قضايا وآراء

الفتوى المباشرة.. أهميتها وخطورتها

1300x600

مع انتشار الفضائيات في عالمنا العربي والإسلامي، ومع تعطش الشعوب الإسلامية للحديث عن الدين، سواء كان وعظا وإرشادا، أو فقها وفتوى، بدأت تتنبه لذلك هذه الفضائيات، فغدا في عدد منها برامج دينية، إضافة لقنوات متخصصة أصبحت دينية من بابها، ومع زيادة طلب الناس وإقبالهم على السؤال والجواب، في باب الفتوى، كثرت برامج الفتوى، وأصبحت برامجها منها ما هو مسجل، وأغلبها مباشر.

وبدأت تحذيرات المشايخ تتزايد من الفتوى المباشرة، وخطورة ذلك على الفتوى، حيث إن الشيخ الذي يتلقى السؤال، لا يعلم ماذا سيسأله المستفتي، فالسائل يفتح خط الهاتف ويتصل على برامج الفتوى، ويسأل فيما يعن له، أيا كان نوع السؤال، هل هو عقدي، أو فقهي، أو حديث، أو تفسير، أو سياسية يريد رأي الشيخ فيها، ويتلقى المفتي السؤال، ويجيب مباشرة، وهذا ما يحذر ويخشى منه المشايخ.

وتحذيراتهم وتخوفاتهم في موضعها، وصحيحة، وبخاصة أن أكثر المشايخ تربى على الخوف من الإفتاء، وتهرب الكثيرين من العلماء منها، من سلفنا الصالح وغيرهم، خوفا من عاقبتها عند الإفتاء بغير علم، وزاد من تخوفهم: تصدر من لم يتهيأ لها، بل من لم يعرف عنه اشتغال بها، لا قراءة ولا بحثا، ولا ممارسة، فضلا عمن تصدروا فيها ممن يرضون السلطة، أو العامة من الناس.

وعلينا أن نتناول هذه المخاوف بإنصاف، فعلينا أولا أن نؤكد أمرا مهما، وهو: أن الفضائيات وكل وسائل الإعلام الحديثة أصبحت وسيلة متوفرة الآن، ولم يعد الحل الهروب من التعامل معها، فإن أصحاب العلم الحقيقي إذا تهربوا وخافوا وقاطعوا، فإن الجهلاء سيتصدرون، ولن يجدوا لديهم خشية ولا حياء من عدم تصدرهم للأمر، فمن لديه الخوف من الإفتاء بغير علم، سيقف كثيرا أمام كل سؤال يصله، ولن يجيب إلا على ما يثق في إجابته، سواء كانت فتوى مباشرة، أو غير مباشرة.

فليس المطلوب إذن مقاطعة وتهيب أهل العلم من الفتوى المباشرة، بل تضييق الأمر على الجهلاء، فالبضاعة الحقيقية تطرد المغشوشة، والناس سرعان ما تكتشف المفتي الناطق عن علم، والناطق عن جهالة وتزوير لما يقول، ولو زينه ببعض العبارات والحركات، ولو زينه ببعض النصوص التي ليست في موضعها.

الأمر الآخر المهم، الذين يجعلني أنادي بألا تقاطع هذه البرامج، بل على أهل العلم والأثبات فيه أن يتقدموا بدل الهجر والترك، هو أن معظم أسئلة الناس ليست فتاوى بالمعنى المعروف في معظمها، بل إن كثيرا منها أشبه باستشارات، ولذا على المتصدر للإجابة عنها التنبه لذلك، فلا يجيب إلا على ما يتعلق بعلمه بها، فإن كانت استشارة تتعلق بأمر ديني، أجاب من حيث رأي الشرع في الموضوع، على الشق المتعلق به وبعلمه.

