مدونات

‏فلسطين والعرب والصحافة المتصهينة

كاتب آخر
من يظن أن القرارات السياسية، سواء كانت دولية أو إقليمية، بعيدةٌ عن الإيديولوجيات والرؤى فهو واهم.

لا يمكن أن يأتي قرار بدون عقلية دافعة؛ إما كسبوها بالمراجع واستغلوا مكانتهم الدينية لأهدافهم لشرعنة كل ما يريدون، وإما مصالحهم البحتة تدفعهم لذلك.

مع كل هذا فإن العالم اليوم في صراعٍ بغض النظر عن البادئ به والمدافع والمقاوم فيه، وبغض النظر عن كون هذا الصراع في الثقافات والآراء أو في السياسات والحركات الدولية المتناقضة المتصادمة مع آخرين لا يمكنهم الاعتراف بهم والتصفيق لقراراتهم وأهدافهم.

فقد يأتي ضمن هذا الإطار صراعُ العقليات.. صراعاتٌ عقلية لم تكن قد وصلت إلى مرحلة كونها عقليةً، بل ولم تكن إلا مجرد قرارات سياسية يدافع عنها بضعة صحفيين وإعلاميين، ثم تنحاز لها المراجع الدينية فتتحول إلى غدة سرطانية داخل الأوساط العلمية والإعلامية.

لقد كان للمشرق العربي، الذي أصبح في هذه العقود مركز الأحداث والقضايا بسبب شعوب تطالب بالتغيير في الواقع أو الانقلابات المتكررة التي تحصل فيه، دورٌ كبير في صراع الأيديولوجيات المحلية.

وبصراحة فإن الشعوب العربية باتت تحسب نفسها داخلة في مقاومة وصحوة ووعي أمام الصهيونية العالمية، وقبالة هذا ترى الصحفيين كيف يقفون مواقف واضحة لصناعة اتجاهات جماهيرية لتحويل العقليات، وحتى تراهم يحاولون تغيير المسلّمات العقلية وتغيير ما أصبح جزءا من حياة الشعوب.

وترى من يسمي بكل صراحة مطالبات ملايين الناس بالإرهاب، ويجعل مقاومة ٣٠٠ مليون عربي أمام مشروع إسرائيل الكبرى من النيل إلى الفرات مسؤولا عن جميع الأزمات التي تتفجر بسبب عملاء الصهاينة في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا. وكأن أساس كل هذه المآسي هي فكرة المقاومة، ولمناهضة ذلك هؤلاء يقدم فكرة جديدة تخالف هذه الرؤية التي تسربت في عقول المسلمين منذ قرن كامل بعد احتلال فلسطين.

فعلى سبيل المثال، يقولون إنه لا بد من حوار الأديان وهو لا يعرف عن الحوار إلا الاستسلام والخضوع أمام الإمبريالية، ولا يعرف عنه إلا اندماج الأديان. فإياك أن تحسب هذه المحاولة مجرد انحياز لما تريده السلطة، بل هذه دعوة تجاهٍ بديل لما كان فيه العرب لمدة قرن كامل، وهي فكرة المناهضة والتفكير بأسلوب الدفاع.

ها هي الإمارات التي جعلت صفقة القرن والتطبيع مع إسرائيل آخرَ ما توصل إليه العقل العربي، لم يكتف صحفيوها بنقل الأخبار والتقارير، فها هم يستدلون في ما يقرر حكامهم بآيات من القرآن، فيقول أحدهم "لا نفرق بين أحد منهم"
(أي رسل الله)، إذاً علينا بالتطبيع الكامل مع إسرائيل وشيطنة الشعب الفلسطيني.
ولم يكتفوا كذلك بهذه الآيات، بل ويستخدمون كل الوسائل الحديثة
وحتى التعليم لإفساد عقلية الجماهير وإقناعها بأن فلسطين انتهت وأن كل محاولة للدفاع عنها باءت بالفشل والخيبة، ولم يبق من طريق إلا عملية الاستسلام.

ولا ننسى أن حوار الأديان الذي يدعون إليه هو غير التعددية الإسلامية، وغير التعايش الذي أمر به القرآن والسنة وجاء في تاريخ الحضارة الإسلامية، وأنه ليس سوى دين جديد ترضاه العولمة ومعها الصهيونية العالمية، ويقول بأن المتناقضات العقلية والعقائدية كلها على حق ليؤولوا قرارات الحكام ويطبلوا لهم.

إذاً لا بد أن تشمر عصبة مؤمنة قوية من الصحفيين العمالقة بكل ما تيسر لردع هذه الحرب النفسية التي باتت تتعرض لها الأمة، ولا سيما حين تكون الحقائق والدلائل حليفة لنا.

وكذلك لا بد من أصوات مستقلة تقول وتؤكد بأن إسرائيل مغتصبة، وإقناع الجماهير أو إبقائها على قناعتها بأن فلسطين لا تزال مقاومة، ومعركة سيف القدس الأخيرة أثبتت أن من يقول الفلسطيني باع أرضه فهو مجرم.

ولا ينبغي لنا كأمة مسلمة أن نبقى مكتوف الأيدي تجاه ذبابٍ يملأ يومه وليله كذبا، ثم يلوي لسانه باتفاق السلام وهو يرى حجم الظلم الذي يتعرض له الفسطينيون في القدس، وفي إجلاء عام في حي الشيخ جراح.

وباختصار شديد لا بد من تحطيم أوهام الإعلام المتصهين؛ الذي على حسب قول الصحفي التركي حمزة تكين لا يعبر إلا عن وجهة نظر الصهاينة أنفسهم، وهو كذلك.

ولقد رأينا في المعركة الأخيرة كيف أن الأمة الإسلامية بأسرها لا تزال تحسب فلسطين قضية لها، وأن جهود ترامب وكوشنر ذهبت أدراج الرياح، وأن القبة الحديدية ستزول إذا اتحد العالم الإسلامي وقامت البلاد العربية والإسلامية بخطوات عملية إعلامياً وثقافياً ودبلوماسيا للدفاع عن أولى القبلتين وثالث الحرمين.

وأتمنى أن تكون الفكرة قد وصلت، وما علينا إلا البلاغ المبين.

* كاتب من إيران، حاصل على بكالوريوس الثقافات من جامعة دار العلوم في زاهدان