تقارير

أنور الغربي: الدفاع عن فلسطين هو دفاع عن الإنسانية

أنور الغربي: الدفاع عن فلسطين هو جزء من الدفاع عن الإنسان والحياة.. (عربي21)

تنشر "عربي21" في قسم "فلسطين الأرض والهوية"، كل يوم جمعة، توثيقا أسبوعيا لفلسطين، كما تبدو فكرة ومفهوما في أذهان المثقفين والسياسيين والنشطاء الحقوقيين في العالم.. على اعتبار أن هذه الكتابات هي جزء من وثائق التاريخ الفلسطيني الحديث والمعاصر.

اليوم ننشر الجزء الثاني من رأي أنور الغربي مستشار الرئيس التونسي الأسبق للشؤون الدولية، عن القضية الفلسطينية.


في منتصف التسعينات، كنت أحد مؤسسي جمعية الإغاثة لفلسطين وانطلقنا بتبني بعض الأيتام وأصبحنا في فترة وجيزة أهم جمعية داعمة لفلسطين من الناحية الإنسانية تنشط من سويسرا، وبدأنا تشبيك العلاقات على المستوى الأوروبي مع الجمعيات التي لها الأهداف نفسها، وتفاعل الناس معنا بشكل كبير رغم ضعف الإمكانيات لدينا. 

وفي أقل من خمس سنوات، أصبح لدينا حوالي ألف يتيم مكفول بشكل منتظم، إضافة لعدة مشاريع تنموية في الضفة وغزة والقدس، وأيضا أماكن وجود اللاجئين مثل لبنان والأردن. وكنا من مؤسسي ائتلاف الخير، وساهمنا من موقع متقدم مع من كانوا في الصفوف الأمامية لتثبيت العمل الإغاثي والإنساني ودعمه. 

وبالتوازي مع ذلك، ومع تزايد الاعتداءات الإسرائيلية على الأقصى، أسست مع عدد من الأصدقاء جمعية "الحقوق للجميع" للدفاع عن الحقوق والعدالة وعلى رأسها حقوق الشعب الفلسطيني. وفرضت الجمعية نفسها بنشاطاتها المبتكرة والمتنوعة، وأصبحت تقاريرها معتمدة وذات مصداقية عالية. ونظمت الجمعية خيمات إعلامية أسبوعية وشهرية في عديد المدن السويسرية، وأقامت المسيرات والاحتجاجات المختلفة، وأصبح لها وجود إعلامي في جنيف وابتكرت أساليب جديدة في التحركات لم تألفها سويسرا من قبل؛ من مثل مسيرة لمئات الأطفال والأمهات يحملون نعوش مئات الأطفال الذين قتلتهم إسرائيل، أو إطلاق بالونات أمام مقر الأمم المتحدة تحمل أسماء 500 طفل وامرأة قتلتهم إسرائيل خلال عدوانها سنة 2009 على قطاع غزة، أو مسيرات صامتة لأن لغة الصمت أحيانا أبلغ، أو سلسلة بشرية تربط مقر الأمم المتحدة بمقر إقامة السفير الإسرائيلي، إضافة لبيانات أسبوعية ثم شهرية لمدة 12 سنة متواصلة هي فترة رئاستي للجمعية. 

ونظمت الجمعية زيارات لشخصيات فلسطينية من الضفة والقدس وغزة لإلقاء محاضرات وندوات في سويسرا، وساهمت في تيسير المحادثات بين السلطات السويسرية وكل الفصائل الممثلة للشعب الفلسطيني دون إقصاء لأي تيار، وأشرفت على زيارات لوفود برلمانية لغزة وشاركت بفعالية في تسيير سفن كسر الحصار، كما كنت من مؤسسي "تحالف من أجل فلسطين" الذي يضم أحزابا يسارية ونقابات وجمعيات مختلفة، تنسق نشاطها وتنظم فعاليات مشتركة لترسيخ الحقوق الفلسطينية.  

وكانت الجمعية أيضا عضوا مؤسسا في "الحملة الأوروبية لرفع الحصار عن غزة"، التي كنت أحد الناطقين باسمها والممثل القانوني لها طوال سنوات. كما ساهمت في تأسيس مظلة "شركاء من أجل التنمية والسلام" و"أميال من الابتسامات". ومن أهم النشاطات رفع دعاوى قضائية ضد مسؤولين إسرائيليين مثل شارون وشيمون بيريز أو أمريكيين مثل جورج بوش أو كولون باول، ونجحنا في العديد من الحالات، خاصة تلك التي تم التنسيق فيها مع الشركاء في التحالف.

وتركز النشاط منذ سنة 2000 على البعد القانوني والحقوقي للقضية الفلسطينية، ونجحنا في كسب العديد من الفاعلين في الساحة الأوروبية، وأصبح صوتنا مسموعا. وقد نظمنا المؤتمر الدولي حول الأسرى في جنيف سنة 2012 ورفعنا شكاوى وقضايا مختلفة لمحكمة الجنايات الدولية.

