تقارير

"جبل المكبر" نقطة اشتعال لا تنطفئ

جنود الاحتلال على مدخل جبل المكبر بالقدس

تعاني قرية جبل المكبر في القدس المحتلة، الإهمال والتهميش، ورغم ذلك فهي مدينة المقاومة، ما اضطر الاحتلال إلى حصارها بالحواجز الإسمنتية وتشديد الإجراءات الأمنية والعسكرية حولها.

وتتبع قرية جبل المكبر للسواحرة الغربية وتقع إلى الجنوب الشرقي من مدينة القدس، وتحيط بها قرى أبو ديس والسواحرة الشرقية وسلوان والبلدة القديمة والثوري وصور باهر والشيخ سعد. وتبلغ مساحتها بالدونمات 5021.

أطلق المسلمون عليه اسم جبل المكبر، لأن الصحابي الجليل الخليفة عمر بن الخطاب حين أتى إلى المدينة لتسلم القدس، توقف عند الجبل وكبر "شكرا لله"، ثم تسلم مفاتيحها من بطريرك القدس صفرونيوس عام 15 هجري، الموافق 637 ميلادي.

وسمي "جبل الحديدية" لوقوعه إلى الشرق من سكة الحديد. ومن تسمياته أيضا "جبل المؤامرة" و"جبل المشورة الفاسدة"، ويعتقد أنه كانت تقوم عليه دار المجمع المعروف بـ"السنهدريم"، تلك الدار التي قابل فيها يهوذا الإسخريوطي رؤساء الكهنة وقادة الجيش، واتفق معهم على تسليم السيد المسيح، وقيل أيضا أن قصر رئيس الكهنة قيافا كان فوق هذا الجبل وفيه اجتمع الكهنة ورؤساء بني إسرائيل لأجل التآمر على المسيح.

 

                              بلدة جبل المكبر مغطاة بالثلوج

ويعرف باسم "جبل الثوري"، حيث يوجد ضريح المجاهد الإسلامي المعروف بـ"أبي ثور" بالقرب منه، وهو من المجاهدين الذين اشتركوا في فتح القدس مع صلاح الدين الأيوبي، وقد حضر فتح بيت القدس مع الأيوبي، وكان يركب ثورا ويقاتل عليه فسمي بـ"أبي ثور".

بنى الروم على جبل المكبر كنيسة باسم القديس برمزيوس، كما بنى الإنجليز عليه في عهد احتلالهم لفلسطين تحت مسمى "الانتداب" دارا اتخذوها مقرا للمندوب السامي، كما أنهم بنوا عليه الكلية العربية، وهو يشرف على معظم أحياء القدس.

وقبل أن يغادر "المندوب السامي" البريطاني لحكومة فلسطين السير ألن كانغهام فلسطين عام 1948، وضع دار الحكومة على جبل المكبر والكلية العربية والمنشآت المختلفة تحت تصرف منظمة الصليب الأحمر الدولية.

ووقعت في جبل المكبر معركة شهيرة حين تسلل الإسرائيليون صباح يوم 17 آب/ أغسطس عام 1948 إلى جبل المكبر من ناحية المدرسة الزراعية فتصدى لهم المجاهدون العرب وتدافعوا إلى رد المعتدين وساندتهم مدفعية الجيش الأردني من ناحية سلوك، ومدفعية الجيش المصري من ناحية بيت ساحور، فتراجع الإسرائيليون إلى مبنى المدرسة الزراعية.

وفي السابعة من مساء اليوم نفسه أعاد الصهاينة الكرة واحتلت قوة من حوالي 50 جنديا مبنى الكلية العربية ونقلوا جميع موظفيها. ومع فجر اليوم التالي تجمع عدد من أبناء السواحرة وصور باهر وبيت المقدس يقودهم محمد طارق الأفريقي وانضم إليهم عدد من متطوعي "الإخوان المسلمين" المصريين التابعين للعقيد أحمد عبد العزيز الذي ركز قيادته في صور باهر، وقد انضمت إليهم سرية من الجيش الأردني يقودها عبد الله التل، وقامت هذه القوات بهجوم مضاد عنيف فتغلبت على الإسرائيليين الذين اندحروا.

 

                      الاحتلال يهدم منزلا في جبل المكبر بالقدس

وقبل نشوب معركة أواسط آب/ أغسطس عام 1948 في جبل المكبر، تمكن أحد شباب القدس وهو أحمد حسين هرماس وكان يومها موظفا في دائرة المعارف، من إنقاذ مكتبة الكلية العربية، ونقل ما فيها من الكتب وعددها 13 ألف كتاب، إذ كان المحتلون يحاولون الاستيلاء على المكتبة وتمكنوا من الاستيلاء على عدد من مخطوطاتها وكتبها القيمة، قبل احتلال الجزء الغربي من جبل المكبر.

يتواجد مقر هيئة الأمم المتحدة حتى الآن في جبل المكبر في قصر "المندوب السامي" على الهدنة في فلسطين وهبطت أول طائرة في تاريخ القدس في "البقعة الفوقا" غرب جبل المكبر حيث يقوم مبنى الكلية العربية، وكان ذلك عام 1912.

