اقتصاد عربي

مصر تعتزم بيع 65% من أصول الدولة.. وشكوك حول الجدوى

ما يقرب من 50 بالمائة من الناتج المحلي الإجمالي يتكون من أصول تملكها الدولة المصرية- جيتي

شكك خبراء اقتصاد في قدرة الحكومة المصرية على الاستفادة من خطط بيع أكثر من 65 بالمئة من أصول الدولة إلى القطاع الخاص، وكذلك قدرتها على إعادة الثقة للمناخ الاستثماري المحلي، وفقا لموقع "ميدل إيست آي".


وقال الموقع البريطاني في تقرير ترجمته "عربي21": "بينما تسعى مصر للحصول على قرضها الثاني من صندوق النقد الدولي خلال ستة أعوام، تهدف سياسة جديدة إلى التنازل عن أكثر من 65 بالمائة من الاقتصاد للقطاع الخاص لجذب الاستثمارات".
  
وبحسب الموقع، فقد قوبل اقتراح تقدمت به الحكومة المصرية لمضاعفة النصيب الحالي للقطاع الخاص في الاقتصاد بعين الريبة بينما يعاني البلد من تداعيات وآثار الحرب الروسية الأوكرانية.
 
تعتبر الوثيقة، التي تحمل عنوان "إجراءات ملكية الدولة"، وكشفت عنها الحكومة الشهر الماضي، المحاولة الأخير من قبل القاهرة لإعادة الثقة للمناخ الاستثماري المحلي وإقناع المستثمرين بضخ مليارات الدولارات في مصر.
 
تقول الحكومة إن الغاية النهاية من تلك الإجراءات هو رؤية القطاع الخاص يتحكم بما يزيد على 65 بالمائة من الاقتصاد بدلاً من 30 بالمائة كما هو عليه الحال الآن.
 
ولذلك فقد أعدت أصولاً ومشاريع تصل قيمتها إلى 40 مليار دولار إما أنها ستباع للقطاع الخاص أو تعرض للشراكة خلال السنوات الثلاث القادمة.
 
وتتضمن تعهدات من قبل الحكومة بالتنازل عن التحكم ببعض القطاعات في الاقتصاد لصالح القطاع الخاص، بما في ذلك قطاعات النقل والاتصالات والكهرباء والعقارات والمجاري ومياه الشرب.
 
ستقوم الحكومة بذلك من خلال بيع بعض الأصول والسماح للقطاع الخاص بالمشاركة في إدارة قطاعات أخرى. فعلى سبيل المثال، سوف يسمح للقطاع الخاص بتصميم وبناء وتشغيل شبكات الكهرباء والمجاري للمرة الأولى.
 
تقدمت مصر مؤخراً بطلب للحصول على قرض جديد من صندوق النقد الدولي في خضم تقارير تفيد بأن الوثيقة الجديدة إنما أملاها الدائن الدولي الذي يريد أن يرى القطاع الخاص ينعم بمنافسة عادلة داخل السوق المحلي.
 
وتأتي الوثيقة في مواجهة نقد متكرر للسيطرة العسكرية المتنامية على الاقتصاد منذ أن قاد الرئيس السيسي انقلاباً جاء به إلى السلطة في عام 2013.

 

اقرأ أيضا: قراءة في وثيقة سياسة "ملكية الدولة" التي تنوي مصر تطبيقها
 
يملك الجيش المصري حصة كبيرة من الاقتصاد، ويقوم بتشغيل شبكة ضخمة من المؤسسات والمشاريع من الأراضي الزراعية إلى مصانع الأغذية، إلى شركات المياه المعدنية، إلى مزارع الدجاج، إلى محطات الوقود، إلى مزارع الأسماك.
 
تشرف سلطة الهندسة، والتي هي جزء من المؤسسة العسكرية، حالياً على مشاريع في مجال البنية التحتية والتنمية تصل قيمتها إلى عشرات المليارات من الدولارات، بما في ذلك الطرق، ومشاريع استصلاح الأراضي، ومعامل معالجة المياه، ومحطات توليد الكهرباء، والمدن الجديدة.
 
