كتاب عربي 21

الانقلاب يترنح!

هل يواجه السيسي أزمة داخلية؟- جيتي
ماذا هناك؟!

هذا سؤال سيطر على خلال الفترة الماضية، وأنا أطالع مواقف البعض ممن ينتسبون للدوائر القريبة من السلطة الحاكمة في مصر، وهم وإن تكلموا بنصف لسان، وكتبوا بقلم مكسور، وافتقدوا للشجاعة اللازمة، إلا أن مواقفهم بدت لي في جانب منها أقرب إلى التمرد، أو أنها الرغبة في الهروب من السفينة، لافتقادهم اليقين في استمرار الأوضاع القائمة.

من الأفضل للذين عاشوا ضغوطاً نفسية على مدى السنوات العشر الماضية، أن يكتفوا بهذا القدر من هذه السطور، حتى لا يكونوا عبئاً عليها، أو أن تكون عبئا إضافياً على أعصابهم المرهقة. فضحايا الحروب والأزمات ومن رأوا قوة الخصم، ليسوا مؤهلين للفصل في أمور كهذه، والذين عاصروا العشرية السوداء في الجزائر واستكانوا للقوة الباطشة، لم يشاركوا في الثورة الجزائرية الأخيرة، بل سفّهوها لأنها تعتقد أنها قادرة على منع الاستهانة بالشعب الجزائري بترشيح بوتفليقة بوضعه الصحي المزري، والذين شاهدوا انقلاب البشير منذ البداية وكانوا من ضحاياه، كانوا إلى وقت قريب من اندلاع الثورة، يرون أن الدنيا دانت للحاكم الذي استطاع على مدى ثلاثين سنة من الحكم تأميم الدنيا، وإضعاف الأحزاب، وقتل الروح المعنوية للشعب السوداني!

ولماذا نذهب بعيداً، فضحايا العهد الناصري كان مستقراً في وجدانهم أن الرئيس عبد الناصر قادر على كل شيء، لأن حقائق الأمور كانت غائبة عنهم، والتي تكشفت بعد ذلك، وأن ناصر مر بأضعف حالاته في الفترة من 1964 إلى سنة 1968، عندما استطاع أن يتخلص من مراكز القوى في حكمه، ومن رؤساء مؤسسات القوة، وهتف بعدها: لقد سقطت دولة المخابرات!
أذاع الوزير السابق منير عبد النور أسراراً لم تكن معروفة، مثل سر تراجع الجنرال عن السفر لجنوب أفريقيا خوفاً من الملاحقة القضائية، وتحدث عن الاعتقالات على مجرد الرأي المعارض، وعدم ثقة المستثمرين الأجانب في الأوضاع الداخلية المصرية. ومن يعرفون الرجل يعرفون أنه أكثر حرصاً من أن يغامر على هذا النحو، فالمغامرة السياسية لم تكن سلوكه في شبابه، فكيف تكون في أرذل العمر؟!

وإذا كان هذا لم يمنع من أنه قام بأشرس حملة اعتقالات وهو في هذه الحالة، ومذبحة القضاة كانت وهو يعالج ضعفه، فالمستبد يكون أكثر شراسة في لحظة الضعف! فسوف يكون مفيداً أن يفارقنا القوم غير مستأنسين لحديث، ليمكننا مناقشة الأمر بسلاسة!

المواقف المعلنة:

ومن حسام بدراوي، إلى منير فخري عبد النور، ومرورا بجودة عبد الخالق، وإن سبقهم جميعاً عمرو موسى، الذي بدا بما قال يصلي صلاة مودع. ويمكن فهم ما أعلنوه من مواقف شبه شجاعة في حالة الأول، وأكثر من شجاعة في حالة عبد النور، أنهم يقدمون لأنفسهم إذا حدث ما توقعوه. وإن تراجع حسام بدراوي فإن الأمر كاشف على أنها ليست جينات الشجاعة التي دفعته لاتخاذ هذا الموقف، وهو لا يريد أن يتعرض لانتقام يحول دون رغبته في انتظار الترشح لمرحلة ما بعد الجنرال نيابة عن الحزب الوطني المنحل!

