قضايا وآراء

دبلوماسيات الكوارث.. الأنواع والضوابط والقيم الناظمة للعمل

الأناضول
الكوارث الطبيعية دائمة الحدوث في التاريخ الإنساني، وقد لا يخلو زمن أو جغرافية من حدوث هذه الكوارث، منها ما يتعلق بالنشاط الإنساني مثل الحروب وما يترتب عليها، ومنها ما لا يتعلق بالإنسان أبدا وإنما بالطبيعة وتغيراتها مثل الزلازل والبراكين والأعاصير ‏والفيضانات.

تشترك أغلب هذه الكوارث في أ‏نها تأتي دون مقدمات، صحيح أنها قد تكون متوقعة عموما، لكنها تأتي في لحظات غاية في التعقيد، وقد يستحيل التثبت من وقتها المحدد، بالتالي يكون الاستعداد لمواجهتها مكلفا جدا، لأنه لا بد من الجاهزية التامة لانتظارها في كل لحظة وفي كل حين، وغالبا ما يترتب عليها الكثير من الخراب والدمار وتنتج عنها الآلام والأحزان لفقدان الأرواح والممتلكات.

ويصعب حتى على الدول الكبرى أن تواجه تلك الكوارث بمفردها، ‏فتتسابق الدول المختلفة في إعلان تقديم المساعدات سواء كانت على شكل مواد أساسية أو مواد تتناسب ونوع الكارثة والاحتياجات التي نجمت عنها، أو على شكل فرق متخصصة يتم إرسالها إلى مناطق الكوارث.

مرحلة الكوارث قد تكون واحدة من حيث الظروف التي تتحرك فيها الأنشطة الدبلوماسية المختلفة، وإذا عدنا إلى تعريف الدبلوماسية فإنها شكل من أشكال التواصل بين طرفين أو دولتين لتحقيق تواصل وعلاقة تعود بالنفع عليهما، سواء من حيث تجنب مخاطر الحروب مثلا، أو كسب فوائد تعود ‏على الطرفين بالنفع من ناحية أخرى

ما نريد قوله أن مرحلة الكوارث قد تكون واحدة من حيث الظروف التي تتحرك فيها الأنشطة الدبلوماسية المختلفة، وإذا عدنا إلى تعريف الدبلوماسية فإنها شكل من أشكال التواصل بين طرفين أو دولتين لتحقيق تواصل وعلاقة تعود بالنفع عليهما، سواء من حيث تجنب مخاطر الحروب مثلا، أو كسب فوائد تعود ‏على الطرفين بالنفع من ناحية أخرى.

ويمكن أن ندرج أيضا في إطار الدبلوماسية العامة توجه الدولة أو المنظمة لشعب آخر لتكسبه لصالح روايتها ومواقفها ويصبح داعما لها.

الأمر هنا يختلف، لأن "دبلوماسية الكوارث" إذا صحت التسمية، تعتمد على العلاقة مع الجهات ذات السيادة في الطرف المتضرر، وليست التعاون مع الشعب!

ويشترط في حالة الدبلوماسية المرتبطة بالكوارث موافقة الدولة المتضررة، والتي حدثت الكارثة أو الكوارث في نطاق سيادتها، على المساعدات المقدمة من أي طرف كان!!

بالتالي فإن الإطار الرسمي هو الذي يحكم على نجاح الأنشطة وقيامها فعليا على الأرض، إلا أن هذا لا يعني أن الدبلوماسية في مرحلة الكارثة ‏لا تستهدف الشعوب، وبالتالي لا تنطوي على أهداف "الدبلوماسية العامة"، بل ربما أحيانا يكون الهدف فعلا هو الدبلوماسية العامة، خاصة إذا كانت العلاقة بين الدولة المتضررة والدولة المقدمة للمساعدة علاقة متوترة، أو علاقة عداء أو خصومة، عندها سيكون هدف الدولة المستعدة لتقديم المساعدات والتعاون، هو كسب الشعب المتضرر، وربما لإحداث شقوق بينه وحكومته!! إذن هنا أيضا، تكون الدبلوماسية شكلا من أشكال إدارة الصراع نفسه عبر طرق دبلوماسية تبدو إنسانية، وتخاطب اللحظة التي قد تكون فيها الدولة المتضررة في أشد حالات ضعفها.

