ملفات وتقارير

هل تشكل قناة "بن غوريون" الإسرائيلية خطرا على الأردن؟

يسعى الاحتلال لإنشاء قناة بن غوريون بالقرب من الحدود البحرية الأردنية للربط بين البحرين الأحمر والمتوسط - جيتي

أثارت تقارير إعلامية عبرية حول عزم حكومة الاحتلال الإسرائيلي البدء بإنشاء قناة "بن غوريون" بالقرب من الحدود البحرية الأردنية، للربط بين البحرين الأحمر والمتوسط، تخوفات من تعطيل مشاريع تخطط المملكة لتطويرها، كمشروع الناقل الوطني، الذي يهدف إلى تحلية مياه البحر الأحمر، ونقلها إلى محافظات الأردن.

ورجّحت التقارير أن تبدأ عملية التأسيس للقناة خلال شهرين، ناقلة عن مهندسين إسرائيليين قولهم إن القناة ستصبح منافسة لقناة السويس، "حيث إن المسافة بين إيلات والبحر المتوسط ليست بعيدة، وتشبه تمامًا المسافة التي أخذتها قناة السويس لوصل البحر الأحمر مع البحر الأبيض المتوسط".

ويشير مراقبون إلى أن أهمية هذه القناة الاستراتيجية بالنسبة لتل أبيب، تنبع من كون 90 بالمئة من التجارة الإسرائيلية تتم عبر البحر، وأن 80 بالمئة من المياه المستخدمة في البيوت والمصانع تأتي من مشاريع تحلية المياه، إضافة إلى أن البحر المتوسط تحول إلى مصدر لإنتاج الغاز لإسرائيل.

ويرى المراقبون أن شق هذه القناة يهدف إلى السيطرة على خطوط الملاحة الأهم عالميا، وإلى أن تصبح إسرائيل حلقة وصل بين آسيا وأوروبا، وبالتالي تكون المستفيدة ماديا، والمتحكمة جغرافيا، بحيث تصبح مصالح الأنظمة المصدّرة للغاز والنفط، أو المستقبلة للبضاعة الأوروبية والإسرائيلية؛ مرتبطة بالمحافظة على مصالح الدولة العبرية، ووجودها الدائم في البحر.

مخاطر عالية

وحذر الخبير الاقتصادي حسام عايش، من "المخاطر العالية" التي يشكلها فتح القناة الإسرائيلية على الأمن القومي الأردني والعربي.

وقال لـ"عربي21" إن هذا المشروع سيشكل حالة مستفزة للأردن، لكونه قريبا من حدوده البحرية، وربما يتسبب بتعطيل مشاريع أردنية مثل ناقل البحرين (الناقل الوطني). 

وأضاف عايش أن فتح القناة سيحرج الدولة الأردنية لأنه باعتبارات المصلحة سيكون أفضل للمملكة، "ولكن كلفته ستكون عالية على عمّان بالاعتبارات السياسية والعربية"، مرجحا أن يمتنع الأردن عن استخدام القناة في البداية على الأقل، تجنبا للإحراج مع الشقيقة مصر.

وأعرب عن خشيته من أن يكون مشروع القناة مقدمة لمشاريع أكبر، مثل مد أنابيب عبر الأردن لمد أوروبا بالنفط والغاز، أو أن يكون جزءا من صفقة القرن التي سيسعى نتنياهو إلى إعادة إحيائها بعد تكليفه بتشكيل الحكومة الإسرائيلية.

وأكد عايش أن "إسرائيل تفرض أمرا واقعا، دون منح أي اعتبار لمصالح الدول العربية التي ترتبط معها باتفاقيات للسلام".

"اتفاق كامل" مع الأردن


وفي المقابل؛ قال الخبير المائي سفيان التل، إن المشروع الإسرائيلي المفترض لن يعطل مشروع الناقل الوطني، لأن الأردن لا زال يمتلك مساحات طويلة تصل إلى نحو 14 كيلومترا، ويمكنه إقامة محطة تحلية هناك وربطها.

وأوضح لـ"عربي21" أنه "يكفي أن يقيم الأردن محطة تحلية على خليج العقبة، ثم يضخ المياه منها إلى الديسي، لأن المياه المحلاة تكون قد فقدت أملاحها، ويجب خلطها بمياه سطحية أو جوفية لجعل التوازن الملحي فيها مقبولاً، ثم تضخ مياه التحلية ومياه الديسي إلى بقية مناطق الأردن".

وأشار إلى المادة 13 من اتفاقية وادي عربة المبرمة بين الأردن وإسرائيل، ونصها: "يتفق الطرفان على الاستمرار في التفاوض لإقامة طريق سريع يربط الأردن ومصر وإسرائيل بالقرب من إيلات"، مضيفا أن نتنياهو التقى العاهل الأردني عبد الله الثاني قبل سنوات، وأخبره بأنه يخطط لإقامة سكة حديدية من أسدود إلى إيلات، بحسب صحيفة "يديعوت أحرونوت" العبرية.