 

هناك مخاطر ومزالق في الفتوى المباشرة، بحكم تعاملي معها، بدأت أرصد عددا منها، سواء من حيث تعامل المشايخ، أو من حيث من يتصلون للسؤال، فليس كل سائل صاحب سؤال حقيقي، أو يقول الحقيقة في سؤاله، كما أن بعض المشايخ يخشى من مظهره لو سئل سؤالا ولم يجب عليه، فهو يفتي في كل شيء يأتيه يتعلق بالبر والبحر والسماء، ولو سئل عن مراجيح السيدة زينب سيجيب،

 



لكني ألاحظ أن عددا من المشايخ ممن يتصدى للفتوى، يخطئ في هذه المسألة، فتجد السائل يسأل: إن زوجتي فعلت كذا، أو زوجي لا يصلي، فهل أطلب الطلاق؟ أو هل أفسخ خطبتي بخطيبي الذي يدخن؟ فلم يعد السؤال هنا سؤالا فقهيا فقط، بل أصبح استشارة أكثر منه فتوى، فحكم ترك الصلاة، أو التدخين، معروف شرعا، لكن كيفية التعامل مع فاعل المعصية، هذه الآن دخلت في إطار الاستشارة التي تتعلق بجانب تربوي، وعلاج الأمر.

وبالطبع لا يأخذ المتصل أو السائل الإجابة من الشيخ هنا، إلا أنها فتوى، وأنها رأي الشرع، وهنا المشكلة، فعدد من المشايخ لم يتمرس على التعامل مع المشاكل الأسرية من حيث شقها النفسي والاجتماعي، ولم يدرس أو يتلقى دورات على الإرشاد الأسري، والتعامل مع مشكلات الأسرة، ظانا أن العودة للنصوص الشرعية في حكم المشكلة يعطيه الحق في الفتوى فيها، وهو خطأ كبير يقع فيه، وهو ما يحدث للأسف في برامج الفتوى من بعض المشايخ.

فمشكلة كهذه لا تتطلب فتوى من الشيخ المفتي فقط، بل تتطلب مختصا في الأمر، يجلس ويناقش، ويستمع، ويرى السلبيات والإيجابيات، ثم يدرس إمكانية تغير الشخص، وكيف يتغير، وتفاصيل كثيرة جدا، ليست من اختصاص الشيخ المفتي، والأولى به أن يحيل السائل لمختص، ويكتفي بالإجابة عن الشق الشرعي، وكثيرا ما يسألني متصلون، ماذا أفعل؟ وتحتاج الإجابة إلى مختص قانوني، أو اجتماعي، أو نفسي، وأرفض الإجابة وأحيل لأهل الاختصاص، حيث إن ثقة الناس في رأي المشايخ كبيرة جدا، وليس من الصواب شرعا أن يضع السائل هذه الثقة فيمن يسأله، ولا يكون الشيخ على قدرها، والله عز وجل يقول: (فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون)، وأهل الذكر في كل صنعة: الخبراء بها.

هناك مخاطر ومزالق في الفتوى المباشرة، بحكم تعاملي معها، بدأت أرصد عددا منها، سواء من حيث تعامل المشايخ، أو من حيث من يتصلون للسؤال، فليس كل سائل صاحب سؤال حقيقي، أو يقول الحقيقة في سؤاله، كما أن بعض المشايخ يخشى من مظهره لو سئل سؤالا ولم يجب عليه، فهو يفتي في كل شيء يأتيه يتعلق بالبر والبحر والسماء، ولو سئل عن مراجيح السيدة زينب سيجيب، علم أم لم يعلم، وهي إشكالات حقيقية، لم تكن في الفتاوى السابقة التي كانت تكتب أو تسجل في برامج، وهناك إشكالات ومخاطر متعلقة بالفتوى في كل زمان ومكان، لعلنا نتناول ما يتعلق فقط بمزالق فتاوى الفضائيات، لأهميتها، ولكثرة ما تحدث، من باب الواجب العلمي والديني.

Essamt74@hotmail.com