ملفات وتقارير

لماذا توقف الجيش المصري عن إعلان ضحاياه من هجمات سيناء؟

الجيش المصري قرر خلال السنوات الأخيرة التقليل من إصدار البيانات بشأن العمليات العسكرية في شبه جزيرة سيناء- جيتي

"لا نعلم شيئا عن أبنائنا في الجيش بعد أي هجوم أو عملية عسكرية في شمال سيناء إلا من خلال صفحات التواصل الاجتماعي الخاصة بشمال سيناء"، تقول والدة أحد ضباط الجيش المصري في فرقة المظليين، وهو يخوض عمليات عسكرية ضد عناصر تنظيم "ولاية سيناء".


وأثار تراجع وتيرة إعلان القوات المسلحة المصرية، عن ضحايا العمليات العسكرية في شبه جزيرة سيناء على لسان المتحدث العسكري، العديد من التساؤلات حول هذا النهج الذي بدأه بقوة في صيف عام 2013.

ودأبت السلطات المصرية منذ بدء العمليات العسكرية على إعلان حصيلة عملياتها العسكرية ونشرها في جميع وسائل الإعلام والمواقع الصحفية الإلكترونية، وتقام للضحايا جنازات عسكرية مصورة يحضرها قادة الجيش والمسؤولون في المنطقة، ولكنها تراجعت عن هذا النهج.

وتضيف والدة الضابط بالجيش لـ"عربي21": "يقولون (أي القيادات العسكرية) لأبنائنا: لا تتحدثوا مع أحد عن أماكن خدمتكم ولا طبيعتها.. ولا نعرف بحدوث أي عملية عسكرية أو مسلحة إلا من خلال صفحات أهالي سيناء على مواقع التواصل".

وأعربت عن استغرابها من غياب مظاهر التكريم للضحايا، قائلة: "لا توجد أي مظاهر تكريم للشهداء الذين يضحون بأنفسهم من أجل الوطن، ولا أدري لماذا يتم التكتم على أخبار استشهادهم كأبطال في أرض المعركة ضد "الإرهابيين" بعد أن كانت تملأ الدنيا، ولماذا نكون آخر من نعلم بما يحدث لأبنائنا".

في 6 تشرين الثاني/ نوفمبر الجاري، نشرت صفحة أخبار شمال سيناء على موقع فيسبوك نبأ "استشهاد المقدم عاصم قائد الكتيبة 104 صاعقة في محاولة لاقتحام كمين جلبانة القريب من قناة السويس، وثلاث من المجموعات القبلية المساندة له، وهم عامر عميرة وحسين سالم وتوفيق شاهين، وإصابة آخر يدعى محمد مصطفى".

في المقابل لم يصدر أي بيان عن المتحدث العسكري بشأن العملية المسلحة وما أسفر عنها من ضحايا ومصابين من الطرفين.

 

 

هذا النهج الجديد رصدته مؤسسة سيناء لحقوق الإنسان حيث أصدرت تقريرا بشأن حصيلة الأوضاع الأمنية في شمال سيناء خلال شهر تشرين الأول/ أكتوبر 2022 والتي غابت عن صفحة المتحدث العسكري للقوات المسلحة المصرية.

وأشارت المؤسسة الحقوقية إلى مقتل عسكريين اثنين من قوات الجيش، بينهما ضابط صف، بجانب مقتل وإصابة 9 آخرين من عناصر المجموعات القبلية المسلحة الموالية للجيش بمناطق شرق وغرب ووسط سيناء.

ورصدت المؤسسة خلال شهر سبتمبر 2022 مقتل سبعة عسكريين من قوات الجيش، بينهم ضابط، بجانب مقتل وإصابة 14 آخرين من عناصر المجموعات القبلية المسلحة الموالية للجيش بمناطق شرق وغرب ووسط سيناء.

ورقة تمويه وضغط

 
وكانت أول حملة عسكرية كبيرة لمكافحة "الإرهاب" للقوات المسلحة المصرية في سيناء قد انطلقت عقب اندلاع ثورة 25 كانون الثاني/ يناير 2011، وذلك في أعقاب تصاعد أنشطة المتشدّدين في شبه الجزيرة.

ومنذ عام 2011 وحتى اليوم، نفذ الجيش المصري 7 عمليات عسكرية لمواجهة المسلحين في سيناء. وهذه العمليات حملت أسماء: نسر1، ونسر2، وحق الشهيد1، وحق الشهيد2، وحق الشهيد3، وحق الشهيد4، والعملية الشاملة.


اقرأ أيضا: مقاطع مصورة تظهر "جرائم الجيش المصري في سيناء"


ويرى باحثون وسياسيون أن تراجع السلطة المصرية عن  نهجها في إبراز العمليات العسكرية وأعداد الضحايا من القوات المسلحة في بداية انطلاقها في شمال سيناء، بالتزامن مع الانقلاب العسكري في صيف 2013، هو استخدام الضحايا كورقة للضغط على الغرب، عندما كانت شرعية رئيس سلطة الانقلاب عبد الفتاح السيسي على المحك.