لقد أذاع الوزير السابق منير عبد النور أسراراً لم تكن معروفة، مثل سر تراجع الجنرال عن السفر لجنوب أفريقيا خوفاً من الملاحقة القضائية، وتحدث عن الاعتقالات على مجرد الرأي المعارض، وعدم ثقة المستثمرين الأجانب في الأوضاع الداخلية المصرية. ومن يعرفون الرجل يعرفون أنه أكثر حرصاً من أن يغامر على هذا النحو، فالمغامرة السياسية لم تكن سلوكه في شبابه، فكيف تكون في أرذل العمر؟!

عندما قام رئيس حزب الوفد نعمان جمعة بفصل منير فخري من عضوية الحزب، كان بديله الذي تطلع إليه هو عضوية لجنة السياسات في الحزب الوطني، وعندما شغل موقع وزير السياحة بعد الثورة وفي حكم المجلس العسكري، رضي على نفسه أن يكون مجرد "وكيل وزارة"، وغير المعلن في هذه الفترة أن أعضاء المجلس العسكري كانوا يشرفون على الوزارات، فيشرف أحدهم على وزارة أو أكثر. وعندما سألت في هذه الفترة مطّلعا على ما يجري خلف الكواليس، قال إن الوزير لا يتخذ قراراً الا بعد الرجوع للجنرال المكلف بأمر الوزارة، فما الذي يجعله يقبل الدنيّة في أمره، إلا أنها طبيعته الشخصية، وهي طبيعة لا تمكنه من أن يكون على النحو الذي ظهر به في مقابلة موقع "ذات مصر"!

النهاية بحسب إبراهيم عيسى:

لقد اكتشفنا أن إبراهيم عيسى يقدم برنامجاً في إحدى محطات الإذاعة المصرية المملوكة للشركة المتحدة، وقد أدهشنا أن يعيده القوم لشاشة إحدى القنوات التلفزيونية المملوكة للمتحدة أيضاً، جامعاً بينها وبين تقديمه برنامجا على قناة "الحرة" الأمريكية، وهو إكرام له من جانب السلطة لم ينله أحد من المحلقين حول القصر الرئاسي!

ومع هذا يكتب منشوراً على "تويتر"، وإن بدا لغير المطلع أنه يخاطب القوى السفلية فإنه واضح تماماً أنه يتوقع نهاية أليمة للنظام القائم: ".. نرى نفس الأحداث تتكرر بنفس الطريقة، بنفس البدايات، بنفس الأخطاء، بنفس النهايات"!

يا إلهي، إنه يتوقع نهاية الحكم، وإن كان لم يذكر في منشوره الغامض نوعاً ما نهايات من يقصد، لكن نهايات كل من حكموا مصر أليمة..

هل يقصد مثلا نهاية عبد الناصر بالهزيمة التي قصفت عمره، أم نهاية السادات بالاغتيال، أم نهاية مبارك بالثورة التي عزلته، أم نهاية محمد مرسي بالانقلاب العسكري؟ أم تراه ذهب بعيداً إلى الملك فاروق حيث نهايته بالانقلاب العسكري والطرد إلى خارج البلاد؟!
لسنا مطلعين على ما يجري داخل أورقة الحكم والمؤسسات الحاكمة، لكن كثيراً مما يقال لا بد من أن يكون مستنداً على مواقف داخل المؤسسات، وأن هذه الآراء التي تبدو تعبيراً عن توقعات بالنهاية هي تعبير عنها. وهناك سبب آخر، وهو أن البعض لشعوره بدنو الأجل، أجله أو أجل السلطة، فإنه يسجل موقفا لكي يمكنه أن يحاجج به إذا انتهى هذا الوضع البائس، وقد حملوا أوزاراً من زينة القوم!

