كتاب عربي 21

يوم مرسي ويوم عثمان: التاريخ "يكركر" نفسه

1300x600

حوصر الخليفة الأموي الثاني عشر، الوليد ين يزيد، وكان منشغلاً باللهو، وله منكرات كثيرة، ولما وثبوا عليه وضع المصحف وقال: يوم كيوم عثمان، ثم قُتل. وليس بينهما من وجوه الشبه إلا الخلافة والقتل، لكننا نجد شبهاً ليوم عثمان رضي الله عنه بيوم مرسي رحمه الله، أهم التشابهات هي:

أموية الخلافة وأخونة الدولة:

كان أول الفتنة أن ظهر خوارج مصر، مع عبد الله بن سبأ، وكان عمرو بن العاص يحصرهم، فشكوه إلى عثمان، فعزله وولّى عبد الله بن سعد بن أبي سرح، ونشأت بمصر طائفة من أبناء الصحابة، يعارضون عثمان، مع العلم أن الخارجين على عثمان أخذوا عليه أنه كان يولّي الأحداث (الشباب)، وانتدبوا إلى المدينة، واتهموه بتهم كثيرة أشهرها تولية بني أمية وحرق المصاحف.. لكنه فنّدها لهم، وعلّلها جميعاً، وأبان الحجة، حتى بكى من في المسجد، وبرز مروان بن الحكم (ابن عمه) يدافع عن حكم عثمان، فزاد الطين بلة، ثم عاد خوارج مصر مرة ثانية إلى المدينة، وفيهم ذمّي يقال له ابن السوداء، يريدون تولية علي، وأهل الكوفة يريدون تولية ابن الزبير، وأهل البصرة يريدون تولية طلحة، فردّوهم عن المدينة، لكنهم عادوا، وحاصروا عثمان.

وزُوّرت كتب على لسان الصحابة تؤلب على عثمان، وذكر المؤرخون أن كتاباً زُوّر على لسان عثمان، زوّره مروان بن الحكم يأمر فيه بقتل مرشحهم لإمارة مصر محمد بن أبي بكر في العودة الثانية، فاتهموا عثمان بالكتاب الذي تبرأ منه. والكتاب يذكّر بإعلان مرسي الدستوري، الذي اتُخذ منصة للهجوم على "سلطات مرسي الإلهية".

بلغت حصة الإخوان في الوزارات عشرا في أفضل حالاتها؛ النقل، والكهرباء، والمالية، والشباب، والإعلام، والإسكان، والقوى العاملة، والتعليم العالي. وهي وزارات خدمية، فالوزارات في الدول العربية طبقات: سيادية وخدمية؛ السيادية تستخدم الشعب، والخدمية تخدم السيادية.

عشر وزارات من أصل 33 وزارة، ومصر هي الثانية في العالم بعد إندونيسيا من حيث عدد الوزارات. وكان عثمان قد اتُهم بموالاة أقربائه، كما اتُهم مرسي بأخونة الدولة، والفرق كبير بين قرابة الدم وقرابة الحزب، فالأحزاب تحكم في الجمهوريات، وتحظى بكل الوزارات، لكن عسكر مصر ضاقوا بعشر وزارات، وأطلقوا إعلامهم يتهم مرسي بأخونة الدولة وإنشاء فرق تأمر بالمعروف المرّ وتنهى عن المنكر الحلو. حكم بعض هذه الوزارات مصر أفضل حكمٍ في العصر الحديث وخصوصاً وزارة التموين، وزارة باسم عودة.

نزع هيبة الرئيس:

وهذا الشبه من أجلى الأشباه بما جرى لعثمان، وعثمان من الأسماء القليلة بمصر شيوعا، وقيل إنّ السبب هو عداء محمد علي باشا لحكم العثمانيين، وقد يكون السبب قديم يعود إلى عهد عثمان ذي النورين.

عاد المصريون والكوفيون والبصريون ومعهم الكتاب المزوّر (الذي يذكر بالإعلان الدستوري)، فلما كان في بعض الجمعات، نهض إليه الثائرون، ونزعوه عن المنبر، وسبّوه. وكان رجل يقال له جهجاه الغفاري، فشتمه ونزعه عن المنبر، وأخذَ العصا (عصا النبي عليه الصلاة السلام وكان عثمان يخطب بها) فَكَسَرَهَا عَلَى رُكْبَتِهِ الْيُمْنَى فَدَخَلَتْ شَظِيَّةٌ مِنْهَا فِيهَا، فَبَقِيَ الْجُرْحُ حَتَّى أَصَابَتْهُ الْأَكِلَةُ وهلك منها، فَنَزَلَ عُثْمَانُ وَحَمَلُوهُ وَأَمَرَ بِالْعَصَا فَشَدُّوهَا، فَكَانَتْ مُضَبَّبَةً، فَمَا خَرَجَ بَعْدَ ذَلِكَ الْيَوْمِ إِلَّا خَرْجَةً أَوْ خَرْجَتَيْنِ، حَتَّى حُصِرَ فَقُتِلَ.