تفوض السلطة للعمل في هذه المشاريع مقاولين محليين وأجانب، وتتفاوض على الأسعار، وتناط بها مسـؤولية تسلم هذه المشاريع بعد إنجازها.
 
تثير الوثيقة تساؤلات حول ما إذا كان سينجم عن الخطط تخفيف الجيش لقبضته على الاقتصاد.
 
ونقل الموقع عن أستاذ العلوم السياسية في جامعة القاهرة، إكرام بدر الدين: "تهدف الوثيقة بالدرجة الأولى إلى ضبط مشاركة الحكومة والشركات المملوكة للقوات المسلحة في النشاطات الاقتصادية. وهذا أمر مهم من أجل معالجة الاختلالات البنيوية في الاقتصاد والتي تتجلى في الاحتكارات والتنافس غير العادل".
 
لا تجرؤ وسائل الإعلام المحلية ولا حتى مالية الدولة على الاقتراب من الإمبراطورية الاقتصادية للجيش. تصب جميع إيرادات المشاريع المملوكة للجيش في ميزانية الجيش فقط ولا تخضع لأي رقابة من أي نوع.

 

اقرأ أيضا: خاص.. السيسي يمنح ضباط الجيش حصانة غير مسبوقة
 
في المقابل، فإن الإيرادات التي ترد من الأصول التي تملكها الدولة تذهب إلى الخزينة الوطنية وتخضع للرقابة البرلمانية ولرقابة غير ذلك من السلطات المكلفة بالإشراف عليها، وتستخدم في الإنفاق على المشاريع التنموية.
 
يعتقد بأن الجيش المصري يتحكم بما يتراوح بين 20 إلى 50 بالمائة من الاقتصاد، على الرغم من أن الرئيس عبد الفتاح السيسي طالما سخر من التقارير التي تتحدث عن ذلك، زاعماً بأن نصيب الجيش في الاقتصاد يتراوح ما بين 1.5 واثنين بالمائة.
 
في شهر إبريل/ نيسان من هذا العام، أعلن الرئيس المصري عن خطط لطرح أسهم بعض الشركات المملوكة للجيش في سوق الأسهم والسماح للمواطنين بامتلاك هذه الأسهم.
 
شكوك
 
ما يقرب من 50 بالمائة من الناتج المحلي الإجمالي يتكون من أصول تملكها الدولة المصرية، بحسب تقديرات صادرة عن الحكومة. إلا أن أرقام هذه الملكية، إذا ما قورنت بأرقام الملكية في بلدان أخرى، تبدو متضخمة.
 
تقول الحكومة إن وجود هذه الأصول الضخمة يعطي السلطات المصرية ما يكفي من الأرصدة لاستخدامها في جلب الإيرادات ومغازلة القطاع الخاص.
 
ولكن بعيداً عن مكاتب الحكومة، ثمة من يرى بأن مصر بحاجة لأكثر من مجرد الحبر على الورق لجذب الاستثمارات.
 
ونقل الموقع عن الاقتصادي المستقل عبد النبي عبد المطلب، قوله: "أعتقد بأن الحكومة في أمس الحاجة إلى التوصل إلى تفاهمات حقيقية مع مجتمع الأعمال. لا يمكن للقطاع الخاص أن يستثمر بدون ضمانات بأنه سوف يتمتع بالحرية وينعم بالأمن".
 
ودعا خبير اقتصادي آخر إلى أن تتخذ الحكومة إجراءات لبناء ثقة حتى تقنع المستثمرين بأن استثماراتهم ستكون آمنة في مصر.
 
وقال الاقتصادي المستقل ممدوح الولي، بحسب الموقع: "أخذ بعض رجال الأعمال في الفترة الأخيرة إلى السجن بدون أن توجه إليهم تهم محددة. ولهذا فإن عدداً ضخماً من المستثمرين المحليين راحوا ينقلون استثماراتهم إلى خارج البلد".

 

اقرأ أيضا: مصر تكشف عن تفاصيل خطة واسعة لبيع أصول مملوكة للدولة
 
تقول منظمة العفو الدولية إن رجل الأعمال المصري صفوان ثابت وابنه سيف ثابت، ملاك شركة جهينة لإنتاج الألبان والأجبان، يحتجزان حالياً في حبس انفرادي في سجن العقرب سيء الصيت بالقاهرة، في ظروف تصل إلى التعذيب، وذلك بسبب رفضهما التنازل عن أسهمهما في الشركة لصالح مؤسسة يملكها الجيش.
 