كل ما قيل معلوم، ولن نضيف ما كتبه "الفلكي توفيق عكاشة" وصاحب التوقعات، التي يحسبها البعض تستند إلى مصادر داخلية وربما خارجية، فالمعروف ليس هناك مبرر لتكراره وحتى لا يضيع القصد وراء السر!

دنو الأجل وثورة الجياع:

لسنا مطلعين على ما يجري داخل أورقة الحكم والمؤسسات الحاكمة، لكن كثيراً مما يقال لا بد من أن يكون مستنداً على مواقف داخل المؤسسات، وأن هذه الآراء التي تبدو تعبيراً عن توقعات بالنهاية هي تعبير عنها. وهناك سبب آخر، وهو أن البعض لشعوره بدنو الأجل، أجله أو أجل السلطة، فإنه يسجل موقفا لكي يمكنه أن يحاجج به إذا انتهى هذا الوضع البائس، وقد حملوا أوزاراً من زينة القوم!

لقد كان سؤالي للمطلعين على الأحوال بقدر ما: ماذا هناك؟ فلا أرى شيئا على الأرض، وأنا من المؤمنين بأن فكرة الانقلاب العسكري على السيسي بدون حضور شعبي هي فكرة خيالية، وأن من يملكون القدرة على الحشد نفضوا أيديهم تماماً من الأمر منذ عام 2015، دعك من محاولة إحياء الموتى، بإعادة كل أزمة تمر بها البلاد إلى العدو الإخواني. والبديل هو فوضى لن تكون أبداً خلّاقة، وهذه ليست من الأمور التي يمكن أن توضع في حسبان الذين يبدون كما لو كانوا يتوقعون النهاية، حتى وإن كان من بينهم يساري مثل الوزير السابق جودة عبد الخالق، وبما يداعب خيال اليساريين عن ثورة الجياع!

قلت لمن أسالهم: ماذا هناك؟ إنكم تذكروننا بأنفسنا في السنة الأولى للانقلاب العسكري، وحديث الانقلاب يترنح، وهي العبارة المنسوبة للدكتور محمد الجوادي، والتي استخدمها متمردو الإخوان مادة للسخرية منا جميعا، بدلاً من أن يستخدمها السيسي ورجاله. يبدو أنهم كانوا يعلمون أن حكمهم لا يقف على أرض صلبة، وقد علمنا أنه كان خائفاً يترقب من السفر لجنوب أفريقيا خشية اعتقاله ومحاكمته، بعد عامين من الانقلاب.

قالها الجوادي والملايين في الشارع، ولا بد للمتابع أن يستقر في وجدانه أن هناك ساعة للصفر يحددها قادة التنظيم، فليس معقولا أن يكون الهدف من هذه المظاهرات العارمة، هو ممارسة رياضة المشي لمسافات طويلة، وكان الساخرون يعرفون قادتهم أكثر من الدكتور الجوادي!

قناعة كثيرين في دوائر أهل الحكم أن هذه الأوضاع لا يمكن أن تستمر، لهذا قرأنا من مكبر صوتها توقعات بالنهاية الأليمة (إبراهيم عيسى)، وتأكيدا على هذه النهاية (توفيق عكاشة)، فضلا عن تجرؤ من يفتقدون للشجاعة، وتمرد البعض الآخر في آرائه، وسوف تتسع دائرة الهجوم في الفترة المقبلة، وهم يرون نظام حكمهم على وشك الانهيار!
قلت لهم إن الرأي بأن الانقلاب يترنح كان مبنياً على أسس، وهذا الأداء من الداخل قائم على فكرة الحكم يترنح، دون أن يكون هناك ما يستندون إليه، إلا غضب شعبي جارف، هو عند كثيرين لن ينتج أثراً.

