أفكَار

عبد الله جاب الله: العمل السياسي الحزبي وسيلة من وسائل العمل الإسلامي

عبد الله جاب الله: من أسباب الضعف الذي حل بالمسلمين غلبة عقلية المنافع المادية الشخصية أو الحزبية أو الفئوية على منطق المبادئ والقيم.. (فيسبوك)
يرى الداعية والسياسي الجزائري عبد الله جاب الله، في هذا الرصد لعمل الإسلاميين في العالم العربي، الذي كتبه للنشر المتزامن بين "عربي21" وصفحته الرسمية على موقع التواصل الاجتماعي "فيسبوك"، أن الفيتو الغربي حيال حق المسلمين في حكم بلادهم بما يوافق شريعتهم، وكذا شيوع الفهم الخاطئ للعمل الحزبي عند المسلمين من أهم عوائق نجاح الإسلاميين.

مكر الغرب

من العقبات الخارجية أمام نجاح الإسلاميين في الحكم مكر الأعداء ـ الغرب ـ الدائم بالإسلام والمسلمين، وكيدهم وتخطيطهم المستمر للقضاء على الدعوة الإسلامية والعاملين في حقلها، وقد أوجدوا لذلك أنظمة تابعة لهم تحكم بلاد المسلمين، وأوجدوا مجلس الأمن وخصوا أنفسهم به وأعطوه حق الفيتو، وجعلوه جهازا تنفيذيّا للأمم المتحدة، ينفذون به ما شاؤوا من مواقف ويفرضون ما شاؤوا من سياسات على العالم كله، وعلى العالم الإسلامي بصفة خاصة، ويوقف كل واحد من الخمسة الدائمين ما شاء من قرارات ولو صدرت بإجماع بقيّة دول العالم، كما تشهد جميع الأحداث المعاصرة، ولا تجد من الأنظمة والحكومات والحكام إلّا الانصياع بذريعة وجوب احترام الشرعية الدولية، كما أوجدوا منظمات دولية أخرى مثل محكمة لاهاي التي يعاقبون فيها من أراد أن يتمرد على بعض قراراتهم أو مواقفهم أو سياساتهم، وسيطروا سيطرة مطلقة على صناعة الأسلحة وعلى الصناعات الاستراتيجية الأخرى، وإن كانت غذائية، وسيطروا على التقدم التكنولوجي في الميادين المختلفة، ووظفوا ذلك في إخضاع الشعوب الأخرى وبخاصة شعوب الأمة الإسلامية، ولا يسمحون لأيّ كان أن يتقدم في هذا المجال بعيدا عن أعينهم، ومن سوّلت له نفسه ذلك حاربوه وكثيرا ما يقتلونه ويقتلون من يعينه، وما فعلوه في العراق وليبيا ويفعلونه اليوم في سوريا وغيرها خير مثال.

والغرب يفعل ذلك موحدا، فأممه على تباين ما بينها في اللغة والعادات وفي الدين والإيديولوجيات العقدية، وعلى ما حدث بينها من حروب تاريخية غير مسبوقة في تاريخ البشر مثل الحربين العالميتين المدمرتين الأولى 1914 ـ 1919، والثانية 1939 ـ 1945، إلّا أنهم بعد ذلك صاروا متعاونين على تطبيق مكرهم وتنفيذ مخططاتهم في حربهم، ينوعون في أساليبهم في مواجهة الدعوة والدعاة، فيلجؤون إلى الاحتواء حيث ينفع الاحتواء وإلى المواجهة المكشوفة، حيث لا ينفع الاحتواء، ولا يتركون أي وسيلة ظاهرة أو خفية، إلّا واعتمدوها متسترين بقوة وسائلهم المادية وقوة سلطانهم على المؤسسات الدولية السياسية والعسكرية والاقتصادية والإعلامية والعلمية، مثل مراكز الأبحاث والدراسات لأحوال العالم الإسلامي وقواه المختلفة من تنظيمات وأحزاب وجمعيات وشخصيات فكرية وسياسية، وغير ذلك من الترسانة الضخمة التي أوجدوها ووضعوا تحت تصرفها كل الإمكانات المادية والسياسية والقانونية.

