قضايا وآراء

مقتل إدريس ديبي!

1300x600
(1)
شهد يوم تشييع جثمان الرئيس التشادي إدريس ديبي (الجمعة ٢٣ نيسان/ أبريل ٢٠٢١م)، حدثين مهمين ربما يلقيان بعض الضوء على مسار الأحداث، وهما قمة دول الساحل الأفريقي بحضور الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، ومهاجمة الطيران مقر قيادة قوات التغيير المعارضة.

ولكل حدث دلالة وإشارة، فقد أورد بيان لجبهة التغيير والوفاق (FACT) حسب موقع يو إس نيوز: "تعرض مقر قيادتنا للقصف بأوامر من المجلس العسكري ودعم من وكالات أجنبية موجودة في بلادنا، في محاولة لقتل زعيم الجبهة محمد مهدي علي)".

وأوردت تقارير أخرى أن طائرات دون طيار قد هاجمت مقر الجبهة، دون ذكر خسائر. وبدون شك فإن هذه مساهمة فرنسية، ويشير ذلك لفرضيتين؛ تحييد هذه المجموعات في إطار عملية أمنية لضمان نجاح زيارة ماكرون وترتيبات التشييع، أو موقف فرنسي حاسم لتصفية الزعيم المعارض. وتؤكد القرائن الفرضية الثانية، وذلك من خلال تحليل محتوى كلمة الرئيس الفرنسي ماكرون وجاء فيها: "إنهم لن يسمحوا بتدهور الأوضاع في تشاد"، وثمة إشارات أخرى على ذات السياق تؤكد دعم المجلس العسكري..

ويثور هنا سؤال ملح: إذا كان هذا موقف فرنسا، لماذا سمحت لقوات المعارضة بالعبور من ليبيا والتوغل في الداخل التشادي، والاكتفاء بالمعلومات الاستخبارية والإحداثيات، بل لم تتدخل القوات الفرنسية في المعركة الحاسمة يوم ١٧ نيسان/ أبريل ٢٠٢١م والتي جرح فيها الرئيس السابق إدريس ديبي؟..

أما الحدث الثاني، فهو نتائج اجتماع مجموعة دول الساحل، والذي أكد دعمه ومساندته للمجلس العسكري وضرورة حدوث انتقال سلس في تشاد، مع أن تشكيل المجلس العسكري يخالف الدستور التشادي ويناقض ميثاق الاتحاد الأفريقي الذي يرفض أي تجاوز دستوري في أمر الحكم (الانقلابات)، فهل تم الضغط على المؤسسة للتعامل مع الأمر، أم أن ثمة خفايا أخرى؟

(2)
"التجسير"..

هذه مفردة غير سائدة في تشاد، وكذلك في السودان، ولكنها ممارسة فعلياً. ويمكن أن نقول إنها حالة الانتقال من واقع لآخر، حيث تتم تهيئة البيئة السياسية وشروط المهمة..

ونجد بين الرؤساء في تشاد من امتدت مهامه ليومين فقط (نويل ملاريو، ١٣- ١٥ نيسان/ أبريل ١٩٧٥م)، ومن استمر في الحكم لمدة ٣٧ يوماً (جوكوني وداي، ٢٣ آذار/ مارس- ٢٩ نيسان/ أبريل ١٩٧٩م)، ومن حكم ١٣٧ يوماً (محمد شوا، ٢٩ نيسان، أبريل- ٣ أيلول/ سبتمبر ١٩٧٩م).

كل هذه التغيرات لبلاد حكمها سبعة رؤساء سابقين منذ استقلالها في ١٩٦٠م، نال فيها الرئيس الراحل إدريس ديبي ٣٠ عاماً (آب/ أغسطس ١٩٩٠م وحتى نيسان/ أبريل ٢٠٢١م).. وانتهت رئاسات معظمهم بالانقلاب أو القتل، ولم يتنح سوى اثنين (فيلكس مالوم 19٧٥- ١٩٧٩م،) وحوكوني أودي (١٩٧٥م) لضمان العودة بعد ١٣٧ يوماً ويحكم لمدة ثلاث سنوات (١٩٧٩م- ١٩٨٢م). فهل تم التوافق على خيار مرحلي، والانتقال بهدوء، بما يضمن طي صفحة الرئيس ديبي بسلاسة؟

(3)
تطوران مهمان على الساحة التشادية الأحد (٢٥ نيسان/ أبريل ٢٠٢١م):

أولهما: موافقة ٣٠ حزباً تشادياً معارضاً على إجراءات جديدة تضمن تعديل ميثاق الانتقال والتأكيد على أن الفترة الانتقالية ١٨ شهراً فقط، وتشكيل حكومة وحدة وطنية من جميع الطيف السياسي، وذلك بعد اجتماع مع دول الساحل (تشاد، النيجر، وبوركينا فاسو، ومالي، وموريتانيا)، فهذا تطور لأغراض تماسك وحدة الداخل.

والتطور الثاني: قبول جبهة المعارضة (FACT) على وقف إطلاق النار والدخول في مفاوضات، وذلك حسب بيان المعارضة (استجابة لمناشدات الأصدقاء ولدعوة المجلس العسكري)..

في حزيران/ يونيو ٢٠٢٠م صدر مرسوم دستوري بترقية الرئيس ديبي لرتبة "مارشال"، وتضمن ذلك مرسوم بروتوكول عن الزي والعصا والسيف وتفاصيل كثيرة، بينما أقدار أخرى تكتب.

وبقراءة بسيطة للمشهد، فإن ما يجري هو تجاوز مرحلة الرئيس التشادي السابق إدريس ديبي فحسب، وإنما إعادة ترتيب المنطقة في سياق جديد.