سياسة عربية

كيف سيتعاطى المجلس الرئاسي مع ملف سجون الإمارات باليمن؟

يقبع المئات من اليمنيين منذ سنوات في سجون سرية تابعة لأبوظبي - سبأ

يبرز ملف المختطفين والمخفيين قسريا في سجون تديرها الإمارات والميليشيات الممولة منها، جنوب وشرق اليمن، كواحد من الملفات الحساسة والمؤرقة على طاولة المجلس الرئاسي اليمني المشكل حديثا، وسط أسئلة عدة عن كيف سيتعاطى المجلس مع هذا الملف؟ وأين سيكون في أجندته في الفترة المقبلة؟

ويقبع المئات من اليمنيين، منذ سنوات في سجون سرية تابعة لأبوظبي والتشكيلات الانفصالية الموالية لها في مدينة عدن، جنوبا، ومدينة المكلا، عاصمة محافظة حضرموت، شرق البلاد، ولا يزال مصيرهم مجهولا حتى الآن.

وعلى الرغم من المطالبات والدعوات المتكررة من منظمات حقوقية محلية ودولية بالكشف عن مصير هؤلاء المختطفين والمخفيين قسريا في السجون التابعة للإمارات وحلفائها المحليين، إلا أنها لم تلق أي استجابة أو تفاعل إماراتي، وسط عجز وصمت من قبل السلطات اليمنية الشرعية.

"ملف مؤرق"

وفي هذا السياق، يرى الصحفي والناشط الحقوقي اليمني، محمد الأحمدي أن ملف المختطفين والمخفيين قسريا في مختلف السجون ومراكز الاحتجاز شمالا وجنوبا واحدة من القضايا الحقوقية المؤرقة، والتي يجب معالجتها على وجه السرعة.

وقال الأحمدي في حديث خاص لـ"عربي21" إن قضية المختطفين والمخفيين قسريا يجب أن تكون ضمن أولويات مجلس القيادة الرئاسي ومختلف الهياكل والمؤسسات الناشئة.

وتابع: "يأمل اليمنيون أن تكون العاصمة المؤقتة عدن والمناطق المحررة نموذجا للعدل وسيادة القانون واحترام حقوق الإنسان".

وبحسب الصحفي اليمني فإن السجون السرية الإماراتية وغيرها، تظل وصمة عار في جبين كل الأطراف التي تورطت في انتهاك حقوق الإنسان وكرامته في اليمن، مشيرا إلى أن "إغلاق هذا الملف يمكن أن يساعد في تحقيق الاستقرار وينسجم مع استحقاقات المرحلة الهادفة لإنهاء الحرب وطي صفحة الانقلاب".

وأضاف الناشط الحقوقي اليمني أن أي انتهاكات في المناطق الخاضعة لسيطرة مجلس القيادة الرئاسي والحكومة المعترف بها، فإن المسؤولية عنها تقع على عاتق المجلس الرئاسي باعتباره الطرف المسؤول أمام المجتمع الدولي ولن تسقط بالتقادم.

وعليه، وفقا للصحفي الأحمدي، يفترض أن يكون ملف المختطفين والمخفيين قسرا والمعتقلين تعسفيا في حضرموت وفي الساحل الغربي وفي العاصمة المؤقتة عدن، على رأس أولويات السلطات الانتقالية.

ولفت إلى أن الالتفاتة التي شهدناها في الآونة الأخيرة لموضوع المعسرين تعتبر "خطوة تستحق الإشادة".

واستدرك قائلا: لكن، لا يصح أن تكون محاولة للهروب من استحقاقات معالجة أوضاع المعتقلين تعسفيا والمخفيين قسرا (في السجون التابعة للإمارات) وفتح تحقيقات جادة ومستقلة في مختلف انتهاكات الحق في الحياد وفي السلامة الجسدية والمعنوية.

وشدد الصحفي والناشط الأحمدي على أن قضايا حقوق الإنسان يجب أن تكون على رأس أولويات المجلس الرئاسي والحكومة لأنها بوابة الحصول على المشروعية الشعبية وإحراز ثقة المجتمع اليمني ومعيار جدية السلطات في تحسين أوضاع الشعب والالتفات لأولوياته الملحة.

وأكمل: "وبالتالي فالجميع أمام اختبار صعب فعلا بهذا الشأن".

وأوضح أن الذهاب نحو المعسرين خطوة حسنة، وهي مسألة جرت العادة عليها في شهر رمضان، مؤكدا على أنها إن كانت محاولة للهروب من التزامات المجلس الرئاسي والحكومة تجاه قضايا المختطفين والمخفيين قسرا فهي بداية غير جيدة وتعزز الشكوك حول عدم قدرة السلطات الانتقالية الحالية على حلحلة الملفات اليمنية الأكثر إلحاحا.