مساوئ الفهم المعلول للعمل السياسي والانتماء الحزبي

اعلموا أن من أهم أسباب ما حلّ بالتيار الإسلامي من ضعف في فهم الدين، واضطراب في مفاهيم القوة وحدود المصلحة وضوابطها، وفي نوعية الوسائل المطلوبة والعلاقة بينها وبين الغايات، وميوعة في مفاهيم الولاء والبراء، والحب في الله والبغض في الله، وفي مفهوم الثابت والمتغير في أهداف السير وقواعده وفي المواقف والعلاقات، واختلاط التكتيك بالاستراتيجية والوسيلة بالمنهج، وغلبة عقلية المنافع المادية الشخصية أو الحزبية أو الفئوية على منطق المبادئ والقيم، وتقديم المصالح الخاصة على العامة والجزئية على الكلية والظنية على اليقينية، وتغليب فكرة الإصلاح الجزئي على الإصلاح الشامل، وغير ذلك من الأعراض إنما سببه الأساس هو تبني العمل السياسي، على أنه مصالح تحكمها وتحميها القوة، واعتبار الانتماء الحزبي فرصة لتحسين المركز السياسي والقانوني لصاحبه ومساعدته على تحقيق مصالحه المادية في هذه الحياة.

أيها الشباب؛ اعلموا أن الرسول صلى الله عليه وسلم لم يحصر القيام بواجب تبليغ الإسلام والدفاع عنه وتوفير أسباب النجاح في التمكين له في وسيلة معينة أو وسائل محددة تحديدا لا يجوز الخروج عنه، بل ترك ذلك للاجتهاد والنظر بحسب ما يحيط بالدعوة والدعاة من ظروف وما يتوفر لهم من إمكانيات ويتاح لهم من فرص،
ويشهد التاريخ على أن الأمة ما عرفت القوة والتقدم والازدهار، وما عرفت الرفاهية والهناء والسعادة، وتمتعت بالأمن والطمأنينة والاستقرار، ودولتها ما عرفت الهيبة والمكانة العالية بين الدول إلا لما التزم أبناؤها بالإسلام كله عقيدة وعبادة وشريعة وأخلاقا، عندها أنشأهم الإسلام إنشاء جديدا، وقدمهم للعالم نماذج متفردة في إيمانهم وعلمهم وأخلاقهم، وأعمالهم وتضحياتهم وجهادهم ووحدتهم وتكافلهم وتعاونهم، ولما التزم حكامها بالإسلام كله، فجعلوه أساس بناء دولتهم، ومرجعية أحكامهم وقوانينهم وبرامجهم وسياساتهم ومواقفهم وعلاقاتهم ومعاهداتهم، حازوا على الشرعية بركنيها، ركن الالتزام بالشرع وركن شورى الأمة في الاختيار والممارسة، فصاروا بذلك نماذج للحكام العادلين في التاريخ، الذين جمعوا في حكمهم بين القوة المصحوبة بالرحمة والعدل المصحوب بالإحسان.

ولما التزم قادتها وعلماؤها بالإسلام، فجعلوه مصدر قوتهم المعنوية وزادهم الروحي والأخلاقي والمعرفي، ومرجعيتهم في العلم والتربية والتكوين، وفي الدعوة والإصلاح صاروا نماذج نادرة في القدوة والإمامة سبقوا غيرهم من القادة والعلماء سبقا بعيدا، وكانوا وراء ما تحقق للأمة قديما، ثم للإنسانية بعد ذلك من تقدم حضاري وازدهار مدني.

لقد صاغ الإسلام أتباعه الملتزمين به صياغة جديدة، جعلت منهم أناسا متفردين في إيمانهم وعلمهم وأخلاقهم وتضحياتهم وتعاونهم، وسر ذلك يكمن في طبيعة هذا الدين وبالغ حكمته في بناء أتباعه الملتزمين به، والارتقاء بهم إلى أعلى درجات الكمال البشري المقدور لهم، وما فعله الإسلام في الماضي، يمكن أن يفعله في أي وقت يتعاطى معه أتباعه بنفس ما تعاطى به السلف الأول، وحوادث تاريخ هذه الأمة تشهد على ذلك وتؤكده.