وقد ساهمنا أيضا في تأسيس مبادرة BDS للمقاطعة في جنيف، وأنجزنا كتيبات تعريفية خاصة للطلبة لمساعدتهم على فهم القضية.

وفي منتصف سنة 2012 وقع تكليفي بمهمة مستشار أول مكلف بالعلاقات الخارجية والديبلوماسية في رئاسة الجمهورية التونسية، وكان الملف الفلسطيني أحد الملفات المهمة التي اشتغلنا عليها.

ومن ضمن النشاطات، استقبلنا أغلب الزعماء وتواصلنا مع الجميع ابتداء من الرئيس محمود عباس إلى رئيس الحكومة إسماعيل هنية، مرورا بزعماء كل الفصائل والشيخ رائد صلاح ورئيس المبادرة البرغوثي، وكنا أعلنا عن زيارة الرئيس لغزة منتصف 2013 تأجلت بطلب من السلطات الفلسطينية لتسهيل المصالحة.

واستقبلنا لمدة أسبوعين وفدا يضم أكثر من 100 طفل من غزة والضفة لإبعادهم عن أجواء الضغط، وتمتيعهم بفسحة خارج أسوار الاحتلال. 

 

كان مؤتمر المسارات حول القضية الفلسطينية من أهم الأحداث حول تطور مسار القضية الفلسطينية، حضر المؤتمر حوالي 400 مشارك من 50 دولة بحضور شخصيات من الصفوف الأولى مثل جيرمي كوربين زعيم حزب العمال في بريطانيا، أو رمزي كلارك وزير العدل الأمريكي الأسبق، الذي تحادث لأول مرة مع ممثلين عن فصائل فلسطينية عدة.

 



ونظمنا مؤتمر الأسرى الثاني تحت إشراف رئاسة الجمهورية، وكان حدثا مهما لتسليط أنظار العالم على جريمة اعتقال الأسرى خارج أحكام القانون. كما نظمنا بالتنسيق مع الحكومة زيارة وفد حكومي من 8 وزراء غداة الاعتداء على غزة سنة 2012، وكان رد إسرائيل قصف المدرسة التونسية في غزة. وفي 2014 تابعنا عن قرب مع الحكومات الغربية والأمم المتحدة والشركاء سبل إيقاف الاعتداءات الإسرائيلية، ونسقنا عملية إرسال مساعدات عاجلة عبر مطار العريش في مقابل تقديم بعض التسهيلات للمصريين العالقين في ليبيا. 

وكان مؤتمر المسارات حول القضية الفلسطينية، من أهم الأحداث حول تطور مسار القضية الفلسطينية، حضر المؤتمر حوالي 400 مشارك من 50 دولة بحضور شخصيات من الصفوف الأولى مثل جيرمي كوربين زعيم حزب العمال في بريطانيا، أو رمزي كلارك وزير العدل الأمريكي الأسبق، الذي تحادث لأول مرة مع ممثلين عن فصائل فلسطينية عدة. واعتبر الكثيرون بأن مؤتمر المسارات كان له دور كبير في تسهيل عملية التفاوض والتقارب، سواء بين الفلسطينيين أنفسهم أو في علاقة مع صناع القرار في الغرب. كما صدرت عن المؤتمر وثيقة قانونية مهمة، كانت مرتكزا للتعامل لاحقا مع محكمة الجنايات الدولية ومدها بالتقارير المفصلة المتعلقة بالجرائم التي ارتكبتها إسرائيل.

ومنذ 2016 أصبحت الأمين العام لمجلس جينيف للعلاقات الدولية والتنمية، وواصلنا من خلال مشاركتنا في المؤتمرات والندوات الدولية أو التقارير التي نصدرها تسليط الأضواء على التجاوزات الخطيرة التي ترتكبها إسرائيل بحق العدالة الدولية وحقوق الشعب الفلسطيني الثابتة.

ومهما تغيّرت الظروف والوسائل، فإن الأمر الثابت والراسخ طوال مسيرتي الشخصية المتواضعة، هو أن دفاعي عن حقوق الشعب الفلسطيني هو بالأساس دفاع عن الإنسانية ومفاهيم الحق والعدل، وحقوق الإنسان التي تواصل إسرائيل الاعتداء عليها، ويجب مواصلة الجهود للتصدي لها ولعدوانها وتعرية وكشف عملائها ومن يدعمونها، أكانت دولا أو مجموعات أو أفرادا.

*الأمين العام لمجلس جينيف للعلاقات الدولية والتنمية

 

اقرأ أيضا: سياسي تونسي: فلسطين شكلت وعينا السياسي الحديث والمعاصر