صحافة دولية

MEE: أردوغان يتحدى أوضاع الاقتصاد ويعزز فرص فوزه بالانتخابات

أردوغان زاد من الإنفاق الحكومي وحسن الأجور مع قرب موعد الانتخابات- الأناضول

نشر الصحفي التركي ومراسل موقع "ميدل إيست أي" البريطاني، راغب صويلو، مقالا، تناول فيه ما أسماها "الورقة الشعبوية" التي يستخدمها الرئيس التركي رجب طيب أردوغان بهدف الحفاظ على السلطة بالفوز بالانتخابات الرئاسية المقبلة.

 

واعتبر صويلو في مقاله الذي ترجمته "عربي21"، أن "الرئيس التركي يتحدى الأوضاع الاقتصادية الصعبة والتضخم في بلاده وزاد في الإنفاق الحكومي، ليشق طريقه للاحتفاظ بالسلطة، فقام برفع الأجور وحسّن الخدمات الاجتماعية للمواطنين".

 

وتاليا النص الكامل للمقال:

 

مع توجه تركيا نحو الانتخابات خلال عشرة شهور، يثبت الرئيس رجب طيب أردوغان أنه لن يستسلم بدون قتال، وذلك على الرغم مما يمر به البلد من أوضاع اقتصادية صعبة. 

لقد تجاوز التضخم في شهر آب/ أغسطس 80 بالمائة، واستمرت الليرة التركية في فقد قيمتها مقابل الدولار الأمريكي، حيث خسرت 27 بالمائة من قيمتها هذه السنة. إلا أن الاستطلاعات التي أجرتها مؤسسات مسحية مستقلة وكذلك تلك التي أجراها حزب العدالة والتنمية بنفسه، تشير إلى أن الحكومة ما فتئت خلال الشهور الأخيرة تكسب مزيداً من الدعم. ولقد شجع هذا التغير في مزاج الناخبين الحزب الحاكم على الاعتقاد بأن بإمكانه أن يفوز في الانتخابات الأخيرة. 

وحتى المراقبون الذين كانوا في البداية قد استبعدوا فرص أردوغان في النجاح، يعربون الآن عن اعتقادهم بأنه سيبقى في منصبه. فقد اشتهر عن الرئيس أن بإمكانه أن يأتي بالأعاجيب وأن يحرز تقدماً ملحوظاً في الحملات الانتخابية. وها هو هذه المرة يستخدم الورقة الشعبوية، من خلال رفع الأجور وتحسين الإنفاق الاجتماعي، وتحقيق اختراقات داخل مختلف قطاعات المجتمع. 

في شهر تموز/ يوليو، رفع أردوغان الأجور بمعدل 30 بالمائة، وهي خطوة استفاد منها ما يقرب من نصف القوى العاملة في البلاد والتي تقدر بنحو ثلاثين مليوناً. ثم عمدت حكومته إلى زيادة أجور العاملين في القطاع الحكومي بحوالي 42 بالمائة، بما عاد بالفائدة على نحو خمسة ملايين موظف حكومي. وما لبث القطاع الخاص أن سار على نفس النهج. 


وبعد ذلك بادرت حكومة أردوغان بإصلاح الأجور للعاملين في القطاع الصحي، وعفت عن الفوائد المفروضة على القروض الممنوحة للطلاب، وأطلقت خطة للإسكان غير المكلف لمن يرغبون في شراء بيت للمرة الأولى، وأوجدت نظاما يقدم قروضاً أقل تكلفة للمؤسسات التجارية – وكل ذلك ضمن تحركات استراتيجية الهدف منها استمالة كتل انتخابية بعينها. 

يصر أردوغان على أن معدلات الفائدة المنخفضة كلفته الكثير، ولكنه تمكن كذلك من الحصول على 7 إلى 10 مليارات دولار من روسيا لاحتياطيات تركيا المتناقصة لدى البنك المركزي، ويسعى للحصول على 20 مليار دولار من المملكة العربية السعودية لتمويل العجز الحالي في الحساب الجاري، والذي يعاني من وطأة الارتفاع الكبير في أسعار الطاقة. 

زيادة المساعدة الاجتماعية

لم يتوقف الرئيس التركي عند ذلك الحد، بل أعلن هذا الأسبوع عن حزمة مساعدات أخرى للمواطنين من ذوي الدخل المحدود، سوف تدفع الحكومة بموجبها 30 مليار ليرة تركية (ما يعادل 1.6 مليار دولار) لسداد القروض التي أخذها ما يزيد عن خمسة ملايين مواطن. كما سوف تستمر وزارة الطاقة في دعم فواتير الكهرباء والغاز، وهي السياسة التي من المحتمل أن تكلف 200 مليار ليرة (ما يعادل 11 مليار دولار) هذا العام. 

سوف تزيد وزارة العائلة المساعدة الاجتماعية لمن لا يتمكنون من سداد فواتيرهم. وسوف يتم التصديق على قانون جديد يسمح للناس من أصحاب "سن التقاعد المتأخر" بالتقاعد، وبذلك يتم إرضاء شريحة قوية ما لبثت تطالب بذلك منذ سنين. كما ستحول الحكومة مئات الآلاف من الوظائف التعاقدية إلى وظائف دائمة. 

