كتاب عربي 21

آفاق الوساطة التركية في النزاع الحكومي الليبي

1300x600

ما إن وضعت المواجهات المسلحة في العاصمة طرابلس أوزارها حتى بادرت تركيا بدعوة رؤوس النزاع الراهن في محاولة لاحتواء الأزمة والتمهيد لاتفاق يمنع الانزلاق إلى الحرب ويؤسس للانتخابات التي تمثل محور الاتفاق في الداخل والخارج.

لم يرشح عن أنقرة شيء بخصوص الوساطة بين أطراف النزاع الحكومي، فقد حضر رئيس حكومة الوحدة الوطنية، عبدالحميد ادبيبة، يرافقه محافظ المصرف المركزي، الصديق الكبير، وبعض الوزراء، فيما لم يصحب رئيس الحكومة الليبية المكلفة من مجلس النواب، فتحي باشاغا، مسؤولون بحكومته، وتناقلت مواقع التواصل الاجتماعي أن مرافقيه كانوا من حلفائه السياسيين في الحزب الديمقراطي.

تم توثيق الزيارة مع حكومة الوحدة الوطنية ونشر صور تجمع الرئيس أردوغان مع ادبيبة ولم يقع شيء ممثال مع باشاغا، باعتبار أن أنقرة تعترف فقط بحكومة الوحدة الوطنية كحكومة شرعية، وهذا كفيل بإفشال الوساطة وذلك بالنظر إلى اعتداد باشاغا بنفسه ومنصبه وأنه الممثل الشرعي للسلطة التنفيذية في ليبيا، ولكن يبدو أن آثار المواجهات التي وقعت مؤخرا في طرابلس والتي انتهت إلى إخفاق باشاغا وحلفائه في فرض أمر واقع جديد بها خفض سقف التوقعات وهيأ باشاغا وحلفاءه للقبول بهذا الوضع.

ادبيبة بدا معتدا بحكومته كثيرا وتحدث، عقب اجتماعه مع أردوغان، عن اتفاق على خارطة طريق للانتخابات، وأن أنقرة تعتبره المسؤول عن الإشراف على الانتخابات، وأنه لا مكان لحكومة باشاغا في المشهد، ويبدو أن هناك لبسا، فقراءة التطورات في المشهد السياسي داخليا وخارجيا يشير إلى رغبة واستعداد تركي للتقارب مع جبهة طبرق ـ الرجمة والتفاهم مع مصر فيما يتعلق بالملف الليبي، وإذا كان هذا التفسير واقعيا فإن أنقرة ستجد صعوبة في تطوير علاقاتها مع جبهة طبرق ـ الرجمة ومن خلفهما القاهرة مع الإصرار على تسليم عهدة الانتخابات لحكومة الوحدة الوطنية.

 

يمكن أن يكون خيار التوافق على حكومة ثالثة هو ما يجمع أكثر الفاعلين في الجبهتين، الغربية والشرقية، وقد تحدثت بعض المصادر المطلعة أنه طرح على طاولة البحث عن مخرج للنزاع الحكومي في أنقرة، ولقد كان هذا الخيار ممكنا قبل المواجهات الأخيرة والرفض يبدو أنه جاء من باشاغا، اليوم وبعد تغير أوزان أطراف المعادلة السياسية والأمنية كنتيجة للمواجهات الأخيرة في العاصمة، قد يأتي التعنت من ادبيبة.

 



هذا الاتجاه في رسم ملامح المشهد الليبي والذي عبر عنه ادبيبة في تصريحاته الصحفية عقب زيارته لتركيا محتمل في حالة واحدة وهي مزيد من التقارب بين ادبيبة وحفتر على غرار ما وقع في ملف النفط من تعيين فرحات بن قدارة كرئيس للمؤسسة الوطنية للنفط في مقابل فتح الحقول والموانئ.

ما يعزز هذا السيناريو هو فشل التعويل على باشاغا في تغيير المعادلة وتمكين حفتر من القرار العسكري والمالي، فالمواجهات الأخيرة ربما حسمت موضوع دخول الحكومة المدعومة من طبرق والرجمة لطرابلس وأنهت الأمل في تحقيقه.

ولأن البدائل باتت محدودة جدا أمام حفتر، فهو لا يستطيع معاودة الكرة والهجوم على العاصمة، فالنتيجة معلومة سلفا، وإذا فعل فستكون ربما الضربة القاضية، فليس أمامه إلا جرعة إضافية من البراغماتية ومحاولة تحصيل بعض ما كان يأمل في تحصيله بدعمه لباشاغا من خلال مزيد من التقارب مع ادبيبة.

موقف مجلس النواب غير واضح حتى هذه الساعة، لكن المجلس لن يستمر في تماسكه تجاه حكومة باشاغا، وقد تحدث عدد من أعضائه بما يفيد أن اتجاها ولو محدودا ضمن مجلس النواب يريد البحث عن بديل والتوافق على شخصية أخرى لرئاسة الحكومة.

إلا إن تحرك رئيس مجلس النواب، عقيلة صالح، خاصة الشق المعني بإعادة تشكيل المحكمة العليا وضرورة أن تعقد اجتماعتها بمدينة البيضاء شرق البلاد يشير إلى استمراره في مواقفه المتصلبة، والاستعداد لمرحلة جديدة من الصراع مع الجبهة الغربية يضمن فيها دعم القضاء له بعد أن خالفته المحكمة العليا وتوافق مستشاروها على إعادة تفعيل الدائرة الدستورية المعنية بالفصل في النزاعات ذات الطابع الدستوري والقانوني والتي يتعلق العديد منها بقرارات مجلس النواب.

أمام هذا الصخب والتجاذب يمكن أن يكون خيار التوافق على حكومة ثالثة هو ما يجمع أكثر الفاعلين في الجبهتين، الغربية والشرقية، وقد تحدثت بعض المصادر المطلعة أنه طرح على طاولة البحث عن مخرج للنزاع الحكومي في أنقرة، ولقد كان هذا الخيار ممكنا قبل المواجهات الأخيرة والرفض يبدو أنه جاء من باشاغا، اليوم وبعد تغير أوزان أطراف المعادلة السياسية والأمنية كنتيجة للمواجهات الأخيرة في العاصمة، قد يأتي التعنت من ادبيبة.