سياسة دولية

هل يفقد وادي السليكون بالهند مكانته بسبب تصرفات الحزب الحاكم؟

يزداد الاستقطاب الديني جنوب الهند بسبب تصرفات المتطرفين الهندوس- الأناضول

تعاني ولاية كارناتاكافي جنوب الهند من توترات؛ بسبب حملات تقودها الجماعات الهندوسية المتطرفة ضد المسلمين، ما يقوض مكانة وادي سيليكون الهند (مدينة بنغالور) في الولاية.

 

وعصفت التوترات بولاية كارناتاكا بعد صدور أمر حكومي يمنع دخول الفتيات المسلمات المحجبات إلى الكليات. وأيدت المحكمة الأمر، وامتنع العديد من الطلاب عن أداء الامتحانات وحضور الفصول الدراسية؛ احتجاجاً على ذلك.

 

وبحسب تقرير لشبكة "بي بي سي" البريطانية، كتبت إحدى أغنى النساء في الهند، الأسبوع الماضي، تغريدة غير عادية موجهة لحكام بلادها.


حثت كيران مازومدار شو، رئيسة شركة "بيوكون" الرائدة في مجال التكنولوجيا الحيوية، الحكومة التي يقودها حزب بهاراتيا جاناتا في ولاية كارناتاكا على "إيجاد حل للاستقطاب الديني المتزايد" في الولاية الجنوبية، التي يبلغ عدد سكانها 64 مليون نسمة.

يقع مقر شركة شو في بنغالور، عاصمة ولاية كارناتاكا ومركز تكنولوجيا المعلومات المزدهر في الهند.

جاءت تصريحاتها في أعقاب جدل حاد حول مطالب الجماعات الهندوسية المتطرفة في الولاية بمنع التجار المسلمين من إقامة أكشاك في أسواق المعابد. كما حثت هذه الجماعات على عدم شراء اللحوم من الجزارين المسلمين، كما تسعى هذه الجماعات الآن إلى حظر استخدام مكبرات الصوت في المساجد، ومقاطعة بائعي المانغو المسلمين.

 

اقرأ أيضا: محكمة هندية تؤيد قرار حظر الحجاب بالمدارس بولاية كارناتاكا

  

في العام الماضي، حظرت الحكومة تجارة وذبح الأبقار في ولاية يبلغ عدد المسلمين فيها حوالي 13 بالمئة.


وثمة خطط لإدراج الكتاب الهندوسي المقدس "باغفاد جيتا" في المناهج الدراسية، وهناك اقتراح بإزالة فصل من المنهاج الدراسي يمجد فيه تيبو سلطان، الحاكم المسلم الميسور الذي عاش في القرن الثامن عشر.


العديد من هذه التحركات أدت إلى بروز استقطاب حاد، حيث يرى المنتقدون أنها محاولات لتهميش المسلمين من قبل حكومة رئيس الوزراء ناريندرا مودي.


لكن الكثيرين يخشون أن يأتي كل هذا بنتائج عكسية  وينتهي به الأمر إلى تشويه صورة إحدى ولايات الهند المزدهرة نسبياً.


وأشارت السيدة شو إلى رئيس وزراء الولاية باسافاراج بوماي في تغريدتها، وقالت إن كارناتاكا "اتبعت دائماً تنمية اقتصادية شاملة"، مضيفة أنه إذا أصبحت مدينة المعلومات والتكنولوجيا الحيوية مسرحا للخلافات بين فئات الشعب  فإن ذلك سيقضي على ريادتها العالمية".


مخاوفها لها ما يبررها، فنجاح كارناتاكا الاقتصادي ينبع من بنغالور، إذ إن 60 بالمئة من عائدات الولاية تأتي من هذه المدينة الحيوية والفوضوية  التي يبلغ عدد سكانها حوالي 10 ملايين نسمة. فهي موطن لأكثر من 13000 شركة ناشئة في مجال التكنولوجيا.


ويوجد في المدينة حوالي 40 بالمئة من الشركات غير المدرجة في البورصة، والتي تبلغ قيمتها أكثر من مليار دولار. بفضل بنغالور.

 

وتنتج الولاية 41 بالمئة من صادرات تكنولوجيا المعلومات في الهند، وومع ذلك، اتسمت بنغالور وكارناتاكا بالانقسام، وشهدت عنفاً دينياً خلال الفترة الماضية.

 

يقول ناريندرا باني، أستاذ الاقتصاد في المعهد الوطني للدراسات المتقدمة بالمدينة، إن صناعة تكنولوجيا المعلومات تجاوزت "الصراعات الداخلية" في بنغالور، من خلال الاستناد إلى الضواحي، وإنشاء بنيتها التحتية الخاصة  والتحكم في سمعة وصورة المدينة.


