ملفات وتقارير

من أوكرانيا إلى سوريا وأفريقيا.. هل تنجح خطط بوتين التوسعية؟

قال العميد رحال إن "الحرب في أوكرانيا، أربكت القيادة الروسية وأفشلت خططها"- جيتي

كسبت روسيا خلال السنوات الأخيرة، علاقات جيدة مع دول أفريقية عدة، من خلال استراتيجية جديدة تبناها الكريملين للسيطرة الناعمة على أجزاء من القارة التي أنهكها الاستعمار الغربي.

 

وانتزعت روسيا بطرق مختلفة، دولا عدة من الهيمنة الفرنسية والغربية، على غرار أفريقيا الوسطى ومالي وبوركينا فاسو مؤخرا.

 

وخير دليل على أن موسكو، حققت مكاسب في أفريقيا هي نتائج التصويت الذي جرى في الثاني من آذار/ مارس بالجمعية العامة للأمم المتحدة لإدانة الحرب الروسية على أوكرانيا.

 

ومن بين 54 دولة أفريقية، دعمت 28 دولة قرار التنديد بالحرب، بينما امتنعت 17 عن التصويت فيما غابت 8 بلدان، في حين حسمت كل من إريتريا وبيلاروسيا وكوريا الشمالية وسوريا موقفها بالتصويت ضد القرار.

 

وهؤلاء الحلفاء ينتمون لمناطق جغرافية مختلفة لكنها استراتيجية من المنظور الجيوسياسي، فسوريا مطلة على مياه المتوسط الدافئة وبها قواعد روسية أما إريتريا فهي مطلة على المحيط الهندي والبحر الأحمر وخليج عدن، أما كوريا الشمالية فهي الدولة التي تمثل رعبا حقيقيا للغرب، وفق محللين. 

 

حرب أوكرانيا.. أمل بوتين

 

وقال الخبير العسكري والاستراتيجي السوري، العميد الركن أحمد رحال، في تصريح خاص لـ"عربي21" إن "العملية القتالية الخاصة تدوم يومين إلى ثلاثة أيام ثم تنتهي، وهي ليست حربا، لكن على الأرض الأوكرانية فوجئ الروس بصعوبة المعركة نتيجة تفكك الجيش وعدم تواؤم القوات البحرية والبرية والجوية مع بعضها البعض وانعدام الدعم اللوجيستي، إضافة لاكتشاف فساد داخل الجيش في صيانة السلاح والتدريب وحتى المؤن". 

وأضاف العميد رحال أن "الارتداد الحالي لتواصل الحرب في أوكرانيا، أربك القيادة الروسية وأفشل خططها".

 

من جانبه، قال الخبير العسكري الليبي عادل عبد الكافي في تصريح خاص لـ"عربي21" إن "عملية روسيا في أوكرانيا أدت لسحب عناصر "فاغنر" و"باتريوت" المنتشرين في مناطق في العالم"، مضيفا أن "روسيا سحبت بعضا من عناصر شركة فاغنر وباتريوت من ليبيا ومالي وبوركينا فاسو.. لدعم حربها في أوكرانيا لأنهم متمرسون في حرب الشوارع".

أوضح الضابط الليبي السابق أن "استراتيجية روسيا بشأن التمدد من الدول الأفريقية لم تتأثر، حيث لجأت لتجنيد بعض العناصر من تلك الدول لتعويض الفارق في صفوف مرتزقة فاغنر، كما استعانت بعناصر محلية لأن أغلب عناصر هذه الشركات هم متعددو الجنسيات، لتحقيق استراتيجيتها".

 

وفي المقابل رأى الخبير العسكري والاستراتيجي الروسي، أندريه أوليسكي، في تصريح خاص لـ"عربي21" أن "العملية العسكرية في أوكرانيا لم تؤثر على مهام القوات الروسية في أوكرانيا"، مضيفا أنها "باقية وما زالت".

 

كما شدد الخبير العسكري الروسي على أن بلاده "تقوم بهذه العملية في أوكرانيا بقوات محدودة".

 

استراتيجية روسيا

 

ويقول محللون إن استراتيجية روسيا "التوسعية" بدأت عمليا بعد أن فرضت عليها عقوبات إثر ضمها شبه جزيرة القرم في 2014، حيث دعمت نظام بشار الأسد في سوريا كما عززت جهود بيع الأسلحة واستخراج الموارد ودعم الأنظمة السياسية في أفريقيا.

 

وفي آذار /مارس الماضي، قالت مجلة "إيكونوميست" البريطانية إن روسيا دعمت سياستها تجاه القارة السمراء منذ العام 2019، حينما استقبلت زعماء أفريقيا بمنتجع سوتشي في البحر الأسود.

 

وأوضح أوليسكي لـ"عربي21" أن روسيا تحافظ على سياستها في سوريا وفي أفريقيا بما فيها ليبيا ومالي وجمهورية أفريقيا الوسطى وغيرها، وفق تعبيره.

 

وأضاف: "النهج السياسي الروسي سيبقى كما كان سابقا موجها إلى التعاون مع البلدان الأفريقية وتقديم يد المساعدة والاستفادة منهم وهذا نهج سياسي باق ومتواصل".

وقال: "مالي فقدت الثقة في فرنسا وطلبت المساعدة من روسيا وموسكو قدمت المساعدة بقدر الإمكان.. وهذا بالأساس هو شأن الشعب المالي".

 

وفي السياق ذاته، لفت الخبير العسكري السوري، لـ"عربي21" إلى أن "روسيا وصلت لمرحلة اعتبار قاعدة حميميم، قاعدة خلف الدرع الصاروخي لحلف الناتو وعلى المياه الدافئة تهدد الحدود الجنوبية لأوروبا".