اقرأ أيضا: "الرئاسي اليمني" يزور أبو ظبي.. وحديث عن "مطالب إماراتية"

"حقل تدريب"

من جانبه، قال عادل الحسني، قائد في المقاومة ومعتقل سابق إن موضوع المختطفين والمخفيين قسريا، طويل جدا، سبق أن تطرقت له كثير من المنظمات والهيئات والقنوات والصحف وتقارير مجلس الأمن من خلال لجنة الخبراء التي تحدثت عنه عدة مرات.

وأكد الحسني في حديثه لـ"عربي21": "كوني أحد ضحايا السجون في العام 2016، في منطقة البريقة في مقر التحالف، ففيه سجن سري أستطيع القول إنه المرجع لجميع السجون الموجودة في عدن".

كما يوجد سجن آخر في مدينة المكلا في مطار الريان، شرق المدينة الذي حولته الإمارات لقاعدة عسكرية لها منذ العام 2016، كما قال.

وأشار: "سجنا مقر التحالف في مدينة البريقة (عدن) والريان (المكلا) يشرف عليهما ضباط إماراتيون، ويتولون عملية التحقيق مع السجناء فيهما".

وقال المعتقل اليمني السابق إن السجون التي تديرها حكومة أبوظبي في عدن وحضرموت، كانت بمثابة حقل تدريب للعسكريين حديثي التخرج من الكليات الأمنية والعسكرية التابعة لها، على التحقيق والتعذيب للمعتقلين اليمنيين في تلك السجون.

وأضاف: لقد اعترف لنا ضباط إماراتيون، أثناء إجراء التحقيق معنا، حيث كانت عملية التحقيق تتم بضابط ويقف معه 4 آخرون، أفادوا أنهم ضباط قيد التخرج.

وبحسب القيادي في المقاومة اليمنية فإن الضباط الإماراتيين طلبوا منا أن نصبر على العسكريين المستجدين أثناء التحقيق معنا، كونهم لا زالوا جددا.

ومضى قائلا: "في تلك السجون تمارس أنواع مختلفة من التعذيب من صعق بالكهرباء وتعليق وتعرية من الملابس وكثير من الممارسات التي تنتهك حقوق الإنسان والقوانين الدولية".

وقال: "فهي سجون لا تخضع للمحاكم أو النيابات اليمنية، بل ليست محكومة بأية قوانين".

واعتبر الحسني أن امتلاك الإمارات سجونا في دول أخرى، جريمة تنتهك القانون الدولي والمواثيق ذات الصلة.

ونوه إلى أن هناك سجونا سرية تابعة للإمارات، تدار من قبل قادة الميليشيات التابعة لها سواء الحزام الأمني وقوات الدعم والإسناد في عدن.

ومن تلك السجون "سجن قاعة وضاح" في منطقة جلدمور في مدينة التواهي، جنوب غرب عدن، والذي يشرف عليه، مدير أمن عدن السابق، شلال شائع، وكان يشرف عليه سابقا، يسران المقطري، وكلاهما مقربان وتمولهما حكومة أبوظبي.

وقال إن هذا السجن يعتبر من أشد السجون تعذيبا، حيث عذب سجناء حتى الموت وأبرزهم "شكري السقاف" و"أسامة الصارطي".

وأردف أن معتقلين آخرين فقدوا بصرهم جراء التعذيب، وآخرين أصيبوا بالشلل، والبعض الآخر، فقدوا عقولهم، وكل هؤلاء لا يزال مصيرهم مجهولا، بعد نقلهم إلى سجون أخرى.

وكشف المعتقل اليمني السابق عن سجن عائم يديره ضباط إماراتيون في البحر، وهو عبارة عن سفينة يتم نقل المعتقلين والمختطفين إليها.

وقال: هناك شابان من محافظة لحج، شمال عدن، وهم "محسن سرور وياسر سكع"، تأكد لنا أنهما نقلا إلى هذا السجن العائم في البحر، ضمن مجموعة تضم 30 معتقلا.

ولفت القيادي اليمني والمعتقل السابق إلى أن الإمارات تماطل في هذا الملف، وتحاول أن تلعب على وتر الوقت حتى يتم تبييض جرائمها.

