صحافة عربية

هل تنقل الطائرات المسيّرة العالم إلى نظام جديد "متعدد الأزمات"؟

تتميز المسيرات القتالية بقلة تكلفتها وخلوها من العنصر البشري خلال الهجوم - الأناضول
نشرت صحيفة "التايمز" مقالا للصحفي روجر بويز قال فيه "إننا نجحنا في اجتياز حرب نووية، وتفادينا الكساد ووجدنا لقاحات للوباء، ومع ذلك فإن الكلمة الطنانة لعام 2023 لا تزال هي المصطلح المخيف "الأزمات المتعددة".

وأضاف في المقال الذي ترجمته "عربي21" أنه "سمع ذلك مرة أخرى منذ بضعة أيام من مسؤول استخباراتي كبير في محطة توقف في لندن لاستخلاص المعلومات من نظرائه البريطانيين. وكان قد قدم مؤخرا المشورة لكييف بشأن التداعيات الخطيرة للتعاون الأعمق في مجال الطائرات المسيرة القتالية بين روسيا وإيران".

وخلص الصحفي إلى أن "عصر حرب المسيرات المتقدمة، والفعالية المفاجئة من حيث التكلفة وقوة الأسلحة الجوية بدون طيار، جعل الصراع العسكري خيارا سياسيا أسهل، ما من شأنه أن يحفز إعادة ترتيب النظام العالمي".

وأكد وهو عالق في كلمة (polycrisis) على أنه "عالم متعدد الأزمات، وعلينا فقط أن نعتاد على ذلك".

وتحدث بويز عن تشابك الحرب في أوروبا مع الحرب في الشرق الأوسط، وعن تنافس القوى العظمى الذي يضيق الخيارات أمام البلدان الأصغر حجما، والدول العديدة في منطقته التي كانت تكافح بالفعل من أجل البقاء - لبنان ومصر والأردن والسودان.

وطرح تساؤلات عدة "حول ما سيحدث عندما يتم إنتاج نسخة محسنة من مسيرة شاهد الإيرانية بكميات كبيرة بموجب ترخيص في روسيا العام المقبل، وما إمكانية أن ينتهي الأمر بها إلى جيش حزب الله المتوسع بعد انقضاء الحاجة إليها في الحرب ضد أوكرانيا".

وأضاف: أينما نظرنا نجد تدفقا مستمرا. فالماء، كما يقول أحد المرشدين الجيوسياسيين، هو النفط المستقبلي.

كما تساءل حول المنطق الاستراتيجي لتوسيع نادي مجموعة "بريكس" ليشمل إيران والسعودية والإمارات ومصر وإثيوبيا والأرجنتين.، مشيرا إلى أن هناك أمرا واحدا وراءه، وهو تجنيد المبتدئين الذي يشكل علامة أخرى على أن الصين تحاول بناء كتلة مناهضة للعقوبات الغربية عندما تتخذ خطواتها ضد تايوان.

وتابع: هناك القليل من الراحة في الطريقة التي يتكيف بها فن الحكم وبناء التحالفات مع ثورة التكنولوجيا العسكرية. المسيرات هي البارود الجديد. أدى انتشار البارود في أوائل أوروبا الحديثة إلى إضفاء الطابع الاحترافي على القوة العسكرية، واستبدال سلاح الفرسان الثقيل وسلطة مركزية أكبر.

وأشار الكاتب إلى أن "المسيرات تفعل العكس، حيث تثير حماسة المراقبين الشباب ذوي الخبرة التقنية، ما يمكن أدنى المستويات الممكنة من الابتكار والنجاح في المعركة"، مضيفا أن "البنتاغون تخلى عن خطط لبناء عدة آلاف من المسيرات على مدى العامين المقبلين، وهي قوة قادرة على ضرب 1000 هدف خلال 24 ساعة".