يبلغ عدد سكان جبل المكبر حاليا نحو 21 ألف نسمة، ويتكون من عدد من العشائر مثل: الجعابرة والسرواخة والبشير وعويسات وشقيرات ومشاهرة وعبيدات وجعابص والزعتري.

وقدم سكان القرية 150 شهيدا في إطار المقاومة الوطنية للاحتلال الإسرائيلي وضمن مسيرة النضال الوطني الفلسطيني.

ومن أبرز عمليات المقاومة التي قام بها فلسطينيون من جبل المكبر:

في 6 آذار/ مارس عام 2008 هاجم علاء أبو ادهيم، الناشط في حركة "حماس"، مدرسة "هراف" الدينية في كريات موشيه في القدس الغربية بسلاح ناري ما أدى إلى مقتل 8 إسرائيليين وجرح 35 آخرين قبل استشهاده برصاص الشرطة التي حاصرته في المدرسة.

وفي 4 آب/ أغسطس عام 2014 اتهمت الشرطة الإسرائيلية محمد الجعابيص، بتعمد دهس إسرائيليين بجرافة كان يقودها على الخط الفاصل بين شطري مدينة القدس الشرقي والغربي، ما أدى إلى مقتل إسرائيلي وإصابة آخرين قبل استشهاده في المكان برصاص الأمن الإسرائيلي.

وفي 18 تشرين الثاني/ نوفمبر عام 2014، هاجم عدي أبو جمل وجمال أبو جمل بمسدس وبلطات كنيس "هار نوف" في غرب القدس ما أدى إلى مقتل 5 إسرائيليين وإصابة 8 آخرين قبل استشهادهما برصاص الأمن الإسرائيلي في المكان.

وفي 13 تشرين أول/ أكتوبر عام 2015، هاجم بهاء عليان وبلال غانم، حافلة إسرائيلية بمسدس وسكين في مستوطنة "أرمون هنتسيف" ما أدى لمقتل 3 إسرائيليين وإصابة آخرين فيما استشهد عليان برصاص الأمن الإسرائيلي، واعتقل غانم.

وفي 13 تشرين أول/ أكتوبر عام 2015، هاجم علاء أبو جمل بسيارة إسرائيليين في القدس الغربية ما أدى إلى مقتل إسرائيلي وإصابة 7 آخرين قبل استشهاده برصاص الأمن الإسرائيلي.

وفي 8 كانون ثاني/ يناير عام 2017 هاجم فادي القنبر بشاحنة جنودا إسرائيليين في مستوطنة "أرمون هنتسيف" ما أدى إلى مقتل 4 جنود وإصابة 15 آخرين قبل استشهاده برصاص الأمن الإسرائيلي.

 

                         مواجهات مع الاحتلال في جبل المكبر

وكغيرها من القرى والمدن الفلسطينية فقد قام الاحتلال بتقسيم جبل المكبر وإخراج جزء منه وهو حي الشيخ سعد من القدس وضمه إلى الضفة الغربية، وكذلك فعل في السواحرة الشرقية من حدود السواحرة، وقسمها إلى 3 مناطق، وهي السواحرة الغربية والشرقية والشيخ سعد.

وبحكم المصادرات الصهيونية تتواجد البلدة اليوم في داخل جدار الفصل العنصري رغم أن نفس عائلات البلدة موجودة في منطقة الشيخ سعد أو في السواحرة الشرقية التي فصلها الاحتلال قسرا ومنع التواصل بين القسمين الشرقي والغربي، ومنطقة الشيخ سعد من خلال إقامة جدار الفصل العنصري والحواجز الثابتة.


وتوجد في قلب البلدة مستوطنة "نوف تسيون" التي تحولت إلى "زهاف تسيون" والمقامة على 114 دونما صودرت من أراضي سكان جبل المكبر. وهناك مستوطنة أخرى أقيمت عام 1969 على أراضي جبل المكبر وصور باهر تسمى "هرمون هنتسيف"، بالإضافة إلى مقر شرطة الاحتلال المسمى بـ"عوز".

ولم تتغير التركيبة السكانية كثيرا في قرية جبل المكبر عن وضعها قبل الاحتلال، فظلت محافظةً على الغالبية العظمى من عائلاته الأصلية، وأدى وجود جبل المكبر المطل على المسجد الأقصى من الجهة الجنوبية، والتماس اليومي مع المستوطنين، إلى إبقائه دوما نقطة اشتعال لا تنطفئ في القدس المحتلة، ونظر له الاحتلال دوما على أنه المكان الذي يجب تدميره بعد أن فشل في ترويض أبنائه وكسر إرادتهم.

المراجع

ـ جبل المكبر ميدان مقاومة وقلعة تحد ، المركز الفلسطيني للإعلام، 9/1/2017.
ـ عارف العارف، المفصل في تاريخ القدس، ج4، صفحة 439.
ـ جبل المكبر.. قرية يدعس أبناؤها الاحتلال، الجزيرة نت، 15/3/2014.
ـ عبد الرؤوف أرناؤوط، جبل المُكَبِّر بالقدس... نقطة انطلاق منفذو العمليات الكبيرة، وكالة الأناضول، 9/1/2017.
ـ معركة جبل المكبر، الموسوعة الفلسطينية، 28/10/2015.
- محمد عبد ربه، جبل المكبر...الحي المقدسي الذي فشل الاحتلال في سحقه، العربي الجديد، 14/10/2015.