قضايا وآراء

إيران الإسلامية وإيران الشاه في السياسات الإقليمية والعالمية

1300x600
الملاحظ أن إيران الشاه والإسلامية هي في كل الأحوال إسلامية شيعية، ولكن الفارق بين التحالفات والسياسات والتوجهات هو الذي جعل الخليج وواشنطن تضطهد إيران الإسلامية وتتهمها بالإرهاب والعنف والتوسع والتدخل في الشؤون الداخلية للدول الأخرى؛ ليس لأن إيران الإسلامية كذلك، ولكن بسبب تحالفات وسياسات إيران الإسلامية. فقد كانت إيران الشاه حليفا لواشنطن تعتمد عليه في صراع الحرب الباردة مع موسكو السوفييتية، وكان الشاه ضد كل الأطراف التي تناوئ إسرائيل والولايات المتحدة، فكانت إيران الشاه حارس المصالح الأمريكية في الخليج تحت إشراف الولايات المتحدة.

وكان الصراع بين إيران والشاه والعراق ومصر الناصرية لأسباب ثلاثة، الأول: هو أن صدام حسين وعبد الناصر كانت سياستهما القومية تزعج إيران الشاه، خاصة وأن صدام ظهر بعد هزيمة مصر وانزواء عبد الناصر بعد عام 1967، فظن صدام أنه يستطيع أن يخلف مصر الناصرية في مناهضة إيران وواشنطن وإسرائيل.

والسبب الثاني أن صدام كان يتمنى أن يخلف بريطانيا في الخليج بعد انسحابها الذي تقرر 1968، وهو عام ظهور صدام حسين على المسرح العراقي.

السبب الثالث أن التيار القومي كان في الحرب الباردة مع موسكو ضد واشنطن.

ومنذ قيام الثورة الإيرانية كانت ثورة دينية إسلامية، ونعتقد أن وصفها بالإسلامية كان يقصد به إبراز الطابع الديني، رغم أن الشاه هو الآخر كان مسلما شيعيا ولم تكن الهوية الشيعية قد أبرزت في عهد الشاه.

أما الشيعة في الدول العربية فقد تعرضوا لمضايقات من ثلاث زوايا:

الأولى أن التيار القومي رغم أنه علماني أخذ الشيعة العرب بجريرة كراهية إيران الشاه، صديقة إسرائيل، رغم أن الشيعة كانوا محايدين، بل إن السيد حسن نصر الله كان معجبا بجمال عبد الناصر لأن الأخير كان ضد الشاه الذي أهان إيران وسخرها لخدمة إسرائيل والاستعمار الأمريكي.

الثانية أن الأغلبية السنية في الدول العربية سادتها أفكار سلبية ذات طابع ديني لنقص في فهم الشيعة، وربما كانت متأثرة بمواقف بعض الحكومات. فقد كان الشعب والحكومة يعتبرون الشيعة من الرافضين للدين وللسنة، ووجدوا سببا لاضطهادهم.

فلا فرق في الطبيعة بين إيران الشاه وإيران الثورة، ويبدو أن إيران فيما بعد تحفظت قليلا على وصف ثورتها بالإسلامية عندما تبين لها أن التيارات الإسلامية كانت كلها سنية ومتحالفة مع واشنطن ولكنها تكره إسرائيل، كما أنها - وهو الأهم - تعادي الشيعة لأسباب غامضة، حتى أن داعش لم يوجه هجومه إلى الشيعة وحدهم وإنما نال ضرره السنة وجميع الطوائف.

ولكن ظهور إيران الإسلامية واكبه تراجع التيار القومي الذي يبدو أنه لم يتصادم مع القومية الفارسية التي أخفاها التوجه الإسلامي.

ومما يذكر أن إيران الثورة اعتبرت الثورات العربية، خاصة بعد تصدر التيارات الإسلامية لها ومعاداة واشنطن وإسرائيل، نتاجا طبيعيا وامتدادا لهذه الثورة، ثم انسحبت بهدوء من هذا الاتجاه عندما بدأت القوى المناوئة للتيارات الإسلامية الصراع معها على السلطة.

فقد ركزت إيران الثورة على نقل إيران من خادم إسرائيل والولايات المتحدة إلى لاعب أساسي في المنطقة؛ لها مشروع تنافس به المشروع الصهيوني.

فقد أعلنت منذ اللحظة الأولى معاداة واشنطن وإسرائيل، وأظهرت أنها ثورة تحرر من الهيمنة الأمريكية والإسرائيلية، وبذلك دخلت بقوة دائرة الصراع العربي الإسرائيلي، ولكن في هذه اللحظة كانت التيارات القومية تنحسر وتدخل مصر والمنطقة العربية كلها بيت الطاعة الأمريكي، مرورا بالتخلي لإسرائيل عن القضية الفلسطينية، فأدى ذلك إلى صِدام مع أقرب حلفاء واشنطن وإسرائيل في المنطقة العربية خاصة السعودية وليس مصر.

ما دامت واشنطن تدعم بشكل أعمى إسرائيل، فقد عادت إيران الثورة المعسكر العربي المتصالح مع إسرائيل وحلفاء واشنطن، وأبرزهم مصر، فأقدمت على قطع العلاقات الدبلوماسية معها حتى اليوم.

ومما يذكر أن علاقة الصداقة والتضامن بين الشاه والسادات كان القاسم المشترك فيها هو إسرائيل والولايات المتحدة بعد أن انضم السادات إلى الحظيرة الأمريكية وفارق الحظيرة العربية. وهذا التقارب كان شخصيا؛ أكثر من كونه بين دولتين ذات تاريخ حضاري عريق.

الفارق الجوهري في ما نرى بين إيران الثورة وإيران الشاه هو أن إيران الثورة أيقظت الحس الشيعي، وأن إيران هي الملاذ لهم ضد حكوماتهم التي تضطهدهم، فأصبح الرباط الشيعي مع إيران أكبر بكثير من كونه رباطا طائفيا بل أقرب إلى الرباط القومي، وكان ذلك ظاهرا بشكل خاص في العراق والبحرين ولبنان. وقد أدت مساندة إيران لحزب الله في لبنان وتصديه للاحتلال الإسرائيلي لبيروت إلى ارتفاع مكانة الشيعة على الخريطة الطائفية في لبنان.

وكانت الحرب العراقية الإيرانية سببا في إبراز البعد الشيعي في الصراعات عبر الوطنية، وقد رأينا ذلك في موقف شيعة العراق من الغزو الأمريكي للعراق. ورغم أن إيران والشيعة كانت لهم مصلحة في هزيمة الغزو عن طريق المقاومة، إلا أن موقفهما من المقاومة العراقية لم يكن واضحا، وكانت حرب صدام حسين مع إيران أهم المداخل والأسباب في تصدر الشيعة للسلطة في العراق.

فظهور إيران الثورة كان نقطة تحول في التحالفات والسياسات الإقليمية، فقد تصدرت إيران معسكر المقاومة لإسرائيل التي تدعمها واشنطن.

وقد لاحظنا أن الروح القومية الفارسية ظلت كما هي في إيران الثورة، وتعتبر تاريخ فارس كله تاريخا واحدا ممتدا مع الفارق في التوجهات.