الأمر الآخر، هو تبرير مساعي السيسي لعقد صفقات بعشرات مليارات الدولارات من الغرب بدعوى مكافحة الإرهاب وحماية حدود الاحتلال الإسرائيلي، ووقف الهجرات غير الشرعية عبر البحر المتوسط إلى أوروبا كما حدث في أعقاب الأزمة السورية، فضلا عن دفعهم لغض الطرف عن حجم الانتهاكات الحقوقية التي تفاقمت في أعقاب الانقلاب العسكري وتوجيه أنظار العالم إلى "إرهاب" يهدد دول المنطقة والعالم.

ورقة "الإرهاب" وأهداف عدة


في تقديره، يقول الباحث في الشؤون الأمنية، أحمد مولانا، إن "هذا النهج الجديد للقوات المسلحة هو للتأكيد على تحقيق نجاحات أمنية وعودة الاستقرار الأمني، والحفاظ على الروح المعنوية"، مشيرا إلى أن "الجيش المصري قرر خلال السنوات القليلة الماضية التقليل من إصدار البيانات بشأن العمليات العسكرية في شبه جزيرة سيناء، بعد أن تحقق الغرض من العمليات العسكرية وتصدير صورة خطر الإرهاب والتجاوز عن الانتهاكات البشعة وقتها".

وأكد لـ"عربي21": "سياسة الجيش أصبحت تعتمد على نشر القليل وتجاهل أغلب الحوادث، وفي عام 2015 نشر الجيش قرارا بحظر النشر عن العمليات العسكرية في سيناء إلا ما يصدر عن المتحدث العسكري فقط، ومنذ ذلك الوقت باتت سياسة التكتم هي الأساس".

ونفى مولانا أن يكون للأمر علاقة بأجواء الاستثمار، قائلا: "شمال سيناء عموما لا تزال منطقة محظورة على الإعلام والصحافة والمنظمات الحقوقية ولا يوجد بها أي استثمار أجنبي، كما أن الوضع فيها لا يؤثر على الاستثمار في أي مكان آخر بالبلاد، لكن معدلات الحوادث تراجعت".

استمرار الخطر في سيناء


في حزيران/ يونيو الماضي  خلصت دراسة بحثية نشرها المركز العربي للأبحاث في واشنطن، إلى أن المسلحين المتشدّدين في شبه جزيرة سيناء ما زالوا نشطين، ويُشكّلون تهديدا خطيرا للأمن القومي المصري، وذلك على الرغم من انخفاض وتيرة الهجمات خلال السنوات الأخيرة.

وطالبت الدراسة، التي أعدّها أستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية والباحث بالمركز العربي في واشنطن، خليل العناني، الحكومة المصرية بـ "اتخاذ إجراءات لحماية جنودها ومدنييها من هجمات المسلحين، بما في ذلك فصل القادة العسكريين المسؤولين عن الفشل الذي طال أمده في سيناء، بدلا من استخدام الحرب على الإرهاب كأداة لجذب الدعم السياسي محليا أو خارجيا".

سياسة المصالح العسكرية

 
من جهته، قال السياسي المصري، الدكتور عمرو عادل، "لكي نفهم كيف تتصرف المؤسسة العسكرية تجاه أي موقف فإن من الضروري الاتفاق على عدة ثوابت، أولا: لا تتصرف طبقا للمشاعر الإنسانية، فهي ترى ما يحقق لها التفوق الدائم على الشعب، ثانيا: قيمة البشر أي بشر لا تساوي شيئا عند المؤسسة، ثالثا: قيمة الأفراد داخل الجيش معدومة باستثناء عدد محدود من القيادات".

ويعتقد عادل الذي عمل ضابطا سابقا بالجيش المصري أن النظام استغل العمليات العسكرية وضحايا سابقين للتغطية على الانتهاكات من جهة، وتحقيق مكاسب دولية على حساب جثامين الجنود والضباط من جهة أخرى، مضيفا لـ"عربي21": "فنحن لا نسمع مثلا عن ضحايا تحطم طائرة المشير  أحمد بدوي ولا نسمع عن ضحايا عملية لارنكا الفاشلة لتحرير الطائرة المصرية المختطفة وهناك مئات الأمثلة لذلك، ولكننا نسمع ملء الأرض عن أفراد في ظرف معين قتلوا أو ماتوا".

ورأى أن "الإعلان والزخم الإعلامي من عدمه يعتمد على قراءة هذه المؤسسة للمكسب المباشر منها في تأثيرها على الجمهور، ومع التراجع الحاد في شعبية النظام الانقلابي وفي مركزه ما تسمى المؤسسة العسكرية، فذكر أي فعل معاد لهذه المؤسسة في هذه الفترة ليس في الصالح كما يرون، وأعتقد أن الداخل المصري هو المستهدف من مثل هذه الدراما المسرحية كحكاية المنسي أو الإخفاء المتعمد كالحادث الأخير، فالمجتمع الدولي يعلم ويدرك وربما يدير أحيانا".