وأضاف التل أن "من المسائل التي يمكن الربط بينها وبين إنشاء قناة بن غوريون، بيع مساحات واسعة من ميناء العقبة للإمارات (شركة المعبر) بما يمثل أكثر من ثلاثة كيلومترات ونصف على طول الساحل وبعمق كاف، كما بيع الميناء القديم، ودُمرت صوامع الحبوب، ما يشير إلى أن ثمة حركة غير طبيعية على خليج العقبة".

ورجح أن "مشروع قناة بن غوريون سيمر من المناطق السهلة في شمال إيلات، ويربط في خليج العقبة، وربما يكون كل ما نسمعه من التغييرات التي تتم على السواحل الشمالية لخليج العقبة تمهيدا لهذا المشروع، الذي لا يمكن أن يمر بهذه البساطة دون اتفاق كامل مع الأردن".

ورأى أنه "يستحيل على إسرائيل البت في قناة بن غوريون وبنائها، دون أن يكون هناك توافق أو أوامر أمريكية ودولية تربط عمّان وتل أبيب في هذا المشروع"، مؤكدا أنه "لن يكون مشروعا مستفزا للأردن؛ لأنه لا يمكن أن يكون شيء مستفز أكثر من ربط مصير الأردنيين بغاز وماء الكيان الصهيوني من خلال اتفاقيتي الغاز والماء مقابل الكهرباء".

ووصف التل مشروع القناة بأنه "يربط الأردن بمشروع دولي عالمي يرسخ جذور إسرائيل في المنطقة، ويفرض على العالم الغربي كله حمايتها والدفاع عنها، لأن هذه القناة ستكون شريان حياة العالم الغربي"، مشيرا إلى أن "الأردن في وضعه الحالي فاقد لأي قدرة على فرض رأيه، فالقصة أكبر بكثير من قدرات المملكة على التفكير أو اتخاذ قرار فيها".

تقليل حكومي من جدوى المشروع

وحاول مراسل "عربي21" الحصول على تعليق من وزارة المياه حول المشروع الإسرائيلي وانعكاساته على الأردن؛ إلا أن الناطق الإعلامي للوزارة اعتذر عن التعليق.

ولكن مصدرا حكوميا قلّل في تصريح لموقع "عمون" الإخباري الأردني، من "جدوى المشروع الإسرائيلي وإمكانية إنشاء القناة بالأساس"، مستدلا بـ"عدم مقدرة تل أبيب على إجراء أي فعل في البحر الأحمر دون موافقة عمّان".

وأكد المصدر أن "مشروع الناقل الوطني يسير بخطى ثابتة"، مشددا على أنه "مشروع وطني بامتياز"، و"ليس لأحد علاقة فيه" وفق تعبيره.

من جانبه؛ قال الناطق باسم حزب جبهة العمل الإسلامي، ثابت عساف، إن الموقف الرسمي الأردني من مشروع القناة "متواطئ مع الكيان الصهيوني، فهو يكتفي بالشعارات والكلام النظري، وسلوكه على أرض الواقع لا يواجه المشاريع الصهيونية في المنطقة، إنما يذللها ويساندها".

وأضاف لـ"عربي21" أن "هذا الكيان الصهيوني سرطان في المنطقة، يعيث فسادا وإفسادا.. هذه هي حقيقته وحقيقة أسلافه على مر العصور، أينما حلوا عاثوا دمارا وتخريبا".

وكانت تقارير عبرية قد ذكرت قبل نحو عامين، أن القناة التي تنوي السلطات الإسرائيلية إنشاءها لربط البحرين الأحمر والمتوسط، لن تبنى على شاكلة قناة السويس، الممر البحري الذي تبحر عبره السفن من اتجاه إلى آخر، لتبحر في اليوم الثاني بالاتجاه المعاكس.

 

اقرأ أيضا: تقدير إسرائيلي: "الكابوس" الأردني يتحقق وقلق في عمّان

وأوضحت أن إسرائيل ستقوم بحفر قناتين مستقلتين، واحدة من البحر الأحمر إلى البحر المتوسط، والثانية من البحر المتوسط إلى البحر الأحمر، وبالتالي لن تتأخر أي سفينة، في حين تستغرق السفن في قناة السويس فترة أسبوعين للمرور.

وأشارت إلى وجود ميزة أخرى تتمثل في طبيعة الأرض، حيث إنها صخرية وصلبة، وتتحمل أي ضغط دون أي تأثير، على عكس قناة السويس، حيث إن طبيعة الأرض رملية، وتحتاج إلى متابعة مستمرة.