اقتصاد دولي

التحولات الجيوسياسية تعزز صعود تجار أسلحة جدد.. كوريا وتركيا بالمقدمة

زادت صادرات تركيا من الأسلحة بين عامي 2018 و2022 بنسبة 69 بالمئة- الأناضول
يستفيد منتجو الأسلحة الصاعدين إلى أقصى حد من الفرص التي يخلقها التحول الجيوسياسي والغزو الروسي لأوكرانيا، ليتنافسوا مع بائعي الأسلحة التقليديين في العالم، المتمثلين في الولايات المتحدة وروسيا وفرنسا والصين وألمانيا.

وقالت صحيفة "إيكونوميست" في تقرير لها كان مشهد زعيم كوريا الشمالية، كيم جونغ أون، وهو يصافح الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، في 13 أيلول/ سبتمبر، لافتاً للنظر، حيث جرى مناقشة عقد صفقات أسلحة.

وجاءت رحلة كيم إلى روسيا في أعقاب زيارة وزير الدفاع الروسي، سيرغي شويغو، إلى بيونغ يانغ في تموز/ يوليو الماضي، الذي أراد معرفة ما إذا كان بإمكان كوريا الشمالية توفير المعدات التي من شأنها "مساعدة جهود بلاده الحربية المتعثرة".

وأوضحت الصحيفة أن كوريا الشمالية ترغب في العثور على مشترين لمجموعتها العسكرية، وهناك عدد قليل من الأنظمة التي ترغب في بيع الأسلحة لروسيا، وذلك في وقت تم ردع الصين حتى الآن عن تقديم ما هو أكثر بكثير من مجرد الرقائق ثنائية الغرض.

وأضافت أن إيران فقط هي التي التزمت بذلك، وباعت حوالي 2400 من طائراتها بدون طيار من طراز شاهد لموسكو.

ويمكن لكوريا الشمالية توفير مجموعة واسعة من الأشياء، وبالإضافة إلى الطائرات بدون طيار والصواريخ مثل KN23، والتي هي تقريبًا نسخة طبق الأصل من صاروخ "إسكندر" الباليستي الروسي، يمكن أن توفر مدافع هاوتزر ذاتية الدفع وأنظمة صاروخية متعددة الإطلاق. 

ونقلت الصحيفة عن مصادر في الاستخبارات الأمريكية قولها غن كوريا الشمالية  قامت بتسليم قذائف 152 ملم وصواريخ كاتيوشا إلى روسيا خلال هذا العام.    

وقالت الصحيفة إن "روسيا تتسوق في بيونج يانج وطهران لأن كلا النظامين مستهدفان بالفعل بشدة بالعقوبات الدولية، بحيث ليس لديهما ما يخسرانه بل سيكسبان الكثير من خلال التعامل مع حكومة بوتين.. إنهم لا يشكلون محور الشر بقدر ما يشكلون سوقا للمنبوذين".

وإذا كانت صناعة الأسلحة في كوريا الشمالية قد تعززت بفِعل الحرب في أوكرانيا، فإن أداء خصمها الجنوبي أفضل. وأكدت الصحيفة أن الجارة الجنوبية صعدت في السنوات الخمس الماضية حتى عام 2022، إلى المركز التاسع في تصنيف بائعي الأسلحة الذي وضعه معهد ستوكهولم الدولي لأبحاث السلام (SIPRI).

وتطمح كوريا الجنوبية أن تصبح رابع أكبر مصدر للأسلحة في العالم بحلول عام 2027، وباعت خلال العام الماضي أسلحة بقيمة 17 مليار دولار، أي أكثر من ضعف ما كانت عليه في عام 2021، بينما جاء نحو 14.5 مليار دولار من المبيعات إلى بولندا.

ووصفت الصحيفة حجم ونطاق الاتفاقيات التي توصلت إليها كوريا الجنوبية مع بولندا، التي ترى نفسها دولة على خط المواجهة في الدفاع عن أوروبا ضد "روسيا الانتقامية"، بأنه مذهل للغاية. 

وتشمل الصفقة 1000 دبابة من نوع "K2 Black Panther"، وتم تسليم 180 منها بسرعة من مخزون الجيش الخاص، و820 سيتم تصنيعها بموجب ترخيص في بولندا، وهذا عدد من الدبابات يفوق عدد الدبابات العاملة في جيوش ألمانيا وفرنسا وبريطانيا وإيطاليا مجتمعة.

وتتضمن الحزمة أيضًا 672 مدافع هاوتزر ذاتية الدفع من طراز "K9 Thunder"، و288 قاذفة صواريخ متعددة من طراز "K239 Chunmoo"، إضافة إلى 48 طائرة من طراز "Golden Eagle FA-50"، وهي طائرة مقاتلة من الجيل الرابع بسعر مخفض.

