الحجم بهذا التوقيت".

وفي حديثه لـ"عربي21"، عن الأدوار المحتملة للبلطجية والحديث عن تولي نخنوخ إدارة فالكون، أكد أن "هناك تخوف من حدوث احتجاجات مجتمعية، وبالتالي يعمل النظام على شرعنة مجموعات البلطجية عبر منصة أو لافتة قانونية يعملون من خلالها مثل فالكون".

وتوقع مولانا، أن "يكونوا خط الدفاع الأول ضد الاحتجاجات قبل الشرطة والجيش، وهو ما شهدناه إثر ثورة يناير 2011، وانقلاب 2013، بمواجهة مجموعات من البلطجية في مدن كثيرة للمتظاهرين"، مبينا أن "ما يجري الآن هو شرعنة عملهم".

وعن مصير المحتجزين في مديرية أمن الاسماعيلية المحترقة، قال إنه "لا توجد مصادر تتحدث عن عددهم أو مصيرهم، ونحن معتادون بمثل هذه الحوادث ألا تصدر الداخلية بيانات عن حقيقة المحتجزين لأن أغلبهم موقوفين بشكل غير قانوني، وبالتالي إصدار بيانات رسمية قد يوظف لانتقاد السلطة وأنماط عملها".

ويرى الباحث المصري، أن "عدم القدرة على التعامل مع الحريق، يشير لقصور بمنظومة الحماية المدنية والإطفاء التلقائي التي لا تعمل بمبنى ضخم كهذا، وهو نتيجة الاهتمام بالمظهر الخارجي للمبنى على حساب أنظمة الحماية والسلامة المفترض وجودها بمبنى يضم الكثير من العاملين والمواطنين".

"أصابع العرجاني"

وأكد بكر، أن "الجميع بات يعلم أن مليشيات العرجاني تحظى بثقة محمود السيسي، نجل عبدالفتاح السيسي، وأنها نفذت الكثير من المذابح بالعريش وسيناء، وآخرها الهجوم على مقر الأمن الوطني بالعريش، والذي لم تعلن الدولة عن ملابساته حتى الآن".

ويرى أنه لذلك "فمن غير المستبعد أن تكون مليشيات العرجاني الإجرامية، قد تورطت في حرق مبنى مديرية أمن الإسماعيلية"، ولأن "مصر أصبحت دولة تحكمها عصابة من البلطجية، فستظل تلك الكوارث والفضائح دون إعلان عن فاعلها، وملابساتها، وأعداد ضحاياها".

وختم بالقول إن "سيناريو الفوضى بدأ، والسيسي يعتنق مبدأ: إما أحكمكم وأقتلكم، أو أقتلكم وأهدم البلد أيضا".