صحافة دولية

رئيس وزراء بريطاني أسبق: "فقر الوقود" يخلق جيلا منسيا

براون رئيس وزراء أسبق من حزب العمال البريطاني- حسابه في "تويتر"

حذر رئيس الوزراء البريطاني الأسبق، غوردن براون، في مقال له نشره في صحيفة "الغارديان"، من الوضع الاقتصادي المتأزم في المملكة المتحدة لا سيما بسبب ما أسماه "فقر الوقود".

 

ودق براون من حزب العمال، أجراس الإنذار بشأن خلق جيل منسي لن يتعافى أبدا من التشوهات بسبب الوضع الاقتصادي بعد الأزمات المتلاحقة - أبرزها كورونا والحرب الأوكرانية.

 

وقال إن "الذهاب إلى ميزانية طوارئ، الطريقة الوحيدة القادرة على الحيلولة دون وقوع ملايين العائلات في الفقر، الذي ستنال تداعياته من أبنائهم لعقود قادمة".

 

اقرأ أيضا: ارتفاع التضخم السنوي في بريطانيا إلى 9.4 بالمئة
 
وتاليا النص الكامل للمقال كما ترجمته "عربي21":


كلما ازدادت سخونة انتخابات زعامة حزب المحافظين، زاد لجوء المرشحين الباقين إلى ادعاء الالتزام الأخلاقي، حيث يقول ريشي سوناك، إن رفع المديونية "غير أخلاقي"، بينما تقول ليز تراس إن "زيادة الضرائب أمر غير أخلاقي". ولكن لا يوجد ما هو أخلاقي في سلوك زعماء غير مبالين، يحكمون على ملايين الأطفال والمسنين الأبرياء والمعرضين للخطر باستقبال شتاء فقر مدقع.
 
والواقع كئيب ولا سبيل لإنكاره، إذ لا مفر من انفجار قنبلة مالية في وجه العائلات البريطانية في شهر أكتوبر عندما يتم رفع أسعار الوقود للمرة الثانية خلال أقل من ستة أشهر، وحينها ستضرب أمواج من الصدمات كل واحد من البيوت، الأمر الذي سيدفع بالملايين إلى الهاوية.

 

وقبل بضعة أشهر، قدر جوناثان برادشو وأنطونيا كيانغ في جامعة نيويورك، أن ارتفاع أسعار الوقود الذي حصل في شهر نيسان/ أبريل، وبلغ 54 بالمائة، سوف يلقي بما يقرب من 27 مليون نسمة يعيشون في 10 ملايين منزل إلى أتون فقر الوقود.

 

الآن، بات 35 مليون نسمة في 13 مليون بيت –أي ما نسبته 49.6 بالمائة من سكان بريطانيا، وهو أمر غير مسبوق على الإطلاق– مهددين بفقر الوقود في تشرين الأول/ أكتوبر.
 
ومع نفاد الوقت المتاح لتحديث النظام العالمي لسداد الديون قبل الارتفاع المتوقع في شهر تشرين الأول/ أكتوبر المقبل، يتوجب على بوريس جونسون وسوناك وتراس الاتفاق هذا الأسبوع على ميزانية طوارئ.

 

وإذا لم يفعلوا، فإنه سوف يتوجب دعوة البرلمان للانعقاد لإجبارهم على فعل ذلك. لأنه إذا لم يحدث شيء قبل الارتفاع القادم في أسعار الوقود، والذي سيشعر الناس بوطأته في كانون الثاني/ يناير، فإن عدد فقراء الوقود سوف يرتفع إلى 39 مليون نسمة يقطنون 15 مليون بيت، أي ما يقرب من 54 بالمائة من سكان البلاد، مع تباينات مناطقية كبيرة تتراوح ما بين 48 بالمائة في لندن و60.8 بالمائة في ويلز إلى 62 بالمائة في سكوتلاند.

 

وبالمجمل، سوف يكون أربعة من كل خمسة منازل تقطنها أسرة بعائل واحد، أو يقطنها مسنون، أو عائلات كبيرة، عرضة للوقوع في فقر الوقود. وسيبلغ الأمر المدى الذي تصل فيه فاتورة الوقود إلى ما يقرب من ثلث قيمة التقاعد الرسمي.