العمل السياسي الحزبي وسيلة من وسائل العمل الإسلامي

أيها الشباب؛ اعلموا أن الرسول صلى الله عليه وسلم لم يحصر القيام بواجب تبليغ الإسلام والدفاع عنه وتوفير أسباب النجاح في التمكين له في وسيلة معينة أو وسائل محددة تحديدا لا يجوز الخروج عنه، بل ترك ذلك للاجتهاد والنظر بحسب ما يحيط بالدعوة والدعاة من ظروف، وما يتوفر لهم من إمكانيات ويتاح لهم من فرص. 

ولم يقل أي عالم بالإسلام عارف بالسيرة خبير بالدعوة بانحصار طريق العمل لتبليغ الدين ونصرته والدفاع عنه وعن حقوق الأمة في منهج معين ولا وسيلة معينة، كما لم يقل أصحاب التغيير عن طريق العمل السياسي بأن هذا الطريق يلغي الطرق الأخرى ويقوم بديلا عنها، كما لم يطالب أحد بتوجيه جميع جهود المسلمين لهذا العمل والتخلي عن الأعمال الأخرى، وإنما قالوا؛ إن العمل السياسي الحزبي وسيلة من وسائل التغيير ومنهج من مناهج خدمة الدين والأمة، وطريق من طرق النضال والبذل والعطاء للتمكين للدين، وأن هذا الطريق ينبغي أن يتكامل مع غيره من الطرق والوسائل في تبليغ الدين والتمكين له، وفي بناء المجتمع الإسلامي والمنافحة عن أحكامه ومبادئه وقواعده ومقاصده، وتاريخ أمته وموروثها الحضاري والثقافي، كما يتكامل مع غيره في صون حقوق الأمة، وإقامة النظام العادل الذي يرعى المصالح ويحفظ الحقوق، وإرساء قواعد صحيحة للدولة التي يكون نهجها تنظيم القوة والمصلحة داخل المجتمع على قاعدة القوي في الأمة ضعيف حتى يؤخذ الحق منه، والضعيف قوي حتّى يؤخذ الحق له، وأن سائر الأنواع وسائل العمل الإسلامي من عمل تعليمي أو تربوي أو خيري أو نقابي أو فكري أو ثقافي أو رياضي، أو غير ذلك من صور العمل الإسلامي، إنما هي في الأساس الروافد الحقيقية التي تمد العمل بالمنهج السياسي الحديث بالطاقات، وتهيئ له الأرضية الصالحة التي يرتكز عليها لضمان نجاحه في إدارة الصراع مع قوى العلمنة والتغريب، وتحقيق ما يتطلع إليه من أهداف كبرى إلى جانب ما يحققه من أهداف صغرى كإقامة الحجة والأعذار إلى الله تعال،ى في شأن الذين يصدون عن الدين ويعتدون عليه، وتحقيق ما يمكن تحقيقه من قضايا الدين وأحكامه أو المحافظة على ما هو موجود ومنع الاستمرار في نقض بقايا الدين والتدين الموجود في الأمة والدولة، وتحصيل ما يمكن تحصيله من منافع للأمة مجتمعة أو للأفراد، ودفع ما يمكن دفعه عنهم من مفاسد.

وهذا ولا شك، باب واسع من أبواب الخير التي دعانا الإسلام إليها ورغبنا فيها في مثل قوله تعالى: ﴿خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ﴾ [الأعراف:199]، وقوله تعالى: ﴿ أَرَأَيْتَ الَّذِي يُكَذِّبُ بِالدِّينِ * فَذَلِكَ الَّذِي يَدُعُّ الْيَتِيمَ * وَلا يَحُضُّ عَلَى طَعَامِ الْمِسْكِينِ﴾ [ الماعون:1-3] وقوله تعالى: ﴿وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ * الَّذِينَ إِذَا اكْتَالُوا عَلَى النَّاسِ يَسْتَوْفُونَ * وَإِذَا كَالُوهُمْ أَوْ وَزَنُوهُمْ يُخْسِرُونَ * أَلا يَظُنُّ أُولَئِكَ أَنَّهُمْ مَبْعُوثُونَ * لِيَوْمٍ عَظِيمٍ * يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ﴾ [ المطففين:1-6].

وغير ذلك مما هو وارد في الكتاب والسنة مما يشجع على فعل الخير ورفع الظلم، وسبب ذلك هو أن مثل هذا العمل، يكسب القلوب ويهيئها لقبول الحق والتفاعل معه والاستجابة لأصحابه والتعاون معهم.