وقال إن المجلس الرئاسي لن يتجرأ على فتح هذا الملف أو الاقتراب منه، نظرا لحساسيته، ومأزق أبوظبي الكبير فيه، المسؤولة عن إنشاء هذه السجون ومتورطة بشكل مباشر في الانتهاكات الجسيمة فيها والتي وثقها العالم.

"أعضاء متورطون"

من جانبه، يقول رئيس منظمة سام للحقوق والحريات، توفيق الحميدي إن المجلس الرئاسي المشكل حديثا، لم يتخذ أية مواقف في هذا الجانب، خاصة بعد اجتماعه وتشكيله لجنة لزيارة السجون وإطلاق المعسرين بينما تجاهل بصورة تامة كافة التقارير والأنباء والمعاناة التي تحدث داخل السجون السرية سواء في محافظات جنوب اليمن أو في منطقة الساحل الغربي من تعز، التي تدار من قبل قوات طارق صالح، المعين عضوا في المجلس الرئاسي.

وأضاف الحميدي في حديثه لـ"عربي21" أن أغلب أعضاء المجلس متهمون بارتكاب جرائم متعلقة بحقوق الإنسان.

وأكد على أن المجلس الرئاسي يبدو أنه متجاهل بشكل تام لملف المختطفين والمخفيين قسريا، ولا يمكن معرفة أن هذا الملف سيكون ضمن حساباته أم أن هناك خطا أحمر يحظر الاقتراب منه.

وأشار رئيس منظمة سام ومقرها جنيف: "شيء طبيعي أن يتعامل المجلس الرئاسي مع هذا الملف وفقا للقانون من خلال تشكيل لجنة من وزارتي العدل وحقوق الإنسان لزيارة هذه السجون وإغلاق كافة السجون البعيدة عن سيطرة القضاء وإعادة الاعتبار أيضا للنيابة العامة والقضاء للقيام بدورهما".

ودعا في الوقت ذاته، المجلس الرئاسي إلى "فتح تحقيق في كافة الانتهاكات المتعلقة بالتعذيب والإخفاء القسري"، إذ أن "هناك ما يقارب من مئتي مخفي قسريا، وسط أنباء وشهادات عن معتقلين تفيد بأن عددا من أولئك المخفيين تعرضوا للتصفية تحت التعذيب في تلك السجون".

ومضى قائلا: "لا يمكن معرفة مدى قدرة المجلس على القيام بذلك.. فهناك أعضاء فيه ربما قد يكونون متهمين بمثل هذه الجرائم".

الحقوقي اليمني، أكد على أنه من الواضح أن المجلس الرئاسي غير قادر على فتح هذا الملف أو التطرق إليه، خاصة في هذه اللحظة، موضحا أن هذا الملف ـ كما يعتقد ـ سيكون أشبه بقنبلة قد يقضي على وحدة المجلس الشكلية على الأقل في الوقت الراهن.

وحذر رئيس المنظمة اليمنية المجلس الرئاسي من أي محاولة لتمييع ملف المختطفين والمخفيين قسريا، أو تجاهله أو ترحليه ونسيانه.

ومع ذلك، يعتقد الحميدي أن هذا الملف يبدو أكبر من قدرة المجلس والذي سيضعه أمام تحد كبير وخطير جدا في المرحلة المقبلة، إلا أنه مطالب بفتح هذه القضية المؤرقة لكل اليمنيين.

فيما اعتبر ملف المختطفين والمخفيين في سجون الإمارات بعدن وحضرموت بأنه يضع المجلس أمام اختبار حقيقي، في وقت تتجه فيه المنظمات نحو هذا الملف، حتى وإن أكبر من قدرته.

ونوه إلى أن هناك تحركا جديا من قبل منظمات حقوق الإنسان، وكذلك من قبل أهالي وذوي المعتقلين، مؤكدا أن المجلس أمامه تحدي إعادة الاعتبار للقضاء وسيكون أمام محك حقيقي.

والأحد الماضي، طالبت رابطة أمهات المختطفين والمخفيين في اليمن، الأمم المتحدة والمنظمات، بالضغط على أطراف النزاع، للإفراج عن مئات المختطفين في السجون.

وقالت الرابطة (منظمة إنسانية حقوقية غير حكومية، تأسست قبل أكثر من 5 سنوات)، في بيان لها: "باسم أطفال وعائلات المختطفين والمخفيين قسراً والمعتقلين تعسفاً، كل الجهات المعنية والمنظمات الحقوقية والإنسانية والأمم المتحدة، تضغط للإفراج عن المختطفين والمخفيين، داعية إلى السماح لعائلاتهم بزيارتهم خلال أيام العيد والإفراج عنهم دون قيد أو شرط".