كتاب عربي 21

لقد خيّبت أملنا يا رفيق بوتين

1300x600
ينظر السوريون إلى الحرب الروسية على أوكرانيا بعين الغيرة والغبطة، فالخسائر الأوكرانية قليلة مقارنةً بالخسائر السورية، في الأرواح والبنيان وطول الزمان وتقاصر المكان.. ولم يهدم بوتين عمارة واحدة حتى الآن، وإعلامه يدّعي أن الأوكرانيين يقصفون أنفسهم لإحراج الروس وتشويه صورتهم الجميلة، أو ينسب القصف لجماعات مندسّة. تعبير الجماعات المندسّة "إيزو" سوري، النظام السوري معلّم، ويستطيع تقديم دورات تعليمية في البطش والإعلام التضليلي، فتفضل يا رفيق بوتين ونزودك ببعض الإعلاميين أمثال مذيعة المطر فتون عباسي، ومذيعة الكيماوي ميشلين عازر، والمذيع الذي جمع مجديّ الشدو والحلاوة؛ شادي حلوة.

السوريون يغبطون الحكومة الأوكرانية التي تطرب شعبها بموسيقى صافرات الإنذار محذرة من القصف، وتدعوهم إلى الملاجئ، وأوقفت حركة القطارات، وحوّلت محطات القطار إلى ملاجئ. وليس في سوريا محطات قطار داخلية حتى تحوّلها إلى ملاجئ، القطار الوحيد الرابط بين المحافظات في سوريا توقف من زمان بسبب قصف تجار الحرب الباردة، لإرغام المسافرين على استقلال النقل البري. لا يعرف السوريون صوت صافرات الإنذار العذب، هو عذب وشجيّ إذا ما قورن بصوت البراميل. الحكومة السورية زعمت دوما أنّ الأمور بخير، في التلفزيون السوري الثورة أزمة عابرة مثل أزمة سير، الملاجئ الوحيدة هي ملاجئ العالم الآخر؛ الموت.

السوريون ينظرون بعين الغيرة للنازحين الأوكران في محنتهم، وهم يعبرون الحدود معززين مكرمين من غير جوازات سفر، كأنهم يعبرون من حيّ إلى حيّ. وكانت بين الأحياء السورية حواجز ثابتة، وحواجز أخرى طيارة على ارتفاع منخفض.. ومن ترحيب الدول الغربية بهم، ويعجبون من حال الجنود الروس الواقعين في الأسر منكسي الروس، كأنهم يشعرون بعارين؛ عار الأسر، وعار الغزو. لم نرَ يوماً جندياً سوريا من جند النظام يشعر بالعار.

السوريون يَعجبون من أمر الشعب الروسي الشجاع الذي يتظاهر بعضه في شوارع موسكو احتجاجاً على الحرب، ومن أمر الشرطة الروسية التي تعتقلهم مسلحة بالعصى وليس بالأسلحة القاتلة، ويعجبون من المتظاهر الروسي الذي يحاول إعاقة الاعتقال بإجبار الشرطة على حمله، بينما كان مصير المتظاهر السوري في سوريا الموت.. ومن أن بوتين ليس لديه مظاهرات تفديه بالروح والدم وتسجد له، وتقول له اضرب بيد من حديد، وليس لديه مظاهرات مؤيدة. ونستطيع أن نرسل له بالطائرات حشوداً من السوريين، وسيكونون سعداء مرتين؛ مرّة لمتعة السفر خارج الجحيم السوري، ومرّة لتأييد بطلهم الذي أنقذ ربهم من السقوط.

ويتحيرون من رقّة الرئيس الروسي في أوكرانيا، وشدّته في سوريا، وهو يحكم منذ عشرين سنة، تمديداً أو تحايلاً، مثل بشار الأسد تقريباً، ومن قلة حيله الإعلامية، فهو لا يستطيع أن يتّهم الأوكران بأنهم دواعش. ثمة كتائب إسلامية، لكنها تقاتل في صفوف القوات الروسية، ولعلها أشد من الكتائب الروسية حماسا وانتظاماً، فالحرب لا يمكن خوضها بقصائد الغزل، لا بد من شعارات وتهم وتعبئة، وتهمة النازية الجديدة ضعيفة، ومنقوضة، بل مقلوبة، فليس رئيس أوكرانيا هو الذي أعلن الحرب، وليس له حزب، بل إنه تخلى عن قنابله النووية.

ويدهشون من شجاعة بوتين في تحدي العالم، فهو يعلم أن وسائل التواصل كلها أمريكية، والإعلام العالمي أوروبي أمريكي، وأمس حجبوا روسيا اليوم عن يوتيوب، ويوتيوب أكثر وسائل التواصل ديمقراطية.. ومع ذلك قام بغزو أوكرانيا.