وتابع: "التمدد نحو ليبيا وأفريقيا الوسطى ودول أخرى على غرار السودان التي كانت تريد موسكو إنشاء قاعدة عسكرية هناك.. وهذا نوع من التمدد الروسي وتغيير لاستراتيجية الروس، وما هو معلوم أن الروس لا يمتلكون حاملات طائرات لتأمين التوسع العسكري ولا قواعد عسكرية خارج حدودها".

من جانبه، قال الخبير الليبي إن روسيا قامت مؤخرا بتجنيد بعض العناصر الأفريقية وتدريبهم داخل الأراضي الليبية كما قامت بتجنيد وتسليح عناصر بمالي وبوركينا فاسو وأيضا في دولة تشاد.

وأفاد: "أسقطت موسكو أنظمة في الدول الأفريقية كانت موالية لفرنسا ولبعض الدول الغربية وأقامت أنظمة موالية لروسيا كما حدث في مالي وبوركينا فاسو".

 

اقرأ أيضا:  ما حقيقة الأنباء عن انسحاب جزئي لقوات روسيا من سوريا؟

 

سوريا.. إعادة تموضع أم انسحاب؟

 

وقال الخبير العسكري والاستراتيجي العسكري، العميد الركن أحمد رحال، في تصريح خاص لـ"عربي21" إنه بالنظر للحرب الدائرة في أوكرانيا والاستنزاف الذي تعاني منه القوات الروسية فمن الطبيعي أن يحتاج الروس لكل جهد عسكري مع استمرار الحرب في أوكرانيا. 

 

وأضاف: "مع فشل القادة الميدانيين في أوكرانيا، تم استدعاء الجنرال دفورنيكوف مع طاقم العمليات من قاعدة حميميم وجزء كبير من مرتزقة فاغنر، كما تم إخلاء مطاري النيرب وكويرس وتدمر العسكري و"التيفور.. T4" السورية".

 

وتابع: "أكثر من موقع عسكري تحت سيطرة روسيا تم إخلاؤه على غرار اللواء 47 بريف حماه الذي تم تسليمه لإيران".

 

وأردف: "كل هذه المعطيات تؤكد أن هناك معطيات تفيد بأن هناك عمليتين بسوريا، العملية الأولى هي سحب بعض القوى الأساسية للزج بها في حرب أوكرانيا أما العملية الثانية فهي عملية إعادة تموضع روسي داخل الأراضي السورية".

 

وهناك معطيات بأن روسيا لن تنسحب من سوريا لكن وجودها قد ينحصر على الساحل فقط والإبقاء على قاعدتي "جول جمّال" وحميميم بطرطوس وبسط سيطرتها على الساحل السوري، وفقا للخبير العسكري السوري.

 

من جانبه، نفى الخبير العسكري والاستراتيجي الروسي، أندريه أوليسكي، في تصريح خاص لـ"عربي21" انسحاب روسيا من سوريا مؤكدا "تواصل عملياتها هناك"، لافتا إلى أن "المهمة الأساسية هي تحرير المناطق الواقعة تحت السيطرة الأجنبية وهذا الأمر سوف يكتمل".

 

ليبيا وتشاد.. ما المصير؟

 

ورجح خبراء دوليون وجود حوالي ألفي مرتزق تابعين لفاغنر في ليبيا، بين آذار/ مارس 2021 ونيسان/ إبريل 2022، يدعمون الجنرال الليبي خليفة حفتر.
 

لكن الخبير العسكري والاستراتيجي الروسي، أندريه أوليسكي، نفى وجود قوات روسية في ليبيا، معتبرا أن "روسيا تهتم بإعادة النظام السابق للحكم وفرض السيطرة الليبية على كامل أراضيها".

 

من جانبه، رأى الخبير الليبي عادل عبد الكافي بأن "موسكو دعمت مجموعات مسلحة من تشاد وتشرف على تدريبها من خلال عناصر فاغنر المتواجدين في ليبيا للمساهمة في عمليات عسكرية مقبلة لإسقاط نظام الرئيس محمد إدريس ديبي وإقامة مجلس عسكري موال لروسيا".

 

وتابع: "كسبت فاغنر الوقت في تدريب مزيد من العناصر الأفريقية استعدادا للمراحل العسكرية القادمة تنفيذا لاستراتيجية روسيا للتمدد في أفريقيا وانتزاعها من المستعمر السابق فرنسا".

 

خطط الكريملين.. مصيرها؟

 

وأكد عبد الكافي أن "استراتيجية روسيا لم تتأثر كثيرا، فهي قللت من أعداد عناصرها التي قامت بسحبها من مواقعها المتقدمة بليبيا ودول أخرى للمساهمة في العملية العسكرية التي تقودها ضد أوكرانيا".

 

بدوره يرى العميد رحال أن "بوتين يحاول تغيير معادلة التوسع الخارجي، لكن هذه المعادلة تحتاج إلى اقتصاد وعجلة إنتاج وهذا الأمر غير متوفر لدى القيادة الروسية".

 

وأضاف: "هذا التخبط نتيجة عقلية بوتين الاستخباراتية التي تهتم بتحقيق الهدف بغض النظر عن النتائج".

 

وفي المقابل شدد الخبير أوليسكي على أن "العالم كله يعرف قوة الجيش الروسي"، لافتا إلى أن "العملية العسكرية في أوكرانيا لن تؤثر سلبا على خطط الكريملين في العالم".