آراء ثقافية

بعير العرب طربت قبل أبقار هولندا بثلاثة آلاف سنة

سبق العرب الهولنديين بثلاثة آلاف سنة فحدوا للإبل- أ ف ب/أرشيفية

وقع أن اشترى أحد أقربائي بقرة هولندية بعد إعلانات كبيرة عن درّها اللبن الكثير، لكنها ما لبثت أن ماتت قهرا وكمدا، فلم يكن الطعام طعامها، أما الموسيقى التي نشأت عليها فلم تسمع موسيقى قط منذ أن غادرت متردم هولندا.

 

وقد دعا رئيس النظام المصري، عبد الفتاح السيسي، المصريين إلى "الانتداب الهولندي"، وبيع أبقارهم الصبورة وجواميسهم الجليدة، لشراء أبقار هولندية غالية الثمن، لها صمامات في جلدها.

 

ويتوقع خبراء الاقتصاد الحيواني أن تصير إلى مذبحة بقرية كمذبحة المماليك بإسماعها خطب رئيس النظام المصري، وليست موسيقى الأبقار الهولندية التي يفاخرون بها بدعا من علم جديد فقد سبق العرب الهولنديين بثلاثة آلاف سنة فحدوا للإبل.

نقل ابن رشيق في "العمدة": أن أصل الحداء عندهم من النصب، وهو غناء الركبان والفتيان، اشتقه رجل من كلب يقال له جناب بن عبد الله بن هبل، فسمي لذلك: الغناء الجنابي، وكله يخرج من أصل الطويل في العروض وهو لا يريد إلا الحداء المنظم الموزون الذي جروا عليه أخيرًا صنعة لا فطرة فيها، وقال في موضع آخر: ويقال إن أول من أخذ في ترجيع الحداء، مضر بن نزار؛ فإنه سقط عن جمل فانكسرت يده، فحملوه وهو يقول، وايداه! وايداه! وكان أحسن خلق الله جرمًا وصوتًا، فأصغت الإبل إليه وجدت في السير، فجعلت العرب مثالًا لقوله "هايدا هايدا" يحدون به الإبل. وقالوا في أصل الحداء غير ذلك، ولكنهم لم يرجعوه إلى ما قبل زمن مضر، وهي أقوال لا دليل عليها، وإنما جاءوا بها تأويلًا للفظ الحداء عند العرب.

ومن أقوال العرب في الحداء قول أعرابي: إن جليسه لطيب عشرته أطرب من الإبل على الحداء، والثمل على الغناء.

 

سلام الحادي: ألفيس بريسلي الإبل

جاء في كتاب ثمار القلوب:

 

وَلما زَالَ أَمر مَرْوَان أَتَى الْمَنْصُور بخواص مَرْوَان وَفِيهِمْ عبد الحميد والبعلبكي الْمُؤَذّن وَسَلام الحادي فهم بِقَتْلِهِم جَمِيعًا فَقَالَ سَلام استبقني يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ فإني أحسن الحداء قَالَ وَمَا بلغ من حدائك قَالَ تعمد إِلَى إبل فتظمئها ثَلَاثَة أيام ثمَّ توردها المَاء فَإِذا بدأت تشرب رفعت صوتي بالحداء فَترفع رؤوسها وَتَدَع الشّرْب ثمَّ لَا تشرب حَتَّى أسكت فَأمر الْمَنْصُور بِإِبِل فَفعل بهَا ذَلِك فَكَانَ الْأَمر كَمَا قَالَ فاستبقاه وَأَجَازَهُ وأجرى عَلَيْهِ وَقَالَ لَهُ البعلبكي استبقني يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ فإني مُؤذن مُنْقَطع القرين قَالَ وَمَا بلغ من أذانك قَالَ تَأمر جَارِيَة فَتقدم إِلَيْك طستا وَتَأْخُذ بِيَدِهَا إبريقا وتصب المَاء على يدك فأبتدي بِالْأَذَانِ فتدهش وَيذْهب عقلهَا إِذا سَمِعت أذاني حَتَّى تلقي الإبريق من يَدهَا وهي لَا تعلم فَأمر الْمَنْصُور جَارِيَة فَفعلت ذَلِك وَأخذ البعلبكي في الْأَذَان فَكَانَت حَالهَا كَمَا وصف وَقَالَ عبد الحميد يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ استبقني فإني فَرد الزَّمَان في الْكِتَابَة والبلاغة فَقَالَ مَا أعرفني بك أَنْت الذي فعلت بِنَا الأفاعيل وعملت لنا الدواهي وَأمر بِهِ فَقطعت يَدَاهُ وَرجلَاهُ وَضربت عُنُقه.