 

في بداية الجائحة، لم يكن باستطاعة 40 بالمائة من الأطفال الحصول على ما قدرت جامعة لافبره أنه المطلوب من أجل تحقيق مستوى معيشي كريم. وبجرة قلم، سوف يصبح أكثر من 50 بالمائة من الأطفال – أي 7 ملايين نسمة، حسب تقديراتي – ضمن عائلات ستكون مضطرة للتخلي عن الضرورات المادية. وبالنسبة للعائلات الأفقر، التي تقدر نسبتها بحوالي 10 بالمائة، يمكن للغذاء والوقود أن يستحوذ على الغالبية العظمى من النفقات الأسبوعية بعد التكاليف المنزلية.
 
والسبب في تفاقم مشكلة الفقر بهذه السرعة الشديدة هو تكشف ميزانية حزيران/ يونيو، حيث لم يقتصر الأمر على سوء تقدير من الوزراء الذين قدروا متوسط ارتفاع أسعار الطاقة في السنة القادمة بما يقرب من 500 جنيه إسترليني، بل أيضا على الإعلان عن دفعات مالية موحدة، دون الأخذ بالاعتبار حجم العائلة أو احتياجاتها الخاصة، وبذلك لم يتم تعويض العائلات الكبيرة ولا العائلات التي تشتمل على أفراد يعانون من إعاقات.

 

وبناء عليه، ورغم أن دفع 650 جنيها للمستفيدين من الدعم الحكومي لذوي الدخل المحدود يعني تلقي كل فرد من أفراد هذه الشريحة 13 جنيها إضافية في الأسبوع، فإن ذلك كان بمثابة دفع 2.60 جنيه أسبوعيا لكل زوج لديهم ثلاثة أطفال – وهذا غير كاف لدفع تكاليف الضروريات التي تحتاجها عائلة في طور النمو.

 

وعلى مدى أجيال، لم تلبث الدولة الرعوية تمارس دورا يرفع عن أصحاب الحاجات عبء الشعور بالعار. والآن، ومع انتشار الثقوب في شبكة الأمان، فإن مصارف الغذاء –وليس وزارة الأشغال والتقاعد– هي التي أصبحت شريان الحياة، وباتت الصدقات، وليس الدعم الحكومي للأسر محدودة الدخل، هو آخر خطوط الدفاع. وفي مقاطعة فيف، حيث مسقط رأسي، بت أرى مشاهد تذكر بما كنت قد قرأت عنه من جوع ضرب المجتمع في الثلاثينيات – حينما كان الأطفال يذهبون إلى المدارس وهم يعانون من المرض وسوء التغذية، وكان المسنون يجدون أنفسهم بين خيارين، إما أن يدفعوا تكاليف الكهرباء أو يشتروا لأنفسهم ما يحتاجونه من غذاء، وكان الممرضون والممرضات يتركون مرضاهم في أسرتهم بعد الانتهاء من دورية عمل شاق على مدار الساعة طوال الليل لكي يصطفوا في طوابير طويلة أمام مصارف الطعام.

 

اقرأ أيضا: ارتفاع الأسعار سيُدخل ربع مليار إنسان بدائرة الفقر المدقع
 

وتقوم الجمعيات الخيرية المحلية حاليا بتجميع البطانيات والأغطية ومستلزمات النوم وأوعية الماء الساخن استعداداً لأسوأ شتاء في الذاكرة. أخبرتني الكنائس أنها سوف تسمح باستخدام قاعاتها الدافئة كمراكز للتسخين، ويتساءل الأطباء عن كيفية استخدام التوصيف الاجتماعي لمساعدة الأطفال الذين يعانون من سوء التغذية وحماية المسنين من التجمد.

 

تدير مقاطعة "فيف" مخزنا ضخما يجمع ما بين استخدامات مصرف الغذاء، ومستودع الأغطية ومستلزمات النوم، ومصرف الألبسة، ومصرف المستلزمات الصحية، ومصرف احتياجات الرضع، ومصرف الوقود، كل ذلك دفعة واحدة. وبمساعدة مخازن أمازون المجاورة واثني عشر شركة محلية، تلقت ثلاثون ألف عائلة حتى الآن هذا العام ما يقرب من 200 ألف سلعة قيمتها الإجمالية 4 ملايين جنيه إسترليني، تتراوح ما بين الأغذية المعلبة والملابس المدرسية وأجهزة المايكرويف والأسرة.
 
ولكننا نعلم أن الصدقات لا تفي بالغرض. فالفقر يضرب الآن بقسوة شديدة حتى بات فوق طاقة أوسع وأكرم تحالف للمتصدقين وللمنظمات الطوعية، فما عاد بإمكانها مجتمعة التخفيف من المعاناة. وفي مجتمعات مثل مجتمعي أنا، حيث يتبرع من لا يملكون الكثير، بسخاء منقطع النظير، لصالح المعدمين تماماً، فقد بات جمع التبرعات أشد صعوبة.
 