والعجب العجب من بوتين الذي ليس له سوى آلته العسكرية، وقد أظهر تصويراً لغنيمة دبابة روسية قديمة ليس لكرسي سائقها سوى الحديد البارد، ومن أن ليس لدى بوتين من قوة ثقافية أو اقتصادية سوى ثروات روسيا الأولية، فهو يصدّر القمح والغاز، وقد أدرك بذكائه الحاد حدة الفلفل الأرناؤوطي، فاضطر إلى رفع راية الاتحاد السوفييتي الحمراء، علم المطرقة والمنجل و"المنكوش"، مع أنه اتهم لينين، قائد الثورة الحمراء، باختلاق دولة أوكرانيا. لا يستطيع بوتين أن يعرض صور القساوسة الروس وهم "يرشمون" الطائرات الروسية بالماء المقدس، فالضحايا مسيحيون أيضاً، ومن المذهب نفسه الذي يدين به الروس، لذلك أخرج من قبعة الساحر مطرقة الاتحاد السوفييتي ومنجلها.

لم يستطع الاتحاد السوفييتي الذي كان يقود نصف العالم إغراء الشعوب بثقافتها ومسارحها وأسلوب حياتها مع أن النظام السوري وغيره من الأنظمة الاشتراكية العربية أوفدوا الآلاف من الطلاب السوريين، وجلّهم من الأقليات الدينية العرقية، فوقعوا في غرام الروسيات، وبعضهم تزوجهن، واستمتعوا بسواحل البحر الأسود، وعادوا إلى بلادهم يمحضون قلوبهم حبّ البضاعة الأمريكية والأفلام الأمريكية والدخان الأمريكي والحلم الأمريكي.

ويعجبون من رقة الرئيس الروسي وحلمه ورأفته بالأوكران، وعدم قصفه أرتال النازحين والأسواق والمشافي، فليست كييف حلب التي دمرها، ولو شاء لفعل بها مثلما فعل الإسرائيليون بغزة، ومثلما فعل بحلب وقرى إدلب، لكنه سيخسر كثيراً من صورته، بل إنه سيخسر قاعدته الروسية الشعبية، فثلاثة آلاف قتيل روسي ليس عدداً قليلاً.

ويعجبون من فقره بسلاح القوة الناعمة، فالإعلام الروسي لا يظهر شيئاً من بطولات الروس "الفاتحين"، مثلاً رفقهم بالمدنيين الأوكران، وتقديمهم الطعام لأهل المدينة الجوعى، عطفهم على الحيوانات، وعفوهم عن الجرحى. فإما أنهم لا يأبهون بالقوة الناعمة، وإما أن الإعلام لا ينقلها، وكلا الأمرين دفعا بوتين إلى التهديد بالعضلات النووية من رابع يوم!

لقد كان بوتين دوماً يحبُّ العروض، مثله مثل عديمٍ وقع في سلة تين، ومغرماً بالخيلاء والأبهة والرياء والفخر، وقد شبع وارتوى من عروض استقبال الزعماء، وصفّهم وراء المناضد الطويلة في القاعات الفارهة، وتخويفهم بكلبته اليابانية، ويريد نوعاً آخر غير عروض السيرك: عرض الخوف من حرب عالمية نووية.

ومن سوء حظ بوتين أنه ليس هناك من يواليه خوفا سوى رؤساء جمهوريات الاتحاد السوفييتي السابقة، وأنه ليس لديه أبطال في حربه، ولا يهتم سوى بصورته، غافلاً عن أن الأوكران كسبوا قلوب العالم، وأبرزوا كثيراً من البطولات، وسطروا قصصاً لا تقاس بالملاحم السورية ستصير أفلاما سينمائية، مثل قصة أوكرانية توبخ جندياً مذهولا وتعطيه وردة عباد الشمس، وقصة الطيار الشبح، وقصة الجندي الذي دمّر بنفسه الجسر..

كان عليك يا رفيق بوتين الاستعانة بالمؤلفين وإنشاء تمثيليات؛ مدنيون روس يتكلمون الأوكرانية ينثرون الورد على الجنود الروس الفاتحين، جنود روس يحطمون تماثيل الدكتاتور فلوديمير زيلينسكي في الساحات، جنود روس يحررون معتقلين سياسيين من أعماق السجون..

لقد غزا الأمريكان العراق وأفغانستان، بعد أن مثّلوا دور الضحية، فانظر إلى أهمية هوليود والإعلام ومعركة كسب القلوب يا حبّوب.

لمَ لم تضرب برجين في موسكو بطائرتين أوكرانيتين يا بوتين، كوخين يا رفيق بوتين، لو أديت مسرحية استرهان طلاب مدرسة روسية من قبل إرهابيين أوكران؟ لمَ لم تخترع شخصية مثل أسامة بن زيلنسكي يا بوتين المسكين؟

لقد خيبت أملنا يا رفيق بوتين، تهدد بالنووي من رابع يوم، خلِ القنابل النووية تنفعك.

twitter.com/OmarImaromar