وأضاف: الميزة التي تتمتع بها الصين على الغرب هي الكتلة - المزيد من السفن، والمزيد من الصواريخ، والمزيد من الأشخاص- وأحد الإجابات في الوقت الذي تستعد فيه منطقة المحيطين الهندي والهادئ لتنافس عسكري هو زيادة هذه الاحتمالات من خلال هجمات المُسيّرات. المشكلة التقنية هي كيفية إنشاء جيش المُسيّرات لاستخدامه ضد الصين دون استخدام مكونات صينية.



وشدد على أن الأوكرانيين "ينشرون المسيرات ليس فقط لمراقبة ساحة المعركة وتحديد المدى، بل في غارات تكتيكية على قوافل الدبابات، ورفع الروح المعنوية في الداخل وإثارة الإبداع العسكري، بل وأيضا لتفجير الفقاعة حول الشعب الروسي".

وأردف: "في هذا الصيف، أجبروا الكرملين على إغلاق المطارات القريبة من موسكو مؤقتا؛ وأطلقوا 42 مسيرة على شبه جزيرة القرم التي تحتلها روسيا. وضربوا مبنى في وسط موسكو وقاذفة قنابل أسرع من الصوت متمركزة في مطار جنوب سان بطرسبرغ".

ورأى  بويز أن "المسيرات تطرح نقطة سياسية: ربما تقوم الولايات المتحدة بتزويد الأسلحة بشرط عدم استخدامها ضد الأراضي الروسية، لكن لا يوجد الكثير مما يمكن لواشنطن أن تفعله لمنع أوكرانيا من استخدام أسلحتها الخاصة لشن هجمات رمزية".

المسيّرات رخيصة الثمن وتصبح أرخص. حتى أن الأوكرانيين كانوا يشترون مسيرات من الورق المقوى من شركة أسترالية تستخدمها لتوصيل الطرود على بعد 75 ميلا إلى المناطق النائية. يمكن تكييفها لحمل ثلاثة كيلوغرامات من المتفجرات البلاستيكية ولها أجنحة مشمعة للحماية من المطر وتجنب الرادار، وفقا للمقال.

ونوه بويز إلى أن "قلة تكلفتها تعني أن إنشاء سرب من المسيرات الانتحارية وشل حركة الطائرات الروسية المتوقفة لا يتطلب الكثير". وتساءل: هل هذا سيكسب الحرب في نهاية المطاف؟ لا نعرف حتى الآن، لكن في بعض الأحيان يكون شن الحرب بطريقة مبتكرة أفضل من القلق بشأن شكل المعركة النهائية.

وتابع: بينما تستثمر روسيا في إنتاج المُسيّرات في إيران، تشتري السعودية، المنافس اللدود لطهران، مُسيّرات من تركيا. منذ أيلول/ سبتمبر 2019، عندما أطلق المتمردون الحوثيون المدعومون من إيران مسيرات وصواريخ كروز على مصانع معالجة أرامكو.

ويحاول ولي العهد السعودي محمد بن سلمان إيجاد طرق لحماية صناعة النفط، حيث إن الولايات المتحدة لم تحرك ساكنا بعد الهجوم على منشآت أرامكو، على الرغم من أنه تم توجيهه بوضوح من قبل طهران، وذلك بحسب بويز الذي رأى أنه نتج عنه: "تعاون أوثق مع الصين وتركيا، التي من المرجح أن تتجاوز صادراتها العسكرية إلى الرياض هذا العام 7.5 مليارات دولار".



وتطرق الكاتب إلى ما يتداول حول "احتمال الوصول إلى اتفاق مع السعوديين للاعتراف بإسرائيل"، مشيرا إلى "أن الولايات المتحدة في تلك الحالة سوف توافق، بعد موافقة الكونغرس، على البرنامج النووي المدني السعودي، وربما إلى حد التخصيب".

وأضاف: لكن تركيا والصين شقتا طريقهما لكي تصبحا دولتين متأرجحتين لا غنى عنهما في الشرق الأوسط.

بناء على ذلك، رأى بويز أن "التعديل الكبير الذي يشكل سمة مركزية للأزمات المتعددة يجري الآن، وهو مليء بانعدام الثقة المتبادل والحسابات المحلية وستكون التحالفات أكثر مرونة".