ملفات وتقارير

تونس: تفش سريع للوباء وتوقعات بتسجيل وفيات كبيرة

يحذر مختصون من وصول الوفيات إلى 500 وفاة يوميا- جيتي

موجة وبائية رابعة بتونس سريعة الانتشار، أرقام قياسية مفزعة من حيث الوفيات والإصابات التي باتت تعد بالآلاف يوميا، وسط توقعات بأن تكون ذروة الانتشار أواخر شهر تموز/ يوليو الحالي وبداية آب/ أغسطس القادم.

طاقة استيعاب المستشفيات وغرف الإنعاش تجاوزت المائة بالمائة في أغلبها، مع صعوبة في الحصول على الأكسجين في عدد من المستشفيات وخاصة بالمناطق الداخلية، مع نفاد اللقاحات وغلق بعض المراكز المخصصة لها.

حجر شامل وآخر موجه تعيش على وقعه أغلب المدن، غلق للطرقات والمقاهي والمحلات والمساجد لتفادي التجمعات مع حجر شامل كل نهاية أسبوع بمحافظات تونس الكبرى، تلك إجراءات اتخذتها الحكومة للحد من سرعة انتشار الفيروس، مع معاضدة قوات الجيس الوطني في عمليات التلقيح بالمناطق النائية.

كما تتالت المساعدات الخارجية وخاصة من الدول العربية من ذلك مستشفى ميداني قطري بسعة 200 سرير مجهز ومن مصر طائرتان عسكريتان تحملان معدات طبية.

ووفق آخر الأرقام الرسمية لوزارة الصحة، الاثنين، فإن ‏عدد المسجلين لتلقي التطعيم تجاوز الثلاثة ملايين فيما بلغ عدد التونسيّين الذين استكملوا التلقيح 600 ألف (جرعتين)، ومليون وخمس مائة ألف (جرعة واحدة )، بعد 121 يوما على بداية التطعيم.

وضع خطير

وقالت الدكتورة والناطقة الرسمية باسم "اللجنة العلمية لمجابهة فيروس كورونا" جليلة بن خليل في تصريح لـ"عربي21"، إن "الوضع الوبائي في تونس خطير وصعب بالنظر للوضع بالمستشفيات، هناك توافد كبير للمرضى مقابل عدم قدرة على إيواء الجميع وخاصة في أقسام الإنعاش حيث يصعب توفير سرير للمريض بالنظر إلى أن المريض يبقى ما بين ثمانية وعشرة أيام في الإنعاش".

وعن أسباب تدهور الوضع وتسجيل آلاف الإصابات أوضحت بن خليل أن "الإشكالية الكبرى لتونس هي في مدى تطبيق الإجراءات التي يتم فرضها، نحن نضع إجراءات ولكن تطبيقها واحترامها يظل حبرا على ورق، كان بالإمكان الاستغناء عن كل التظاهرات السياسية والتي تسببت في تفشي الفيروس، وأيضا الأفراح والتجمعات".

من جهته وصف الدكتور بكلية الطب بتونس منذر الونيسي الوضع بأنه "خطير جدا"، مضيفا في حديثه لـ"عربي21": "نحن نواجه موجة رابعة شديدة الخطورة، يوميا نسجل آلاف الإصابات، المستشفيات تجاوزت طاقة الاستيعاب مع نفاد الأكسجين، للأسف هناك انتشار أفقي للعدوى".

ولفت الونيسي إلى أن خطورة الوضع تعود أساسا إلى أن الدولة لم تسرع في عملية جلب اللقاحات، كما أن فتح الحدود عند تسجيل صفر إصابة في السنة الفارطة خطأ كبير، كان الاهتمام وقتها بالانتصار الإعلامي (صفر إصابة) وتم إهمال الانتصار الميداني في الوقت الذي كانت فيه بقية الدول تسارع لجلب اللقاحات".

وأضاف الونيسي: "رأينا تجمعات وتظاهرات كبيرة ثقافية ورياضية، كان هناك ارتخاء كبير من المواطن بالنظر إلى أن الدولة أعلنت انتصارها على الوباء وقتها، ما يحصل الآن هو نتيجة اللامبالاة من المواطن بعدم لبسه للكمامة واحترام التباعد، وعدم جدية الحكومة في جلب اللقاحات".