وهنا تحضر القضية الأبرز في النشاط الدبلوماسي -أو السؤال الأبرز فيه- وهو القيم الإنسانية الحقيقية، وليست القيم الكاذبة أو الخادعة.

الدبلوماسية الرسمية في حالات الكوارث

دبلوماسية الكوارث تؤكد قوة ومتانة هذه العلاقة ويتم التعبير عن ذلك بخطاب ودي تضامني، يتكرر طيلة مدة الكارثة، يتبعه تقديم المساعدات حتى لو كانت بشكل رمزي (عند ضعف إمكانيات الدولة وعدم قدرتها)، إضافة إلى إرسال الوفود و‏الفرق المتخصصة في المجالات المتعلقة بالكارثة

تنقسم إلى عدة حالات؛ الحالة الأولى‏ ‏‏وتكون بين دولتين بينهما علاقة قائمة جيدة ومتطورة.

وهنا فإن دبلوماسية الكوارث تؤكد قوة ومتانة هذه العلاقة ويتم التعبير عن ذلك بخطاب ودي تضامني، يتكرر طيلة مدة الكارثة، يتبعه تقديم المساعدات حتى لو كانت بشكل رمزي (عند ضعف إمكانيات الدولة وعدم قدرتها)، إضافة إلى إرسال الوفود و‏الفرق المتخصصة في المجالات المتعلقة بالكارثة.

الحالة الثانية تكون بين دولتين، بينهما شكل من أشكال الفتور أو البرود أو السلبية في العلاقة، وهنا تشكل الكوارث الطبيعية بوابة لولوج مساحات خلافية بين الأطراف، من خلال خطاب إيجابي أولا‏ ثم الانتقال إلى التفاعل الحقيقي لتقديم المساعدات والفرق المتخصصة، وهنا تظهر جدية وصدق الأطراف من خلال هذين الجانبين "الخطاب والإجراء".

ثم يأتي رد الطرف المتضرر؛ فهل يرد التحية بمثلها، ويرحب ويستقبل، أم يتجاهل ويصمت؟ وأحيانا قد يرفض تحت حجج ومبررات مختلفة غير حقيقية، لكنها تعبر عن عدم الرغبة في بناء علاقة استنادا إلى تلك اللحظة.

وفي بعض الحالات يكون الأمر معكوسا، بمعنى أن الخطاب الإيجابي، وإبداء الاستعداد للعون، ليس سوى "إجراء" تقليدي في علاقات الدول.

أما الحالة الثالثة التي تبدو آثارها واضحة في حالات الكوارث، فهي عندما تشكل الكوارث الطبيعية عاملاً لتسريع المصالحة بين أطراف قد بدأت في إعادة العلاقات بينها، أو فرصة للتراجع عن مواقف عدائية حدثت مسبقا، فتسعى القيادات من الطرفين إلى استثمار الأجواء للانتقال إلى مواقع أفضل في العلاقة، خاصة من الطرف غير المتضرر الذي يحرص على تقديم رسائل التضامن والاهتمام، وإرسال فرق المختصين والمساعدات المختلفة العينية والنقدية، وفي هذه الحالة توفر ظروف الكارثة فرصة للزيارات، وعقد لقاءات قد تكون متعثرة بسبب تراكمات زمنية، أو إجرائية.

ربما ينتقل الطرفان إلى خطوات قد تحتاج في الوضع العادي ترتيبات معقدة أو تكون عرضة لعثرات وإعاقات.

‏الدبلوماسية العامة في فترات الكوارث

الدول والأطراف التي تضع الدبلوماسية العامة في صلب استراتيجيتها وعلاقاتها، لا توفر اللحظة، وبالتأكيد ستحاول إظهار تجاوبها مع متطلبات الشعوب المنكوبة، ضمن مسؤولياتها الأخلاقية، وتحرص على الظهور بالشكل المتفاعل والمسؤول، من خلال حجم المساعدات والخطابات التضامنية سواء الرسمية أو غير الرسمية، كما يهمها إظهار كل المشاهد والمواقف ذات البعد الأخلاقي الإنساني مثل تفاعل شعبها، ونشطائها، أو تعرض فرقها إلى المخاطرة أثناء مساعدة المنكوبين أو حتى فقدان بعضهم لحياته.