وللمنصور قصة أخرى مع سلام الحادي حدا لإبله مرة فطرب المنصور حتى فحص بقدميه الرحل، وكان معروفا بالبخل، فقال لربيع (يقابل عباس كامل في مصر وأبي سليم في سوريا لأسد): يَا ربيع؛ أعْطه نصف دِرْهَم؛ فَقَالَ سلم: نصف درهمٍ يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ؟ وَالله لقد حدوت لهشامٍ فَأمر لي بِثَلَاثِينَ ألف دِرْهَم؛ فَقَالَ لَهُ الْمَنْصُور: مَا كَانَ لَهُ أَن يعطيك ثَلَاثِينَ ألف درهمٍ من بَيت مَال الْمُسلمين. يَا ربيع، وكل بِهِ من يسْتَخْرج مِنْهُ هَذَا المَال. قَالَ الرّبيع: فَمَا زلت أَسْفر بَينهمَا حَتَّى شَرط عَلَيْهِ أَلا يلْزمه مؤونةً فِي خُرُوجه وقفوله، ويحدو لَهُ من غير مؤونة. مجانا يعني.

مولى النبي عليه الصلاة والسلام:

أما أَنْجَشَة وَكَانَ حَادِيًا للجمال، ومن مواليه، وَهُوَ الَّذِي قَالَ لَهُ النبي وكان حدا بإبله: (رويدك يَا أَنْجَشَة رفقا بِالْقَوَارِيرِ).

وهي من جوامع كلم النبي عليه الصلاة والسلام وأمثاله، سمي النساء قوارير لضعف عزائمهن تشبيها بقارورة الزجاج لضعفها وإسراع الانكسار إليها، واختلف العلماء في المراد بتسميتهن قوارير على قولين ذكرهما القاضي وغيره أصحهما عند القاضي وآخرين، وهو الّذي جزم به الهروي وصاحب «التحرير» وآخرون أن معناه: أن أنجشة كان حسن الصوت وكان يحدو بهن وينشد شيئا من القريض والرجز وما فيه تشبيب، فلم يأمن أن يفتنهن ويقع في قلوبهن حداؤه، فأمره بالكفِّ عن ذلك.

ونجد في كتاب الحيوان للجاحظ مقالا عن أثر الصوت في الحيوان:

وأمر الصوت عجب، منه ما يقتل كصوت الصاعقة، ومنه ما يسر ويبهج حتى يرقص، ومنه ما يقلق، ومنه ما يبكي، ومنه ما يزيل ينومون الصبيان، ويسقون الدواب بالصفير، وتصر آذانها إذا غنى المكارى، وتزيد الإبل في مشيها ونشاطها إذا حدا بها الحادي، ويستخرج به الحية من جحرها، فيظن العامة أن ذلك إنما يكون بالرقى، وليس كذلك، ولكن للصوت في طباعها تأثير، والرعد الشديد إذا وافق سباحة السمكة في أعلى الماء رمت بيضها، والحمامة ربما رمت بيضها قبل الأجل، وتسمع الرعد فيتعضل عليها أياما بعد طول الأجل، وإذا قلت الرعود في السنة قلت الكمأة فيها، وأهل البطائح يبنون حظيرة في الماء، ويصيحون حولها فيجتمع السمك إليها حتى تمتلئ.

"وقد علم أن لين القول أنجع قبولًا، وهو من أدب كليم الله إذ بعثه إلى فرعون رسولًا، ألا ترى أن الحداء يبلغ من المطايا بلطفه، ما لا يبلغه السوط على عنفه".


وبعض هذا المعنى مأخوذ من شعر أبي تمام: وخذهم بالرُّقَى إن المهارى ... يُهَيِّجُهَا على السير الحُدَاءُ


ونختم بحكاية أبي بكر محمد بن داود الدينوري المعروف بالرّقى، قال:


كنت في البادية فوافيت قبيلة من قبائل العرب فأضافني رجل منهم وأدخلني خباء فرأيت في الخباء عبدا أسود مقيّدا بقيد، ورأيت جمالا قد ماتت بين يدي البيت وقد بقي منها جمل وهو ناحل ذابل كأنه ينزع روحه. فقال لي الغلام:

أنت ضيف ولك حقّ فتشفّع في حقي إلى مولاي فإنه مكرم لضيفه فلا يردّ شفاعتك فعساه يحلّ القيد عنّي. فلما أحضروا الطعام امتنعت وقلت: لا آكل ما لم أشفّع في هذا العبد.

فقال: إن هذا العبد قد أفقرني وأهلك جميع مالي.

فقلت: ماذا فعل؟ فقال: إن له صوتا طيّبا، وأني كنت أعيش من ظهور هذه الجمال فحمّلها أحمالا ثقالا وكان يحدو بها حتى قطعت مسيرة ثلاث ليال في ليلة من طيب نغمته فلما حطّت أحمالها موّتت كلّها إلا هذا الجمل الواحد، ولكن أنت ضيفي فلكرامتك قد وهبته لك.

قال: فأحببت أن أسمع صوته، فلما أصبحنا أمره أن يحدو على جمل يستقى الماء من بئر هناك، فلما رفع صوته هام ذلك الجمل وقطع حباله ووقعت أنا على وجهي، فما أظنّ أني قط سمعت صوتا أطيب منه.