الحجر الشامل

وعن الإجراءات العاجلة التي لا بد منها للحد من الانتشار وكسر حلقات العدوى دعت بن خليل إلى أنه "لا بد من إعلان الحجر الصحي الشامل على الأقل لمدة ثلاثة أسابيع، فالهدف منه التقليص من عدد الإصابات وبالتالي توفير أسرة إنعاش بالمستشفيات والتخفيف من الضغط".

بدوره طالب الونيسي بإعلان حجر صحي شامل ما بين 4 و6 أسابيع لكسر العدوى، ولكنه أقر بصعوبة ذلك بالنظر لكلفته على المواطن الذي لن يتحمل ذلك نظرا للوضع الاقتصادي والاجتماعي المتردي.

 

أكثر من 500 وفاة

يحذر المختصون والأطباء من أن أواخر شهر تموز/ يوليو وبداية آب/ أغسطس سيتم تسجيل أرقام صادمة من حيث الوفيات والإصابات.

وتوقع الونيسي أنه بالنظر لما يتم تسجيله الآن من أرقام ونظرا لعدم إعلان الحجر الشامل، فإن أواسط الشهر الجاري ستكون هناك ذروة في الأرقام، وللأسف سنصل إلى ما بين 400 و500 وفاة فيما سيتم في منتصف آب/ أغسطس تسجيل 700 أو 800 حالة وفاة يوميا وما يقارب 20 ألف إصابة.

بدورها تقول بن خليل: "في حال تواصل التسيب والاستهتار وعدم تطبيق الإجراءات فإن الأرقام ستكون مفزعة، نحن أمام سلالة هندية خطيرة، ولا بد من التباعد وتطبيق كل الإجراءات الوقائية".

وطالبت بضرورة جلب اللقاحات لأنها "الحل الوحيد للسيطرة على الفيروس الخطير وسريع الانتشار".

 

اقرأ أيضا: سعيّد يهاتف ابن زايد.. نصف مليون "لقاح كورونا" من الإمارات

مسؤولية سياسية

يحمل عدد كبير من المتابعين للشأن العام المسؤولية لما بلغته البلاد من كارثة صحية إلى السياسيين بدرجة أولى، فالصراع بينهم وخاصة بين مؤسسات الدولة كان السبب الرئيسي في تأخر جلب اللقاحات ورسم استراتيجية واضحة ومتكاملة لمواجهة الوباء.

ويرى الباحث والأكاديمي زهير إسماعيل أنه لم يعد الخلاف بين الفاعلين السياسيين والمراقبين للمشهد التونسي حول علاقة الفشل في مواجهة الوباء بالأزمة السياسية، وإنّما الخلاف حول المسؤول عن هذا الفشل، وتتأكّد هذه العلاقة بقياس المشهد الحالي إلى تجربة حكومة إلياس الفخفاخ في مواجهة الموجة الأولى من الوباء، وقد أمكن تشكيل قيادة طبية سياسية ميدانية بقيادة وزير الصحة عبد اللطيف المكي مدعومة بقوة من رئاسة الحكومة والبرلمان.

وأضاف إسماعيل لـ"عربي21": "هناك إجماع على أنّ إسقاط حكومة الفخفاخ كان مقدّمة إلى التراجع أمام زحف الوباء والفشل في مواجهته، ولذلك يحتدّ تبادل التهم بإسقاطها بين من كانوا من تشكيلتها، فهناك من يلح على أنّها استقالت، ويلح طرف آخر على أنها أجبرت على الاستقالة".

ولفت إلى أن الصورة أصبحت اليوم أوضح وذلك من خلال أن "سياسة التعفين وخنق المؤسسات التي يمارسها رئيس الجمهورية وتخليه عن دوره في توظيف الدبلوماسية في توفير اللقاح وأدوات محاربة الوباء كلها تدين رئيس الجمهوريّة وتحمله المسؤولية الأولى في هذا الفشل".

وتابع إسماعيل: "أما الجهة الثانية المسؤولة فتتمثل في القوى التي تستهدف البرلمان، وهناك شبه إجماع على تقاطع "الدستوري الحر" و"الكتلة الديمقراطية" في لعب هذا الدور سواء بتعطيل أشغال المجلس أو بمقاطعة جلساته، والجهة الثالثة هي الحكومة وحزامها البرلماني".

وتوقع إسماعيل أن تكون الحكومة السياسية التي دعت إليها حركة النهضة "انطلاقة جديدة لانتصار جزئي على الوباء يمهد لمرحلة سياسية جديدة".