الدول والأطراف التي تضع الدبلوماسية العامة في صلب استراتيجيتها وعلاقاتها، لا توفر اللحظة، وبالتأكيد ستحاول إظهار تجاوبها مع متطلبات الشعوب المنكوبة، ضمن مسؤولياتها الأخلاقية، وتحرص على الظهور بالشكل المتفاعل والمسؤول، من خلال حجم المساعدات والخطابات التضامنية سواء الرسمية أو غير الرسمية، كما يهمها إظهار كل المشاهد والمواقف ذات البعد الأخلاقي الإنساني مثل تفاعل شعبها، ونشطائها، أو تعرض فرقها إلى المخاطرة أثناء مساعدة المنكوبين

غير أن أجواء الكوارث وما يرافقها ‏من احتياجات ضخمة في العادة يجعل من حصد نتائج الدبلوماسية العامة أمرا صعبا، بل قد يرتد إلى العكس، إن لم يتم التعاطي بذكاء ومراعاة الأولويات عند المنكوبين باحترام خصوصياتهم وكرامتهم، إضافة إلى التغطية الإعلامية الذكية والدقيقة.

وقد تتداخل المواقف السياسية بشكل كبير مع تقييم التفاعل الإنساني لبعض الدول فنجد من يشكك في ذلك التفاعل وفي خطوات ‏تلك الدولة، أو يقارن بين تجاوبها مع هذه الحالة وحالات مشابهة سابقة، بل يمكن لبعض النشطاء والأطراف مهاجمة الدولة التي تقدم المعونات ويطالبونها بتركهم وشأنهم!! بل أكثر من ذلك، قد يتم تحميل تلك الدولة مسؤولية مشاكل ونكبات أخرى قد تكون حلت بهم أو بغيرهم!!

والخلاصة أن الدبلوماسية العامة في زمن الكوارث حساسة أكثر منها في زمن المناسبات الأخرى ذات البعد الإيجابي، مثل الاحتفالات ‏والرياضة وغيرها.

‏الدبلوماسية وقت الكارثة بين الأخلاقية ‏والانتهازية

‏في كل حالات الكوارث، خاصة الطبيعية منها، وفي كل ما يتعلق بالإنسان والحفاظ على حياته وكرامته، يجب أن يتم إعلاء القيم الأخلاقية تماما، ويجب معاملة الإنسان بما يستحقه من كرامة واحترام مهما كانت جنسيته أو عرقه أو دينه أو لونه أو جنسه، من دون أي تميز من أي نوع وحسب أية صفة.

وفي مثل هذه الظروف‏ تكون الحساسية الإنسانية في أعلى مستوياتها، ومع ذلك فقد يكون ملحوظا التمييز الذي تمارسه بعض الأطراف خاصة الدول، في تعاملها مع المنكوبين، بينما يعانون جميعهم من نفس الكارثة، وتفرق بينهم في المعاملة، حسب اللون أحيانا أو العرق أو الدين أو اعتبارات أخرى.

وعندها تتحول قيمة الاستجابة للكوارث من الأثر ‏الإيجابي إلى السلبي، وتصبح صدعا في جدار العلاقات الإنسانية، وتزيد من الشعور بالخذلان والإهانة من أطراف ضعيفة، عادة ترى التمييز لصالح فئات تعيش نفس المعاناة لكنها تحوز الأفضلية في العون والمعاملة.

هنا تبرز المسؤولية الأخلاقية‏ للدول لتكريس ثقة الإنسان بأخيه الإنسان وللمساعدة في استعادة الإيمان بوجود القيم الإنسانية، وإمكانية حضورها من جديد على مسرح المشهد البشري المتهالك، والذي يعاني من تصدعاته المختلفة، لصالح الأخوّة الإنسانية وبناء علاقات ذات مصداقية، خاصة في لحظات الضعف والحاجة.