قضايا وآراء

علاقات "حماس" الخارجية.. للضرورة أحكام

1300x600

بعيدًا عن جلوس رئيس المكتب السياسي لحركة "حماس" إسماعيل هنية في المقصورة الشرفية لاحتفالات الثورة الجزائرية في ذكراها الستين وما لها من دلالات مهمة على صعيد القيمة التي يمثلها هنية بصفته زعيما لأكبر فصيل فلسطيني مقاوم وموازاته برؤساء دول وحكومات آخرين دعتهم القيادة الجزائرية للمشاركة في ذكرى استقلال البلاد.

وبغض النظر عن الصور التي جمعت هنية ومن معه برئيس السلطة محمود عباس ومن معه على هامش الاحتفالات، والتي بيّنت أن الفريقين قد اجتمعا على مضض وبضغط واضح من الرئيس عبد المجيد تبون الذي أراد من خلالها أن يظهر بإنجاز في القضية الفلسطينية ولو كان شكليًّا، باعتبار أنها قضية مركزية في الشرق الأوسط وأن من يتبناها يزيد تأثيره في المنطقة، وعليه فلا يمكن الحديث عن مصالحة مرة أخرى، لعدة اعتبارات أبرزها إجراءات السلطة التعسفية وتنسيقها الأمني في الضفة وسلخ نفسها عن الشعب، من جهة، ومن جهة أخرى نجاح حماس في لم الفلسطينيين حول مشروعها المقاوم.

ولذلك فإن الشيء المهم الذي يمكن الحديث عنه هو أن "حماس" وجدت نفسها بعد سيف القدس تصنع الحدث، وأضحت لاعبًا مؤثرًا في المنطقة وهو ما حتّم عليها أن تخوض غمار السياسة ودهاليزها بطريقة أفضل، وأن تحسّن شبكة علاقاتها الخارجية ليكون لها موطئ قدم في المعادلات السياسية الجديدة، خاصة في ظل الحديث عن تشكيل حلف جديد في المنطقة بمباركة أمريكية وإسرائيلية هدفه مواجهة إيران وحلفائها.

هذا الحلف الجديد الذي تنوي بعض الدول العربية إنشاءه جاء خطوة تالية لاتفاقات أبراهام التطبيعية مع الاحتلال الإسرائيلي، وبات هدفه واضحًا للعيان وهو حفظ أمن الكيان ومواجهة حلف المقاومة الذي يضم إيران وسوريا وحزب الله وحركات المقاومة والتحرر في المنطقة العربية.

 

جاءت تلبية "حماس" لدعوة الرئيس الجزائري، فمن جهة أرادت تصدير موقفها الذي يتبنى المقاومة، ومن جهة أخرى تحاول أن تزيد من شبكة علاقاتها الخارجية والدبلوماسية مع كل المناهضين لمشروع التطبيع مع الاحتلال والذي تبنته الجزائر في القارة الإفريقية،

 



وبالرجوع إلى الوراء قليلا، يمكن القول إن "حماس" شعرت أنها وحيدة بعد أعوام "الثورات العربية" فقد خسرت علاقاتها بسوريا عقب خروجها من دمشق عام 2011 وعلى إثرها تضعضعت العلاقة مع إيران وحزب الله، ثم تلاها انتهاء حكم الرئيس المصري الراحل محمد مرسي الذي كانت تعوّل عليه في ذاك الوقت، ما جعلها تعيد ترتيب أولوياتها وعلاقاتها الخارجية، فتبنت سياسة تقوية وتعزيز تحالفاتها الإقليمية في مواجهة التحديات التي تواجهها بالمنطقة.

وفي هذا السياق جاءت تلبية "حماس" لدعوة الرئيس الجزائري، فمن جهة أرادت تصدير موقفها الذي يتبنى المقاومة، ومن جهة أخرى تحاول أن تزيد من شبكة علاقاتها الخارجية والدبلوماسية مع كل المناهضين لمشروع التطبيع مع الاحتلال والذي تبنته الجزائر في القارة الإفريقية، فـ "حماس" تدرك تمامًا أن الجهود المشتركة التي تحاول أمريكا وإسرائيل فرضها على المنطقة لا تجابه إلا من خلال جهود مشتركة مضادة.

ولذات السبب ـ برأيي ـ اتجهت الحركة لتحسين علاقاتها مع النظام السوري، خاصة مع وضوح حالة الاستقطاب والمحاور التي تفرض نفسها، في ظل التحولات الإقليمية وسرعة قطار التطبيع بين بعض الأنظمة العربية مع الاحتلال الإسرائيلي، وهذا ما يدل على نضوج حماس السياسي وفهمها للبيئة الواقعية التي تحيط بها، وإدراكها أنها بحاجة لبناء علاقات ممتدة وقوية ومتوازنة مع مختلف الدول، وعلى رأسها التي تعلن العداء مع الاحتلال.

ومن الأهمية بمكان الإشارة إلى أن التهديد الرئيسي للاحتلال في المنطقة هو حلف المقاومة والذي من ضمنه سوريا، لذلك كان ضروريًا على حماس أن تعيد العلاقة معها؛ لتشكل قاعدة صلبة على أرضية جغرافية تمتد من إيران إلى العراق مرورًا بسوريا وانتهاء بلبنان يمكن أن يبنى ويتطور عليها، وكذلك لتستطيع مجابهة معسكر الناتو الجديد الذي ترعاه أمريكا لحماية إسرائيل في المنطقة.

وعليه فإن بناء مثل هذه العلاقات خطوة هامة على طريق مواجهة محاولات التضييق التي تتعرض لها "حماس" وإفشال أي خطوات لحصارها، ومن المتوقع أن تستثمر قيادة حماس وجود وزير الخارجية السوري فيصل المقداد ومشاركته في احتفالات الثورة الجزائرية في أن تعقد معه لقاءات تمهيدية تسبق العودة الرسمية للعلاقات.

بالمناسبة فإن عددًا لا بأس به من الأنظمة العربية أعادت العلاقات الرسمية مع سوريا، وهو ما يجعل عودتها إلى الجامعة العربية قريبة جدا، ولا أستبعد أن تكون حاضرة في تشرين الثاني (نوفمبر) المقبل في القمة العربية المرتقبة بالجزائر، التي لم تقطع العلاقة معها أصلًا، وفي حال نجحت "حماس" في إعادة علاقتها مع النظام السوري، فإنها بذلك قد كسبت صوتًا جديدًا يتبنى فكرتها وينقل صوتها في المنطقة العربية.