وهو مثل ما جرى لمرسي، الذي انفتل إليه الإعلام المصر سبّاً وشتماً وسخرية، يقودهم جهجاه في برنامج اسمه البرنامج، وطفق الفنانون يقدمون فقرات كوميدية ساخرة من الرئيس تحط من قدره وتسفهه، فرأينا بهائم في استوديوهات ماسبيرو (بأربع حوافر أحيانا وبحافرين طوال أوقات البثّ) وجرات غاز، توسل إليهم مرسي في الكفّ عنه "لسنّه"، فهو رجل كبير، ولا تجوز السخرية من كبار السنّ.

وكان عمرو بن العاص ناقماً على عثمان، وعمار بن ياسر كذلك، وكان عثمان قد حدَّ عمارا وجلده في شتيمة (هل يمكن تشبيه أدوارهما بأدوار بعض المرشحين للرئاسة)، وحصبه الخارجون على المنبر، فغشي عليه. وهذا يشبه محاصرة مرسي ونزع بوابة القصر الجمهوري وإطلاق البلاك بلوك من جحورهم عليه، واستمر حصار عثمان مدة شهر أو أربعين يوماً، أما حصار مرسي فكان أقل.

ثم انطلق عثمان يدفع عن نفسه التهم بذكر فضائله (فهو صهر النبي في ابنتيه، ومجهّز جيش العسرة، وصاحب بئر رومة..)، ودافع مرسي عن إعلانه الدستوري بأنه رغبة الثورة، وسمع عثمان بأنهم يتذامرون لقتله، وحوصر ومُنع الماء (يمكن تذكر قصة البراد وآشتون)، ثم إن عثمان أرسل يطلب النجدة من الأمصار، فأرسل معاوية جيشاً مع حبيب بن مسلمة، ونفذ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ سَعْدِ بْنِ أَبِي سَرْحٍ جيشا آخر مَعَ مُعَاوِيَةَ بْنِ حُدَيْجٍ، وبعث أَهْلَ الْكُوفَةِ الْقَعْقَاعَ بْنَ عَمْرٍو فِي جيش، وأَهل الْبصرة بَعَثُوا مُجَاشِعاً فِي جَيْشٍ، وعندما وصلت الجيوش كان قد قتل شهيداً والمصحف بين يديه.

حزب النور:

وكان عثمان قد عانى من قرّاء الكوفة، وهم عشرة نفر، وكانوا يغلظون له القول، وينالون من قريش، فسيّرهم إلى معاوية فنصحهم، وذكر فضائل قريش، فأغلظوا له القول أيضاً، فنفاهم إلى الشام حتى لا يشوشوا عقول الناس كما يقول ابن كثير، فاجتمع بهم عبد الرحمن بن خالد بن الوليد، وكان نائباً على الجزيرة، فهددهم وتوعدهم، فاعتذروا، فأقاموا بحمص وأجرى لهم الرزق، ثم رجعوا إلى الكوفة، فصاروا أشدَّ ألسنة على عثمان، فأعيدوا إلى كنف عبد الرحمن بن خالد بن الوليد في حمص، يرصدهم ويراقبهم.

وقد فعل حزب النور بمرسي ما لم يفعله قراء الكوفة العشرة، إذ حولوا البرلمان إلى مدرسة المشاغبين، وانحازوا إلى العسكر، وعبثوا بعقول المصريين وفتنوا الناس، وقدموا عرضا كوميديا أضرى من عروض جهجاه في "البرنامج".

الدهاء يغلب التقوى:

أتيحت لعثمان فرص كثيرة للبطش بخصومه، وقد عرض عليه معاوية أول الفتنة (يمكن أن نذكر وصايا حازم صلاح أبو إسماعيل) أن يسيّر له جنداً من الشام، فأبى كرامةً لمدينة رسول الله أن يدخلها جند يضيقون على الصحابة من المهاجرين والأنصار، ونصحه علي، ونصحه طلحة والزبير خيراً، وقبل يوم استشهاده استسلم لمصيره، وكان رأى رؤيا أنه يفطر مع النبي وأبي بكر في الجنة. لكن نصحاء مرسي كانوا يمكرون به، وكانوا جواسيس عليه. أما عثمان فقد أراد الآخرة فأصابها، وأما مرسي فأراد الاثنتين فلم يصب سوى الآخرة.

يقول المؤرخ ابن كثير إنّ سبب هذه الفتنة هو عبد الله بن سبأ، وهو يهودي دخل الإسلام، واخترع فكرة خاتم الأوصياء، قياساً على خاتم الأنبياء، فدخل في قلوب الناس وكان الذي كان.

عاش عثمان حميدا ومات شهيدا، وما لبث بنو أمية أن رفعوا قميصه مطالبين بالثأر وانتزعوا الخلافة. انتصر بنو أمية وبنوا حضارتين من أزهى عصور الإسلام، في المشرق والمغرب.

يصف العلمانيون هذه المشابه (جمع شبه) بمكر التاريخ، ويقولون: التاريخ يكرر نفسه، وكأنَّ التاريخ عاقل أو عاقل غافل، وإنما هو سنّة الله في خلقه، وآية من آيات الله. يقول "الإمامو" ماركس إنّ التاريخ يكرر نفسه مرتين؛ مرة على شكل مأساة، ومرة على شكل ملهاة. المقولة في مصر لها شكل آخر: التاريخ "يكركر" نفسه.

twitter.com/OmarImaromar