قضايا وآراء

المعتقلون في مصر كقضية أمن قومي

1300x600
تعد قضية المعتقلين على خلفية اتهامات سياسية في مصر قضية أمن قومي في المقام الأول على الصعيدين الداخلي والخارجي. فالأحداث تثبت يوما بعد آخر أن عشرات الآلاف من الوزراء السابقين والشباب والنساء من مختلف التوجهات القابعين في ظروف إنسانية صعبة؛ هم رصيد مخصوم من الأمن القومي المصري. هذا بالإضافة إلى المجهودات المضنية التي تبذلها السلطات المصرية، والمبالغ الطائلة التي يتم دفعها لتبرير احتجاز كل هذا العدد لو تم توجيهها إلى ملفات أخرى لتم حل كثير من المشاكل.

والحقيقة أن شواهد ترابط قضية المعتقلين مع الأمن القومي واضحة منذ عدة سنوات، ولكن زادت حدتها خلال الشهور الماضية. الأمر هنا لا يتعلق فقط بالضغوط المحتملة من إدارة الرئيس الديمقراطي الجديد في البيت الأبيض جو بايدن في ملف حقوق الإنسان، ولكن أيضا تأثيرات هذه الملف على العلاقات المصرية الأوروبية والإيطالية. وهو ملف مهم أيضا على صعيد العلاقات الأفريقية، وخاصة في ما يتعلق بالعلاقات المصرية الإثيوبية وقضية سد النهضة المصيرية.

ليس سرا أن هناك حملة كبيرة تقوم بها إثيوبيا في إطار دبلوماسية رسمية وشعبية للترويج لوجهة نظرها في مسألة السد، وأنها تستغل ملف المعتقلين في مصر كأحد الأدوات التي تدلل بها على عدم مصداقية النظام المصري. وقد خرج هذا الأمر للعلن، ربما لأول مرة، مع تصريحات المتحدث باسم الخارجية الإثيوبية دينا المفتي حين قال في كانون الأول/ ديسمبر الماضي صراحة: "إن مصر تعلق مشاكلها على شماعة سد النهضة هروبا من مشاكلها الداخلية". وأضاف أن مصر تحتجز آلاف الإسلاميين في منطقة واسعة جدا، كما استشهد بكيفية وفاة الرئيس الراحل محمد مرسي.

التحرك المصري المضاد باستدعاء القائم بالأعمال الإثيوبي في القاهرة والاحتجاج على هذه التصريحات لم يغير من حجم الضرر الذي أصاب الأمن القومي المصري، وليس النظام الحاكم وحده، باستخدام هذا الملف. ولم يكن بمقدور رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد أن يسمح بمثل هذه التصريحات لو لم يكن واقفا على أرض سياسية صلبة في بلاده، بعد إبرام مصالحة داخلية مع المعارضة والتي حاز على إثرها على جائزة نوبل للسلام، بغض النظر عن صراعاته الحدودية مع إقليم تيغراي.

خلال الشهور القليلة الماضية، صعدت قضية المعتقلين في مصر إلى الواجهة، كقضية إنسانية في المقام الأول ينبغي تنزيهها عن أية مساومات سياسية. وانطلقت عدة حملات المطالبة بالإفراج الإنساني عن المعتقلين، منها حملة المطالبة بالعفو الرئاسي عن أيمن موسى، الطالب السابق في الجامعة البريطانية بمصر والمحكوم عليه بخمس عشرة سنة سجنا، بالإضافة لدعوات لفتح قنوات تفاوض مع النظام للإفراج عن المعتقلين.

النضج الذي حدث في التعامل مع مثل هذه المطالبات يشير إلى أننا في مرحلة جديدة عن الأعوام السابقة، فلم تخرج أصوات تزايد على مسألة الإفراج المشروط من عدمه، كما حدث ربط بين المخاطر الكبرى التي تحيق بالأمن القومي المصري حاليا، وحتمية حل هذه الملف للمصلحة العامة قبل أن يكون لمصلحة المعتقلين أو لمصلحة تيار سياسي بعينه.

وليس من الواضح هل تلتقط السلطات في مصر هذه الإشارات الإيجابية الناضجة من الأصوات المعارضة أم لا، رغم أنه حدثت بعض الإفراجات بالفعل مطلع شهر رمضان الحالي عن بعض الوجوه البارزة، مثل الصحفي والقيادي السابق في حزب الدستور خالد داود، والصحفية سولافة مجدي وزوجها الصحفي حسام الصياد. لكن لم تحدث إفراجات عن نشطاء أو شخصيات سياسية من خارج دوائر الجماعة الصحفية، فالتكهنات والتحليلات تشير دوما إلى مسار إفراج متعلق بالصحفيين دون غيرهم خلال السنوات الماضية بسبب ضغوط النقابة والرأي العام المحلي والدولي.

لقد أصبحت قضية الإفراج عن المعتقلين قضية مصيرية أكثر من ذي قبل، وضرورة لمواجهة عدة أزمات تواجه البلاد في المرحلة المقبلة. وأتصور أن تغيير زاوية النظر إلى هذا الملف قد يغير من كيفية التعاطي معه، خاصة أن تأثيره أصبح مباشرا على قضايا تمس الجيل الحالي والأجيال القادمة.

twitter.com/hanybeshr