بدوره، قال توم والدوين من المعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية، وهو مركز أبحاث مقره في لندن: إن نجاح كوريا الجنوبية في تجارة الأسلحة يرجع إلى التكاليف التنافسية والأسلحة عالية الجودة والتسليم السريع، وتعكس أسعارها كفاءة التصنيع الكورية. 

وأضاف والدوين أن الجودة مستمدة من خبرة كوريا في العمل مع أفضل الأسلحة الأمريكية، ومن قطاعها المدني عالي التقنية، ومن الممكن التسليم السريع لأن الكوريين، الذين يواجهون تهديدا كبيرا عبر حدودهم الشمالية، يديرون خطوط إنتاج ساخنة يمكن أيضا تكثيفها بسرعة.

من جهته، قال الباحث في برنامج نقل الأسلحة التابع لمعهد ستوكهولم الدولي لأبحاث السلام، سايمون ويزمان، إن الدعم المخلص من الحكومة والترتيبات الائتمانية الجذابة أمر بالغ الأهمية أيضًا لنجاح كوريا الجنوبية. 

وأضاف: "يحب العملاء الآسيويون حقيقة أن لديهم علاقات وثيقة مع أمريكا، التي غالبًا ما يُنظر إليها على أنها حليف غير موثوق به، وقد يساعد هذا أيضًا كوريا الجنوبية في إبرام صفقة بقيمة 45 مليار دولار لتجديد أسطول الغواصات الكندي القديم".

وتساءل: "إلى أي مدى ستذهب كوريا الجنوبية في نقل التكنولوجيا إلى عملائها.. وهي قضية حاسمة بالنسبة لبولندا، التي ترى نفسها كشريك مصدر لكوريا الجنوبية، يتنافس مع ألمانيا وفرنسا في السوق الأوروبية؟".

تركيا
وإذا كانت كوريا الجنوبية هي الرائدة بلا منازع بين مصدري الأسلحة الناشئين، فإن المركز الثاني يذهب إلى تركيا.

 ومنذ وصول حزب العدالة والتنمية الحاكم إلى السلطة في عام 2002، قام بضخ الأموال في صناعة الدفاع، وأصبح هدف تحقيق شبه الاكتفاء الذاتي في إنتاج الأسلحة أكثر إلحاحا في مواجهة العقوبات الأمريكية والأوروبية، التي فُرضت في عام 2019 بعد أن اشترت تركيا، العضو في حلف شمال الأطلسي، صواريخ أرض-جو روسية من طراز إس400.

ويعتقد معهد ستوكهولم الدولي لأبحاث السلام أن صادرات تركيا من الأسلحة زادت بين عامي 2018 و2022 بنسبة 69 بالمئة مقارنة بفترة الخمس سنوات السابقة، وأن حصتها في سوق الأسلحة العالمية تضاعفت. 

ووفقا لتقرير أصدرته هيئة صناعية محلية في تموز/ يوليو الماضي، ارتفعت قيمة صادراتها الدفاعية والفضاءية بنسبة 38 بالئمة في عام 2022، مقارنة بالعام السابق، لتصل إلى 4.4 مليار دولار. 

وذكر التقرير أن الهدف لهذا العام هو 6 مليارات دولار، بعدما تسلمت باكستان غواصات حديثة من تركيا، وتم إطلاق آخر الطرادات الأربع التي باعتها أنقرة للبحرية الباكستانية الشهر الماضي. 

ومن المرجح أن يتم مبيعات إلى دول أخرى، وذلك لأن السفن التركية ذات أسعار تنافسية، ولأن انقرية ليست لديها هواجس بشأن الجهة التي ستبيع إليها.

ومع ذلك، فإن شحنة التصدير التركية تقودها الطائرات المسلحة بدون طيار. وفي 18 يوليو/ تموز الماضي، وقعت اتفاقية بقيمة 3 مليارات دولار مع السعودية لتزويدها بالمركبة الجوية القتالية بدون طيار "UCAV"، التي تم تصنيعها من قبل شركة "Baykar"، وهي ذاتها التي تنتج أيضًا طائرة "Bayraktar TB2"، المستخدمة سابقا من قبل ليبيا وأذربيجان وإثيوبيا وأوكرانيا. 

ويذكر أنه تم تطوير TB2 "لمطاردة المسلحين الأكراد بعد أن رفضت أمريكا بيع تركيا طائرتها بدون طيار من طراز بريداتور، واصطفت أكثر من 20 دولة لشرائها لأنها كانت أرخص وأكثر توفرا من الإصدار الأمريكي، وأكثر موثوقية من الطائرات بدون طيار الصينية التي كانت تهيمن في السابق على السوق غير الغربية".