ولاحظ ممدوح الولي أن القطاع الخاص يواجه منافسة غير عادلة في السوق المصري، وخاصة مقابل الجيش المصري الذي يملك امبراطورية هائلة من الشركات والمشاريع ينافس بها القطاع الخاص.
 
وأضاف ممدوح الولي: "بينما تشل حركة القطاع الخاص من خلال قائمة طويلة من الضرائب والجمارك، لا تتحمل الشركات المملوكة من قبل الجيش مثل هذه الأعباء. وبينما تحصل شركات الجيش على قطع الأراضي وعلى الرخص التي تحتاجها مشاريعها بكل يسر، يتوجب على القطاع الخاص الانتظار أحقاباً إلى أن يحصل على هذه الأشياء".
 
وقال الولي إن القوانين هي "أيسر شيء" بالنسبة للحكومة، ولكن "الأصعب هو الإجراءات التي من شأنها أن تحدث فرقاً على الأرض".
 
لقد بدأت الحكومة محادثات حول الوثيقة مع مختلف الأصناف من الناس، بما في ذلك مع أعضاء مجتمع الأعمال والاقتصاديين، قبل تدشين الوثيقة بشكل رسمي نهاية هذا العام.
 
وتقول إن فرق العمل التابعة لها أمضت ستة شهور في صياغة الوثيقة، بعد أن قامت بدراسة معمقة ومكثفة لوثائق مشابهة تم إبرازها في بلدان أخرى.
 
حصلت الحكومة على عينة من آراء الجمهور حول ورقة الإجراءات الجديدة خلال نقاش جرى يوم الثالث عشر من يونيو/ حزيران برعاية رئيس الوزراء وشارك فيه عدد ضخم من الاقتصاديين والمستثمرين والمسؤولين الحكوميين السابقين.
 
أشار أحد المشاركين في النقاش إلى الحاجة إلى إحداث تغييرات تشريعية جذرية وإلى انتهاج سياسات جديدة في مجال الضريبة والجمارك.

 

اقرأ أيضا: خبراء يحذرون من برنامج السيسي الاقتصادي: "مصر بتضيع"
 
واشتكى مشارك آخر من السياسات الضريبية المجحفة. وأضاف: "إضافة رلى الضرائب، إجراءات التقاضي بطيئة للغاية في بلدنا، كما يتوجب على المستثمرين التوجه نحو أكثر من دائرة للحصول على موافقات على نفس المشروع".
 
وعبر آخر عن قلقه إزاء فرص القطاع الخاص نظراً لأن الحكومة هي اللاعب الرئيسي في السوق.
 
وقال ثالث: "لا ينبغي أن تنافس الحكومة القطاع الخاص، بل ينبغي عليها أن تترك المسرح الاقتصادي لهذا القطاع بشكل تام".
 
فقدان السيطرة على بيع الأصول العامة
 
كما أعرب أعضاء من الجمهور عن قلقهم من أن الوثيقة الجديدة سوف تفتح الباب أما بيع غير مقيد للأصول والممتلكات العامة.
 
بدأ هذا التوجه يتبلور بقيام الحكومة ببيع أصول هامة لأقطار عربية أخرى، بما في ذلك شركات البتروكيماويات، والبنوك، وغير ذلك من المشاريع، في مسعى لجلب المال حتى يتسنى تعزيز احتياطي العملات الأجنبية.
 
تقول الحكومة إنها ستحاول إدارة أصولها بأسلوب يخدم المصالح الاقتصادية القومية.
 
وكان الناطق باسم الحكومة، نادر سعد، قد قال في منتصف يونيو /حزيران: "لدينا أصول متنوعة، وقد تجد الحكومة أن من المناسب بيع بعض هذه الأصول من أجل استخدام العائدات لشراء أصول أفضل. نريد فقط زيادة العائدات من الأصول."
 
ثمة سمعة سيئة لبيع الأصول العامة للقطاع الخاص في مصر، وخاصة أن تلك العملية ارتبطت بالفساد الذي اصطبغ به برنامج الخصخصة الوطني في تسعينيات القرن الماضي.
 