وبلغت خطورة الأمر أن مجموعة تتكون من أكثر من 60 كنيسة ومجموعة دينية ومنظمة غير حكومية ومجلسا بلديا، اجتمعت اليوم معا لمطالبة الحكومة بتجسير الهوة الآخذة في الاتساع بين الحاجة من جهة وبين ما هو متوفر من جهة أخرى. ونعلم التداعيات قصيرة المدى للفقر المتزايد – مزيد من الصدمات، مزيد من العائلات المنفرطة، مزيد من التشرد، ومزيد من الأطفال الذين انتهى بهم المطاف في دور الرعاية.. وكل ذلك، ونظراً لأنه لا يوجد من ضمن أهداف الحكومة تقليص الفقر، يجعل غاية "إزالة الفجوات" مجرد شعار لا معنى له بدلاً من أن يكون استراتيجية حقيقية.
 
إلا أن التشوهات النفسية الناجمة عن الفقر عميقة للغاية. فأنا ألتقي بأمهات يشعرن بالعار لأنهن لا يتمكن من القيام بالحد الأدنى، ناهيك عن أن يقدمن الأفضل، لأطفالهن. أجبرت إحداهن على إبقاء ولدها خارج المدرسة لأنها غير قادرة على شراء ملابس مدرسية ولا أحذية جديدة لابنها الذي ينمو بسرعة ويقترب من سن المراهقة.

 

وثمة أخرى تخزى من السماح لأطفالها بدعوة أقرانهم إلى البيت لأنه في حالة يرثى لها. هناك أطفال لا يملكون ملابس ولا يحصلون على مصروف يومي يمكنهم من الخروج مع أقرانهم، ولا يتمكنون من المشاركة في النشاطات الرياضية داخل المدرسة لأنهم لا يملكون الأدوات المطلوبة، وفي الوقت ذاته لا يستطيعون المشاركة في أندية ما بعد المدرسة إذا ما تطلبت مثل هذه المشاركة دفع رسم معين مهما كان بسيطاً للمساهمة في تغطية التكاليف.
 
وكلنا لدينا تجارب يتخللها تفويت فرص ما –مثل ألا يتمكن المرء من المشاركة في رحلة أو نشاط مدرسي– مما يكون له أثر طيب علينا على المدى البعيد. ولكن فوات الفرص عندما يصبح أمرا منتظما وليس حدثا فريدا ومنعزلا، فإنه يمكن أن ينجم عنه تدمير ثقة المرء بذاته وبمن حوله، ويحمل في طياته إحساساً بالحرج، والوحدة والامتهان.

 

وتبقى الجراح الناجمة عن الإقصاء مدى الحياة –وتتمثل في الشعور بأنك لن ترقى إلى مستويات الآخرين من جيرانك ومعارفك، وقد يؤدي ذلك إلى امتناع المرء عن الانضمام إلى الآخرين في مجموعات كبيرة أو عن المشاركة في نشاطات مجتمعية عامة، كما أنه يورث ارتيابا في الأوضاع كلها، ويترك شعورا بانعدام الأمن والأمان.

 

فكيف حينما تشكل بريطانيا جيلا من الفتيان والفتيات الذين يشعرون بالخذلان، لا يملكون المال الذي يمكنهم من المشاركة فيما يمارسه أصدقاؤهم من نشاطات، وتتحول طفولتهم إلى مشاهد تحاكي تلك التي تصورها روايات تشارلز ديكنز.
 
أجندتنا ليست معقدة، فهي عبارة عن استراتيجية تهدف إلى إنهاء الفقر العائلي، من شأنها أن تثبت كيف يمكن لمجتمع رحيم أن يتخذ ما هو ضروري من إجراءات، وكيف لا يمكن أن يخطر بباله ألا يفعل ذلك... عندما كنت وزيراً للمالية، حددت حكومتنا لنفسها هدفا –وغيرت نظام المعونات– لإنهاء فقر الأطفال داخل جيل بأسره.

 

سوف أكرس طاقتي هذا الشتاء للقتال من أجل بث الروح من جديد في هدف تقليص فقر الطفولة، وهو الهدف الذي تخلت الحكومة الحالية عنه. ولكننا سوف نطالب كذلك بالقيام بإجراءات تخلص بريطانيا تماماً من الفقر وتعوض الناس عن القسوة التي غدت في القلب من سلطة ليست منعدمة الكفاءة فقط وتنقصها الحساسية، بل وغير أخلاقية كذلك.