وكان الجواب أنه إذا جمعك لقاء مع الذين حملوا أوزاراً من زينة القوم، فسوف تسمع هجوماً حاداً على الأوضاع، ويتوقعون انفجار الموقف، ودوا لو أنهم كانوا خارج دوائر الحكم الآن، لدرجة أنهم يحسدون خالد صلاح، رئيس "اليوم السابع" السابق، الذي أراحوه بعزله، دون أن يمسوا ما حصل عليه من "أوزار من زينة القوم".. تمنوا لو كانوا مثله!

إن قناعة كثيرين في دوائر أهل الحكم أن هذه الأوضاع لا يمكن أن تستمر، لهذا قرأنا من مكبر صوتها توقعات بالنهاية الأليمة (إبراهيم عيسى)، وتأكيدا على هذه النهاية (توفيق عكاشة)، فضلا عن تجرؤ من يفتقدون للشجاعة، وتمرد البعض الآخر في آرائه، وسوف تتسع دائرة الهجوم في الفترة المقبلة، وهم يرون نظام حكمهم على وشك الانهيار!

إن قناعتي الشخصية أن السيسي سيفلت من الانتخابات القادمة، بواسطة التزوير، وعدم جديتها، وسوف يستكمل الشكل كما هي العادة بحضور المدفوع لهم أمام اللجان، لمهمة الرقص، ولتصوير الأمر على أنه تعبير عن الحشود كما جرى من قبل!

والمطلوب الآن من كل من يرغب في الترشيح للانتخابات البرلمانية القادمة ضمن قوائم أهل الحكم أن يدفع الواحد منهم مليون جنيه ضمن الدعاية الانتخابية للسيسي، وبالتأكيد سوف يتنافسون في حشد الحثالة أمام اللجان، لتزكيتهم عند من يضعون القوائم، إن لم تجر انتخابات البرلمان والرئاسة في وقت واحد، وهو أمر لم يحسم، والهدف من الجمع هو ضمان الحشد للتصوير الخارجي!

لكن القادم بعد الانتخابات سيكون الأسوأ في تاريخ مصر المعاصر، وبدون أي أمل في أي حل للأزمة الاقتصادية، وقد بدا الجنرال فاقداً تماماً للقدرة على إعطاء الأمل ولو الكاذب منه كما فعل من قبل، وليس من باب العبقرية أن نقول إنه بعد الانتخابات سيتم تعويم آخر للدولار، وهذه هي الدورة الأخيرة له، ويلزمه تعديل الدستور، ولن تكون الأجواء مواتية هذه المرة، فالإدارة فاقدة لأي حماس له، لا يزعجها إلا اذا تبدى أن البديل له هم الإخوان، الذين سيعودون للانتقام، ولهذا تسرف أبواقه الإعلامية في الحديث حد الملل عن الإخوان، ومماراستهم، ومؤامراتهم على نظام السيسي!

بيد أن دوائره لا تعتقد أنه سيصل إلى مرحلة يكون متاحاً له التفكير في تعديل الدستور، وقد اختلفت قناعتي مع قناعتهم، ربما لأنني أيضاً يسري عليّ ما يسري على الذين تعرضوا للهزيمة على مدى عشر سنوات كاملة، فصرت كضحايا العشرية السوداء في الجزائر، وضحايا عمر البشير في السودان، وهم يقولون إن قناعتهم أن الأوضاع لن تستمر بهذا الشكل، وأن السفينة وصلت لنهايتها، بينما أنا كالإخوان المتقاعدين وهم يسخرون من مقولة الانقلاب يترنح!

بيد أن لدينا معطيات أخرى عن رفض داخلي ستتسع دائرته، ليتأكد الجنرال أن الهامش الديمقراطي في عهد مبارك والذي يراه سبباً في الثورة عليه لم يكن منحة من الرئيس، ولكنه بحكم قوانين الطبيعة، وأنه وهو يضغط على الزناد في مواجهة أي صوت معارض، أضعف معارضيه التقليديين، لكن المعارضة خرجت من داخل البيت، وكأنه فرعون الذي ربّى موسى في قصره.

دعونا نتابع!

twitter.com/selimazouz1