بيعت أعداد ضخمة من الشركات والمصانع المملوكة للدولة في عهد الرئيس حسني مبارك بأسعار أقل بكثير من قيمتها الاسمية في السوق، مما أثار سخصاً شعبياً.
 
وتوجد مخاوف من أن العائدات المرتقبة من بيع الأصول العامة سوف تستخدم لسداد ديون مصر المتراكمة.
 
إلا أن المقربين من الحكومة يقولون إن هذه الإيرادات سوف تستخدم في تحسين الأوضاع الاقتصادية الوطنية وفي تحويل المزيد من الأموال نحو قطاعات مهمة مثل الصحة والتعليم.
 
وقال محمود سامي، عضو لجنة الشؤون الاقتصادية في مجلس الشيوخ المصري: "سوف تستخدم بعض العوائد أيضاً في تعزيز احتياطي العملات الأجنبية في البنك المركزي. إن هذه لوثيقة جيدة، ولكن المهم هو تطبيق ما ورد فيها"، وفقا للموقع.

 

اقرأ أيضا: اقتصادي: تردي الأوضاع في مصر ينذر بانفجار مجتمعي خطير
 
أزمة حرب أوكرانيا
 
لا يأتي إطلاق ورقة الإجراءات الجديدة بمعزل عن آثار الحرب على أوكرانيا على الاقتصاد المصري.
 
كان رئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي قد أعلن الشهر الماضي أن "عالم ما بعد الحرب الأوكرانية سيكون مختلفاً تماماً عما كان عليه العالم قبلها".
 
فعلى الرغم من أن الاقتصاد كان يواجه بعض المصاعب، إلا أن الحرب وجهت ضربة شديدة لمصر، حيث جاءت لتضاعف من تداعيات جائحة كورونا على الاقتصاد في هذا البلد العربي الأكثر سكاناً.
 
فإلى جانب فقدان ملايين السياح الذين جرت العادة بأن يأتوا من روسيا وأوكرانيا، وما كان يدخله ذلك على خزينة مصر الوطنية من مليارات كل عام، فإن الحرب تفرض على مصر دفع المزيد من المال مقابل مستورداتها.
 
فمصر هي أكبر مستورد للقمح في العالم، وهي مضطرة الآن لدفع المليارات من الدولارات الإضافية بسبب تضخم أسعار القمح في الأسواق العالمية.
 
وهي مضطرة لفعل نفس الشيء إزاء جميع السلع الأخرى، بما في ذلك بعض السلع الأساسية للمعيشة اليومية للمواطنين المصريين.
 
كما تسببت الحرب في هروب مليارات الدولارات من الأصول الأجنبية، الأمر الذي كشف نقاط الضعف في البلدان النامية مقابل الدول المتطورة، وخاصة عندما تلجأ الأخيرة إلى رفع معدلات الفائدة فيها.
 
ومع ذلك فإن مصر الآن مصدر كبير للغاز، ولا شك أنها تستفيد من الطلب المتنامي على الطاقة، في حين تقطع روسيا إمداداتها لبعض البلدان الأوروبية، وتسعى أوروبا إلى تقليص اعتمادها على الغاز الروسي.
 
إلا أن ذلك لا يفيد كثيراً في التخفيف من معاناة عشرات الملايين من الناس الذين بدأوا يشعرون بسخونة الحرب، بما في ذلك الاضطرار لدفع مبالغ أكثر مقابل احتياجاتهم الأساسي، وخاصة الغذاء، وعدم القدرة على تلبية بعض الاحتياجات بسبب الأسعار الجنونية.
 
وقال الاقتصادي البارز هاني توفيق، للموقع: "إن مصر واحدة من البلدان الأكثر تأثراً بالحرب في أوكرانيا، وذلك بما سببته الحرب من ارتفاع كبير في أسعار المستوردات، وخاصة الغذاء".
 
وأضاف: "إن الحكومة في أمس الحاجة إلى تبني إجراءات تقشفية صارمة والعمل بجد لجذب الاستثمارات الأجنبية لتعويض الخسائر الناجمة عن الحرب".