وتظهر طموحات تركيا من خلال ما هو قيد التنفيذ أيضا، والمتمثل بسفينة الأناضول، الهجومية البرمائية، وهي التي تزن 25 ألف طن وحاملة طائرات خفيفة بدون طيار. ويقال إن دولة خليجية واحدة على الأقل تجري محادثات لشراء سفينة مماثلة. 

ومن المفترض أن تحلق الطائرة المقاتلة التركية من الجيل الخامس "KAAN"، والتي تشارك فيها باكستان وأذربيجان، قبل نهاية العام، وتم تطويرها بمساعدة شركتي "BAE Systems" و"Rolls-Royce" البريطانية، ويمكن اعتبار ذلك ردا على طرد تركيا من برنامج شركاء طائرات إف35.

وستقوم تركيا بتسويق الطائرة لأي شخص لن تبيع له أمريكا طائرات إف35، أو من يرفض الشروط، وهكذا فقد تكون دول الخليج هي الأولى في الصف.

واستفادت كوريا الجنوبية وتركيا من مشاكل منافسيهما الرئيسيين، وكانت صادرات الأسلحة الروسية بين عامي 2018 و2022 أقل بنسبة 31% عما كانت عليه في فترة الأربع سنوات السابقة، وفقًا لمعهد "SIPRI". 

وتواجه روسيا المزيد من الانخفاضات الكبيرة بسبب الضغط الذي تفرضه حربها على صناعاتها الدفاعية، وعزلتها الجيوسياسية، والجهود التي يبذلها اثنان من العملاء الرئيسيين، الهند والصين، لتقليل اعتمادهما على الأسلحة الروسية.

وخفضت الهند، التي كانت في السابق أكبر عميل لروسيا، مشترياتها من الأسلحة الروسية بنسبة 37% في الفترة 2018- 2022، وربما كانت تتمنى لو أنها ذهبت إلى أبعد من ذلك، بسحب تقرير الصحيفة البريطانية.

ويتعين على صناعة الأسلحة الروسية، التي تسيطر عليها الدولة إلى حد كبير، أن تضع احتياجات جيشها قبل التزاماتها تجاه العملاء. 

ويذكر أن العديد من طائرات سو 30MKI الهندية البالغ عددها 272 طائرة، والتي تمثل العمود الفقري لقواتها الجوية، معطلة لأن روسيا لا تستطيع توريد قطع الغيار إليها. 

وكان أداء بعض الأسلحة الروسية سيئا في أوكرانيا، مقارنة بمجموعة أدوات حلف شمال الأطلسي، كما أن العقوبات المفروضة على روسيا تحد من التجارة في أشياء مثل الرقائق الدقيقة، والمحامل الكروية، والأدوات الآلية، والأنظمة البصرية، وهو ما سيعيق قدرة روسيا على بيع الطائرات المقاتلة، والمروحيات الهجومية، وغيرها من الأدوات الفتاكة. 

وأكدت الصحيفة أنه "كلما طال أمد الحرب في أوكرانيا، زادت صعوبة روسيا في استعادة مكانتها في سوق الأسلحة العالمية".

الصين
أما بالنسبة للصين، فقد ذهب أكثر من نصف صادراتها من الأسلحة في الفترة 2018- 2022 إلى دولة واحدة فقط، وهي باكستان، التي تعتبرها حليفًا ضد الهند. 

وتلبي الصين ما يقرب من 80 بالمئة من احتياجات باكستان الرئيسية من الأسلحة، وفقًا لمعهد ستوكهولم الدولي لأبحاث السلام. 

وتشمل هذه الطائرات المقاتلة والصواريخ والفرقاطات والغواصات، ولا تهتم بكين بسجلات حقوق الإنسان لعملائها، أو كيف يخططون لاستخدام ما ترسله الصين، أو ما إذا كانوا يخضعون لعقوبات غربية، بحسب الصحيفة.

لكن صناعة الأسلحة في الصين تعاني أيضا من مشاكلها، وأكد والدوين أن أحد التحديات هو أنه على الرغم من أن الصين شرعت في السيطرة على سوق الطائرات العسكرية بدون طيار قبل عقد من الزمن، إلا أن عملاءها سئموا من الجودة الرديئة والدعم الأسوأ، ما فتح الباب أمام تركيا. 

والسبب الثاني هو أنه، باستثناء صفقة الغواصات المفترضة مع تايلاند وحزمة الأسلحة لميانمار، فإن الدول الأخرى في جنوب شرق آسيا سئمت من "البلطجة الصينية".