كارناتاكا هي محورية في مسعى مودي لتوسيع القاعدة الشعبية لحزب بهاراتيا جاناتا في جنوب الهند؛ إنها واحدة فقط من خمس ولايات جنوبية فاز فيها الحزب بالسلطة.


في ولاية يعيش فيها مزيج من الطوائف والجماعات العرقية والأديان، فاز حزب بهاراتيا جاناتا بأغلبية المقاعد البرلمانية في أربع انتخابات عامة متتالية.

 

اقرأ أيضا: تزايد الاحتجاجات في الهند ضد منع الطالبات من الحجاب (شاهد)

في المناطق والقرى الساحلية بالولاية، حيث يعيش عدد كبير من المسلمين، اتبع حزب بهاراتيا جاناتا سياسات قومية هندوسية متشددة لسنوات عدة. لقد ضربت منظمة التطوع الوطني، المنبع الأيديولوجي لحزب بهاراتيا جاناتا، جذورها عميقا في الولاية.


لفترة طويلة، جرت صياغة التحالفات الانتخابية في ولاية كارناتاكا بشكل أساسي حسب الولاءات الطبقية.
بي إس يديورابا، الذي قاد حزب بهاراتيا جاناتا إلى فوزه الأول في عام 2008، شكل ائتلافاً ناجحاً من أتباع ديانة "لينغايات"، الذين يمثلون حوالي سدس ناخبي الولاية والطبقات المحرومة الأخرى.


لكن قسما من اللينغايات يريدون أن يتم التعامل معهم على أنهم ديانة منفصلة عن الهندوسية، وهناك مطالب للفئات المحرومة لتحسين اوضاعها.


يقول سوجاتا سرينيفاساراجو، كاتب السيرة الذاتية لـ"ديفي غودا" رئيس الوزراء الهندي الوحيد الذي ينحدر من ولاية كارناتاكا: "تحت الضغط، يحاول حزب بهاراتيا جاناتا الآن صياغة سياسة مختلفة. إنه يحاول خلق قاعدة انتخابية على أساس القومية الهندوسية والتنمية".

 

خلف بوماي، وهو سياسي غير بارز يبلغ من العمر 61 عاماً، ييدياروبا العام الماضي في منصب رئيس الوزراء. ويقول منتقدون إن أداء حكومته كان مخيبا للآمال، مثل مواجهة ازمة وباء كورونا.


الفساد أمر آخر يعيق التنمية. في خطوة مذهلة، كتب مقاولون من القطاع الخاص إلى رئيس الوزراء مودي في تشرين الثاني/ نوفمبر الماضي، يشكون من أنه يتعين عليهم دفع ما يصل إلى 40 بالمئة من تكلفة المشاريع كرشاوى للوزراء والمسؤولين.


وهناك تقارير عن أموال تنمية لم تصرف، ورواتب غير مدفوعة لعمال النقل  وتأخير المنح الدراسية للمحرومين.


ومن المقرر إجراء انتخابات الولاية العام المقبل. يقول تشاندان جودا، أستاذ علم الاجتماع في معهد التغيير الاجتماعي والاقتصادي في بنغالور: "يبدو أن القومية الهندوسية هي الورقة الوحيدة التي يمكن للحكومة أن تلعبها. ليس لديهم الكثير من الإنجازات الكبيرة لإظهارها".


بعد يوم من تعليقات سيدة الأعمال شو، ناشد بوماي الناس "التعاون في الحفاظ على السلام والنظام"، وقال: "كارناتاكا معروفة بالسلام والتقدم، ويجب على الجميع الالتزام بضبط النفس".


لم تظهر أصوات معارضة لذلك داخل حزب بوماي. اثنان على الأقل من المشرعين من حزب بهاراتيا جاناتا التزما الصمت التام.


يقول فيشواناث لـ"بي بي سي" الخدمة الهندية، إن منع التجار المسلمين من أسواق المعابد الهندوسية "ليس سوى نبذ لهم. إنها ممارسة غير إنسانية".


وأضاف أنيل بيناك: "لن نمنع المسلمين من ممارسة الأعمال التجارية في أسواق المعابد".


وإظهاراً للتضامن، اصطف الهندوس أيضاً أمام محلات الجزارة الإسلامية لشراء اللحوم. كل هذا يمنح الأمل، ولكن هناك المزيد الذي يتعين القيام به.


ويقول سرينيفاساراجو: "اكتسبت السياسة في كارناتاكا طابعا دينيا، كان ذلك نتيجة جهد مستمر طوال عقدين من الزمن. وعلى مر السنين، التزمت أحزاب المعارضة ومعظم المثقفين ورجال الأعمال الصمت أو كان ردهم حذراً، إنهم بحاجة إلى التحدث بجرأة دون مواربة  والابتعاد عن ادعاء التوازن الزائف".