في هذه الأثناء، ورغم الارتفاع الشديد في التضخم، نما الناتج المحلي الإجمالي لتركيا بنسبة 7.6 بالمائة في الربع الثاني من عام 2022، وذلك بفضل الإيرادات القوية من السياحة، وزيادة الصادرات، والضخ المالي الوارد من روسيا ومن الخليج – ولئن رافق ذلك عجز هائل في الميزان التجاري. 

تقول مصادر مقربة من الحكومة إن الحزب الحاكم سوف يستمر خلال العام القادم في رفع الحد الأدنى من الأجور وفي زيادة رواتب موظفي القطاع العام. وفي تصريح لموقع ميدل إيست آي، قال أحد هذه المصادر: "لقد تعود الناس على التضخم، والذي سوف يتباطأ في الشتاء. وكلما مضينا قدماً سوف تقل أهمية التضخم شيئاً فشيئاً. ومع كل هذه الخطوات، سوف يشعر الناس بتحسن في أوضاعهم المالية." 

وبالفعل، يعمل أردوغان على الوفاء بكل مطلب مالي واقتصادي شعبوي للناخبين على أمل الحفاظ على القاعدة الشعبية التي تؤيده. ما من شك في أن الشهور العشرة مدة طويلة، ولكن لا ينبغي استبعاده. 

بدأ المرشح الرئاسي الأكثر احتمالاً لدى المعارضة، زعيم حزب الشعب الجمهوري كمال قلجدار أوغلو، في الرد على هذه التحركات من خلال تسليط الضوء على جملة من القضايا التي تهم الجمهور العام. وبسبب انتقاداته حول ارتفاع فواتير الكهرباء، ونقص السكن الداخلي للطلاب، وارتفاع أسعار المركبات، والمشاكل المتعلقة بالتقاعد، أجبرت الحكومة على اتخاذ خطوات في هذه المجالات. 

وكان أردوغان قد قال ذات مرة: "قلجدار أوغلو فقط يتكلم وأنا أنجز"، وذلك فيما يبدو اعترافاً بأن الحكومة تتحرك بناء على ما يصدر عن زعيم المعارضة من تصريحات. علماً بأن شعبية قلجدار أوغلو تلحق سريعاً بشعبية أردوغان.

وثبة عقائدية

فيما عدا إثارة القضايا التي تهمه، لا يملك قلجدار أوغلو قدرات مالية مشابهة حتى يقدمها للجمهور، فيما عدا عبر البلديات التي تديرها المعارضة التي لديها إشكالات تتعلق بالميزانية. بالإضافة إلى ذلك، هناك قتال محتدم داخل المعارضة حول الاتفاق على مرشح مشترك: حيث لا ترغب المعارضة القومية التركية في التعاون مع حزب الشعوب الديمقراطي الموالي للكرد، بما يقطع الطريق على احتمال الاستفادة من حصتهم في الاقتراع التي تصل إلى 10 بالمائة من أصوات الناخبين، والتي تعتبر حيوية لمن يريد الفوز في السباق. 

في المقابل قام أردوغان بوثبة عقائدية من خلال حركة رمزية تقربه من طائفة العلويين الدينية، والتي يقدر تعداد أتباعها بما يقرب من خمسة ملايين نسمة. ومعروف عن العلويين تقليدياً أنهم خصوم لأردوغان ويميلون للتصويت لصالح حزب الشعب الجمهوري ولصالح الأحزاب اليسارية. 

فلأول مرة منذ عشرين عاماً، زار أردوغان في الشهر الماضي "بيت جمع"، وهو المكان الذي يؤدي فيه العلويون جماعة طقوسهم الدينية، حيث التقى برجال الدين فيهم. ثم حضر مهرجاناً علوياً لتكريم أحد أبطالهم الدينيين. في تلك الأثناء، بادرت وزارة الداخلية بمنح العلويين مناصب في الدولة. 

معروف عن أردوغان أنه سني ملتزم، وأنه ما فتئت لديه مشاكل مع العلويين، ولكنه لم يأل جهداً في تلبية مطالبهم. فسر ذلك من قبل الكثيرين في أنقرة بأنه محاولة لتشتيت صفوف المعارضة وتخفيف مشاعر العداء له في أوساط المجتمع العلوي – وهي شهادة لأردوغان بأنه براغماتي. 

يصعب الجزم بما إذا كان سيكسب الانتخابات القادمة في خضم كل التحديات الكبيرة التي تواجهها البلاد اقتصادياً وسياسياً. إلا أن شيئاً واحداً بات مؤكداً، ألا وهو أن أردوغان على استعداد لأن يكون مبدعاً ولأن يقدم المزيد من التنازلات، بينما تعاني المعارضة من قصور في الوحدة والاستراتيجية. 

وقد تتاح لأردوغان فرصة أخرى بفضل الكارثة التي تحيق بأوروبا بسبب أزمة الطاقة. ورغم أن ذلك قد يضر بالاقتصاد التركي، إلا أنه قد يعزز القطاع السياحي ويزيد من الطلب الأوروبي على الصادرات التركية، الأمر الذي سيساعد البلد على الاحتفاظ بنمو في ناتجه المحلي الإجمالي. وسيكون ذلك بمثابة المنحة التي تعود على البلاد بفضل ضخه للأموال في القطاع العام.