قضايا وآراء

تصنيع لقاح كورونا في مصر والغش التجاري

1300x600
في حوار صادم لجموع المصريين، خرج علينا مسؤول "لجنة لقاح كورونا" في المركز القومي للبحوث التابع لوزارة التعليم العالي المصرية، ليعلن أن ما يتم في مصر حاليا هو مجرد تعبئة للقاح الصيني، ويطلق عليم مجازا اسم "اللقاح المصري"، في إشارة صادقة منه إلى حقيقة الدعاية الإعلامية الحكومية لصناعة اللقاح في مصر.

وكان رئيس الحكومة المصرية قد أعلن في مؤتمر صحفي في بداية تموز/ يوليو 2021 عن افتتاح خط إنتاج لتصنيع لقاح كورونا لأول مرة في مصر لتلبية الاحتياجات المحلية، والعمل على تحويل مصر إلى منصة إقليمية لتصدير اللقاح إلى جميع الدول الأفريقية، خاصة أن مصر تعاني من تأخير الارتباطات الدولية نحو توريد اللقاحات، مما يؤثر على عملية التطعيم ضد وباء كورونا.

الحقيقة كانت معروفة رغم تدليس الدعاية الحكومية:

وفي حوارات متعددة لي على الفضائيات وقتها قمت بكشف حقيقة ما يتم على أرض الواقع، وأنه مجرد تعبئة وتغليف ووضع ملصق خاص على عبوات صغيرة تشمل المادة الخام المستوردة مسبقا من الصين، وأن هذا ليس تصنيعا حقيقيا، إضافة إلى أنه في حالة حدوث أي مشكلة في استيراد المادة الخام من الخارج، فسوف تتوقف فورا خطوط الإنتاج وتصبح غير ذات جدوى، وأضفت بحقيقة أنه لا بد من إنتاج المادة الخام كاملة في مصر لضمان كفاءة واستمرارية تشغيل خطوط الإنتاج، ولضمان توفير لقاح كورونا لتغطية الاحتياجات المحلية وتلبية الالتزامات التصدير للخارج، التي أعلنها رئيس الحكومة.
الغريب في الأمر، هو أن مصر تمتلك فعلا القدرة على إنتاج المادة الخام، شرط وجود دعم سياسي، كما حدث في تركيا مثلا، لأن بدايات العمل العلمي المصري لإنتاج لقاح وطني سبق تركيا بعدة أشهر

مصادر توريد لقاح كورونا إلى مصر:

المعلن رسميا، هو أن جميع أنواع لقاح كورونا ترد إلى مصر هدية بالمجان من مصادرها المختلفة، حسب نوعية بلد المنشأ لكل لقاح؛ حيث يرد لقاحا سينوفارم وسينوفاك من الصين بالمجان، ولقاح سبوتنيك- في" هدية من وزارة الرياضة الروسية، ولقاح إسترازينيكا هدية من مجموعة كوفاكس (COVAX) عبر آلية جافي (GAVI) التابعة لمنظمة الصحة العالمية، ومثلها ترد لقاحات فايزر بيونتيك ومودرنا الأمريكية، أما لقاح جونسون آند جونسون ذو الجرعة الواحدة، فإنه يرد هدية من مجموعة (AVAT) لدعم اللقاحات بالاتحاد الأفريقي.

لقاح كورونا المصري ما هي حقيقته:

كان واضحا من حوار مسؤول لجنة اللقاح المصري أنه توجد فجوة في مصر بين الواقع والمأمول، حيث إن الواقع يكشف عملية تصنيع وهمية لمنتج صيني تم استيراده كمادة خام جاهزة للتعبئة، في حين أن المأمول هو إنتاج لقاح مصري حقيقي بكامل مكوناته، بداية من المواد الأولية ومدخلات الصناعة، ثم بدء التشغيل والإنتاج حسب تقنية مصرية متكاملة.

الغريب في الأمر، هو أن مصر تمتلك فعلا القدرة على إنتاج المادة الخام شرط وجود دعم سياسي، كما حدث في تركيا مثلا، لأن بدايات العمل العلمي المصري لإنتاج لقاح وطني سبق تركيا بعدة أشهر. وحصل لقاح كورونا المصري الذي تم اختراعه بعقول مصرية وتقنية مصرية من خلال لجان بحثية علمية، وتمت له جميع مراحل التجارب ما قبل الإكلينيكية بكفاءة وفعالية ومأمونية، وحصل على موافقة بدء التجارب السريرية منذ منتصف آذار/ مارس 2021، ولكن تعثر التنفيذ لعدة أشهر ليبدأ متأخرا جدا منذ عدة أسابيع فقط، في حين كان اللقاح التركي "توركوفاك" يسير بخطوات سريعة ومدعوما سياسيا ليحصل على الموافقة العلمية والصحية ويبدأ استحدامه فعليا منذ أيام، في حين أن اللقاح المصري الوطني "كوفي فاك" ما زال متعثرا في المرحلة الأولى من التجارب السريرية، وفي مستشفى واحد فقط تابع للجهة البحثية المنتجة للقاح، في إهمال واضح من مستشفيات وزارة الصحة أو المستشفيات الجامعية.
تسمية اللقاح الصيني مجازا بأنه اللقاح المصري يدخل ضمن مفهوم الغش التجاري، والتدليس الصحي على الشعب، ويخضع من ثم لعقوبات أقرها قانون حماية المستهلك، الذي يشترط الإعلان بوضوح عن جهة المنشأ الحقيقية ومكونات أي منتج مطروح للمواطنين

وكان من المثير للدهشة أن يتم إنتاج العينات التجريبية للقاح المصري من خلال شركة خاصة للقاحات البيطرية، يترأسها لواء في الجيش، في غياب تام لأي تعاون متوقع من مصانع شركة فاكسيرا التابعة للدولة.

اللقاح المزيف والغش التجاري:

إن تسمية اللقاح الصيني مجازا بأنه اللقاح المصري يدخل ضمن مفهوم الغش التجاري، والتدليس الصحي على الشعب، ويخضع من ثم لعقوبات أقرها قانون حماية المستهلك، الذي يشترط الإعلان بوضوح عن جهة المنشأ الحقيقية ومكونات أي منتج مطروح للمواطنين، خاصة بعد الإعلان عن اختراع القوات المسلحة المصرية لجهاز علاج الإيدز منذ عدة سنوات، الذي تبين فشله وأصبح أضحوكة اشتهرت باسم "جهاز الكفتة". تلك الذكريات ما زالت عالقة بأذهان شعب مصر، الذي أصبح يشك في الكثير من الإنجازات الوهمية التي تعلن الدولة عنها.